نسرين إدريس قازان/مجلة بقية الله/العدد313
اسم الأم: يسرى حسن.
محل الولادة وتاريخها: علي النهري 8/9/1988م.
رقم القيد: 9.
الوضع الاجتماعي: خاطب.
مكان الاستشهاد وتاريخه: جوار مقام السيدة زينب 29/4/2013م.
وسيقالُ عن بعض الرجال "إنّ هناك رجالاً..". أولئـــك الذين وإنْ غابــوا لا يرحلـــون، تظــلّ حـكاياتهم منسوجة بساعات الأيّام، ووجوههم مشرقة مع كــلّ رفّة جفن؛ رجالٌ ينظرُ إليهم صاحب الزمان بعَين رحمتـــه منذ أن كانوا أجنّة في أرحــام أمّهاتهم. والسيّد مهدي رجـلٌ من هؤلاء الراسخين في القلب.
* نذَرَته لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
كان في رَحم أمّه، حينما أبصرت في الرؤيا رايةً مكتوباً عليها "يا مهديّ أدركنا" فضجّت الدنيا بدعاء الفرج، وما إن استفاقت حتّى أخبرت زوجها بما رأت، فاتّفقا أن يسمّيا الجنين "مهدي" ومرَّرت بيدها على بطنها قائلة: إنّي نذرتُ ما في بطني لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف..
ونُذر ابن السلالة الهاشميّة لجده. وفي كلّ سَكْنة من سكَنات عمره كان هناك شيء لافت في هذه العلاقة، فقد كان حضور صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في حياته قوياً وواضحاً، فالغائبُ حاضرٌ مراقب، يحفُّ بالقلب والوجدان، وهو باب الشكوى وأعتاب الحاجة وباسمه يلهجُ اللسان في كلّ ملمّة.
* منبتٌ حسَن وبيتٌ طيّب
منذ طفولته كان يعشق "إتقان العمل"، فلا يقبلُ أن توسَم أعماله بشائبة، ففي المدرسة تفوّق على أقرانه على الرّغم من أنّ والديه كانا دوماً يطلبان منه أن يعطي وقتاً أكثر للدراسة، غير أنّه كان يعوّل دوماً على فطنته ويطلب من أمّه المواظبة على الدعاء له لتيسير أموره. وقد لفت نظر أهله ببديهته وسرعة اكتسابه مختلف المهارات.
حينما كان يقف والده للصلاة كان مهديّ (ابن السبع سنوات) يركض للوقوف بالقرب منه؛ يلتفت إلى لفظ الحروف، وإلى قداسة الوقوف. وكيف لا يكون كذلك من فتح عينيه على الدنيا في بيتٍ يعبق بأريج التديّن المحمّديّ الأصيل. وبصوته الرنّان الجميل كان مهديّ يرتّل آيات الله ويلهج بالدعاء. ومن باب "الإتقان" الذي التزم به، درّب صوته وعمل على صقل حنجرته بتمارين جعلته يستغني في بعض الأحيان عن مكبّر الصوت. وكان لعبه الطفوليّ من ضمن هذه التمارين، إذ كان يلفُّ لنفسه عمّة سوداء ويجلس في صحن الدار قارئاً للعزاء أو مردّداً لنشيد "الشعب استيقظ يا عباس".
* شغف الالتحاق بمسيرة الممهّدين
كان مهديّ عاشقاً للمعرفة، وتوّاقاً للالتحاق بمسيرة الممهّدين لصاحب الحضرة المقدّسة، وقد شغفه العالم الكشفيّ فكان لصرخة "يا مهديّ أدركنا" وَقعها الخاصّ في قلبه. وكم تحسّر وهو يرى أخواته البنات يذهبنَ إلى الكشّافة وهو يقبع على عتبة البيت ينظر إليهنّ بثيابهنّ المرتّبة، بينما هو محروم من ذلك لأنّ الكشافة آنذاك لم تفتح صفاً لمن في عمره. وسرعان ما تحقّق حلمه والتحق بالكشّافة ليتدرّج من عنصر إلى قائد محبوب، وصار يستقطب الأطفال والفتية إلى الطريق الذي منه يدلفون إلى عالم الجهاد.
* يعمل لخدمة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
وكأنّ مهدياً طوى الزمن، فتراه في مقتبل عمره يسعى بين دورةٍ عسكريّة وجبهة. وقد لمع ذكاؤه وسرعة بديهته في العالم الجهاديّ وتسلّم العديد من الملفّات الحسّاسة. فهو شاب متميّز باندفاعه ومبادرته ووعيه واتّزانه. مضافاً إلى إجادته العمل فقد كان يحرص كلّ الحرص على الحدود الشرعيّة في عمله. وكما كان التزامه مثلاً يُحتذى به، كذلك أخلاقه الرفيعة والتزامه التامّ بالتكليف؛ إذ لم يكن يقلِّل من شأن أيّ عمل يُطلب منه، بل تتساوى عنده أهميّة نقل الصواريخ وإطلاقها بالحَرْث وزرع الشجر. لقد كان مهديّ دوماً في طليعة المبادرين للقيام بأيّ عمل بغضّ النظر عن الجهد والتعب وإنْ كان لا يقع ضمن مسؤوليّته العمليّة، فأيّ عمل يستطيع القيام به خدمة لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف هو جاهز له، حتّى أنّه قال لرفاقه في إحدى المرابطات: "لو طلبوا مني أن أغربل التراب لفعلتُ".
* صاحب الزمان الأنيس والمغيث
شارك مهديّ في الكثير من المهمّات الجهادية. ولطالما كان يشعر بوجود صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف معه، إذ لم يكن له أنيس غير ذكر مولاه. وقد تعرّض لحوادث مميتة غير مرّة، وكان ينجو منها بقدرة الله ورعاية صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، منها سقوط الآليّة التي كانت تُقلّه ورفيقيه بعد عودتهم من مهمّة جهاديّة في الوادي، وكانت نجاتهم ببركة نداء "يا أبا صالح أغثنا" أو وَكزَة خفيفة من زميله أبعدته عن طلقة قنّاص.
* دعاء وإلحاح لطلب الجهاد
وكان قلبُ أمّ مهديّ يحدّثها بما يخفي عنها ولدها من المخاطر، فإنْ سألته حكى لها ما حصل. وقد حرسه دعاؤها وتوسّلها من كلّ بليّة. حتّى إذا ما دقّ نفير الحرب في سوريا رشّح مهديّ نفسه مباشرة للذهاب، غير أنّ طبيعة عمله أعاقت الموافقة، فلم يكن منه إلّا الدعاء والالحاح لتحصيلها.
كان مهديّ يقرأ الأدعية في المحاور عن ظهر قلبٍ، يستيقظُ رفاقه في الليل وهو يحبس أنينه المتوسّل إلى الله أن يرزقه الشهادة. وقد طلب إلى أمّه في الآونة الأخيرة أن تتوقّف عن دعاء "يا رادّ يوسف إلى يعقوب" والدعاء له بالشهادة. هكذا قال لها عندما ودّعها وداعه الأخير. ولمّا شعر بخوف أبيه عليه، قال له مهديّ بصوت جهوريّ: "هذه عمّتنا، نحن من يجب أن ندافع عنها".
* وَفى ما عاهد الله عليه
كان قد مضى على خطوبة مهدي ستّ سنوات، وعيَّن موعد زفافه بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام، إذْ لم يعد أحد يقبل التأجيل، وهو الذي تناقل كتفاه نعوش رفاقه فذبلت فيه روح الحياة. أصرّ مهديّ على الذهاب إلى تلك المهمّة، وقد فاضت روح أمّه حزناً على فراقه، والْتاع قلبُ الأب الذي شعر بدنوّ الفراق، ففي الآونة الأخيرة صار مهديّ يمدّ فراشه لينام بالقرب من والده وكأنّه يتزوّد من رائحة أبيه قبل الوداع.
قُرب حرم السيّدة زينب عليها السلام، صدق مهديّ ما عاهد الله عليه. وقد وُوري في الثرى في ليلة موعد زفافه الذي أقيم في الجنان، وقد وصل أثاثُ منزله في يوم دفنه.
"السيد مسلم" أو "نور"، كما يعرفه أغلب رفاقه، شابٌّ من هذه الثلّة التي غادرت سريعاً وهي لا تزالُ في مقتبل العمر. وقد لحقت به والدته التي ربّته على مهمّة التمهيد لصاحب الزمان وليس الانتظار، لترقد في جواره بعد سنتين من استشهاده.