لم تكترث إسرائيل لبعض التفسيرات اللبنانية التي قاربت العرض العسكري لحزب الله في مدينة القصير السورية. تل أبيب هي الأكثر إدراكاً والمعنية أكثر من غيرها بحقيقة ما ينطوي عليه هذا الاستعراض غير المسبوق، ولا شك لديها حول دلالاته.
من هنا، وجدت إسرائيل نفسها ملزمة باستعراض مضاد، لكن ليس عبر الكشف عن قدرات عسكرية معروفة مسبقاً، بل لتؤكد أنها باتت جاهزة وعلى استعداد لسحب عشرات الآلاف من سكان المستوطنات المحاذية للحدود، في خطة طموحة لتفويت الفرصة على حزب الله كي يدخلها فارغة، إن قرر التوغل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية في المواجهة المقبلة.
«مدى آمن»، هي الخطة الإسرائيلية للانسحاب من المستوطنات، كما كشفت مصادر عسكرية إسرائيلية لصحيفة هآرتس أمس، وتشمل إجلاء 78 ألفاً من المستوطنين، إلى مناطق أكثر أمناً وأقل عرضة لتوغل وحدات حزب الله الهجومية، في حال نشوب الحرب. كَشفُ الخطة ومدرجاتها، في أعقاب استعراض القصير، يشير إلى حجم تأثير الاستعراض وفاعليته، ودليل على أن رسالة حزب الله، بما يتعلق بإسرائيل، وصلت بالفعل.
وتعرض هآرتس، لخطة «مدى آمن»، مشيرة إلى أن قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، افيف كوخافي، عمل على مدى عامين كاملين، على تحصين الجبهة الشمالية في مواجهة حزب الله، بما يشمل عوائق ودفاعات من شأنها تصعيب تسلل عناصر حزب الله إلى المستوطنات، ومنع هجمات فجائية. ولفتت إلى أن الخطة لحظت أيضاً حماية خاصة للمقار القيادية من نيران القنص والصواريخ المضادة للدروع، إضافة إلى التحصين ضد الصواريخ وقذائف الهاون، كما دربت الوحدات العسكرية على حماية المستوطنات ومنع أعمال التسلل إليها.
لكن ما يلفت في الخطة، هو ما سمته الصحيفة «الإجراء البديهي»، وهو تهيئة المستوطنات لإخلائها خلال المواجهة، إذ بلور كوخافي والقائد الجديد الذي سيخلفه في المسؤولية عن قيادة المنطقة الشمالية، يؤاف ستريك، خطة عمل شاملة للإخلاء، أطلق عليها أمس «مدى آمن». الخطة الدفاعية تهدف إلى المسارعة إلى سحب المستوطنين في حال نشوب الحرب، أو توفر إنذار استخباري مسبق في الساعات التي تسبق الحرب.
المستوطنات التي تدخل ضمن مجال عمل الخطة، تقع في معظمها ضمن دائرة 4 كيلومترات عن الحدود اللبنانية، إضافة إلى مستوطنات أبعد من هذه الدائرة، لكنها مكشوفة أمام حزب الله. وفي الخلاصة، يبلغ عدد المستوطنات المنوي إخلاؤها 50 مستوطنة، يسكنها 78 ألف مستوطن، مع الإشارة إلى أن 22 مستوطنة منها، موجودة على بعد كيلومتر واحد من الحدود، يقطنها 24 ألف مستوطن، من بينها مستوطنتا شلومي والمطلة، المحاذيتان للحدود مع لبنان.
ولفت المحلل العسكري لـ»هآرتس»، عاموس هرئيل، إلى أن شن حزب الله ضربة خاطفة هجومية، والتوغل إلى ما وراء الحدود، سيحقق له إنجازاً كبيراً، من شأنه أن يصعب على الجيش الإسرائيلي محوه، حتى لو استطاع أن يوجه ضربة كبيرة خلال الحرب. ولفت أيضاً إلى أن الهجوم الفجائي، من شأنه أيضاً أن يعيق عمل الجيش الإسرائيلي لنقل قواته، وأيضاً تأخير إنهاء تجنيد وحدات الاحتياط، وتقدمها نحو الجبهة.
وفيما أكد هرئيل أن الجيش الإسرائيلي استثمر في السنوات الماضية جهداً كبيراً في تحسين قدراته الهجومية، وأيضاً استخباراته وتطوير قدراته، إلا أن هذه الإجراءات لا تكفي وحدها، بل تتطلب معها مساعي تكميلية دفاعية، إذ إن «إدراك العدو (حزب الله) أنه قادر على إلحاق ضرر بإسرائيل، وفي أسوأ الأحوال إجبار جيشها على القيام بانسحابات محلية»، حتم على الجيش بلورة خطة سحب المستوطنين من المستوطنات القريبة من الحدود، إلى أماكن قد تكون أكثر أمناً، في وسط (فلسطين المحتلة) وجنوبها.
خطة الإخلاء التي تعدّ انقلاباً في الاستراتيجيات الإسرائيلية التي كانت تعتمد سياسة الحزام الأمني مع لبنان لإبعاد التهديدات ضمن الأراضي اللبنانية، باتت ما يشبه حزاماً أمنياً داخل أراضي الاحتلال نفسه. مع ذلك، تروج إسرائيل لتقهقرها المسبق وفشلها في منع حزب الله من التوغل، على أنه إنجاز غير مسبوق. إذ قال ضابط رفيع المستوى في قيادة المنطقة الشمالية، لهآرتس، إن «الخطة ستسحب البساط من تحت أقدام حزب الله. نعم قد تستطيع وحدة الرضوان في حزب الله اختراق المستوطنات، لكنها ستكتشف أنها ستكون خالية من السكان».
بحسب التقديرات السائدة في قيادة المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلي، لن تضطر الخطة الموضوعة إلى إخلاء كل سكان المستوطنات، إذ إن 40 بالمئة من المستوطنين سيخلون أنفسهم بأنفسهم، لكن في الوقت نفسه، فإن ربع السكان في المستوطنات القريبة من الحدود، هم من ذوي المناصب التي تفرض عليهم البقاء فيها، على شاكلة عناصر الاحتياط والطواقم الطبية وعمال المصانع الحيوية التي ليس في الإمكان إقفالها.
وفي تعليق مباشر على استعراض القصير، قال مصدر عسكري إسرائيلي رفيع المستوى لصحيفة جيروزاليم بوست، إن الحرب المقبلة مع حزب الله ستكون «حرباً حقيقية». وأضاف: «الحرب لن تكون ضد جماعة مسلحة، بل ضد جيش كامل المواصفات والقوة، مع مستويات مختلفة من القدرات القتالية الهجينة، بين تكتيكات حرب العصابات والتقليدية على السواء».
يحـيى دبوق/جريدة الأخبـار