تأنسُ أمّي كثيراً كلما تردّد على مسامعها لحنُ أجمل الأمهات. بالأمس كنت أفكر أنّ أمي باتت جزءاً من هذه القصيدة، وأنّ أخي رفع الجنّة من تحت قدميها حتى باتت في راحة كفّيها.
لم يعد أخي من جهاده الأخير بلحيةٍ طويلة ووجهٍ ممزوج بالتعب والتراب. كان وجهه قريباً لاخر وداع، لأنه في المرة الأخيرة لم يُطل علينا الغياب. كان وجهه مُشبعٌ بالضوء والسكينة، عيناه نائمتان بكل سلام، وابتسامته مرتاحةٌ فوق وجهه الجميل. في الغياب الأخير كان أخي ينسجُ من جهاده ثوباً يليق بأمي، بعض الجميل لما قدّمته في ما مضى من السنوات، ولا تزال. حاكى من بندقيته شهادةً زادت أمي جمالاً، فباتت أجمل الأمهات. لقبٌ تستحقّه بجدارة.
في كلماته عن أمّنا الجميلة، يقول محمد أن الأمّ هي دليل كافٍ على وجود الله. اليوم بات وجود الله أقرب، لعلّه لامس بعضاً من هذا الوجود، بعد أن لامس السماء. بعد شهادته قرأت أمي ما خطّه أخي في عيدها الماضي، شعَرَت بفائض الحبّ، كأنه كان يترك لها حباً يكفي للقادم من السنوات، وقصيدةً كتبها في ليل لتقرأها كلّ ليل.
بالأمس، وقفت جميلتنا أمام ضريح محمد، نظرت إلى صوره الكثيرة، ورسمت بين دموعها ابتسامة شوقٍ ورضا. هكذا كما في أوّل لقاء بعد الشهادة، فخورةٌ بما قدّمه شهيدها وما تركه من أثر. جمعت ما في يدها من ورد وكلمات، أعادت ترتيب ابتساماته الكثيرة في صوره المعلقة فوق الضريح، فباتت جنّته أجمل. هذه الأم التي لا تتعب من الإهتمام بكل تفاصيل ولدها.
هذا العام، وأنا أردّد أمام أمي كلمات القصيدة التي تحبّها كثيراً، كنت أدقق في أحرفها أكثر، وكنت أعلم أن أمي باتت تدرك معانيها أكثر، فهي التي انتظرت وهي التي عاد إليها ولدها مستشهداً، فبكته دمعتين ووردة ولم تنزو في ثياب الحداد...
زهراء جوني/موقع العهد
بتوقيت بيروت