بين ثغور جبل صافي (إقليم التفاح) وبساتين أنصارية (صور)، بدأ القائد الشهيد علي فياض حفر اسمه في ذاكرة المقاومة، قبل أن يلمع نجمه في العمليات النوعية في الثمانينيات والتسعينيات حتى نُقل عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قوله: «هذا القائد لن تُعرف قيمته إلا بعد استشهاده».
في هذه العمليات التي ثبتت مسار عمل المقاومة ضد الإسرائيلي ظهرت قدرات علاء ومواهبه العسكرية والتخطيطية، فكان ممن انتقتهم قيادة المقاومة لنقل تجربتها إلى الخارج.
قبل العراق وسوريا، كانت سراييفو. عام 1992 يمّم فياض شطر البوسنة لتنظيم صفوف المقاتلين المسلمين. المهمة الأساس كانت، كما أورد تقرير لورين ميتري وبوركو أكان لـ «معهد السلام»: القتال المتلاحم، لأنه «ببساطة، مهارتهم (مقاتلو حزب الله) وخبرتهم كانت أكثر قيمة من إضاعتها في أنواع أخرى من القتال». وبعدما وضعت الحرب اليوغوسلافية أوزارها، عاد فياض إلى صفوف المقاومة في لبنان، حاملاً اسم «علاء البوسنة». في لبنان، عاد إلى «ملعبه» الأثير في التخطيط للعمليات النوعية التي كان يرفض إلا أن يكون على رأس المشاركين فيها. أشهر تلك العمليات كانت اقتحام موقع الدبشة عام 1994. يومها شنّت سرية الشهيد القائد سمير مطوط هجوماً على أحد أكبر مواقع العدو، الذي كانت تتحصّن فيه قوة من لواء جفعاتي، أحد أبرز الألوية العسكرية في العالم تجهيزاً وتدريباً وأداءً. دار القتال مع جنود العدو من مسافات قريبة، قبل أن يدمّر المقاومون الموقع ودشمه. بعد التحرير، واصل العمل في مزارع شبعا، وكان ممن كلّفهم الشهيد عماد مغنية تجهيز الإنشاءات العسكرية المواجهة للعدو على الحدود، والتحضير مع القادة الميدانيين لمفاجأة الإسرائيلي في أي مواجهة مقبلة. وبين 2007 و2009، تسلّم وحدة القوة الخاصة التي يتصف مقاتلوها بمهارات قتالية عالية، ويتردّد بين جمهور المقاومة أن هذه القوة هي المكلفة اقتحام الجليل في الحرب المقبلة.
مع دخول حزب الله الحرب السورية بعدما هدّد التكفيريون الحدود اللبنانية، تسلّم «الحاج علاء» المسؤولية العسكرية في منطقة الغوطة الشرقية، وكانت له بصمات لا تنسى. في ميدعا، شرق مدينة دوما، وضع فريق «علاء البوسنة»، أو كما يطلق عليه «لجنته»، خطة لتفجير تشريكة عبوات في معبر إلزامي للإرهابيين. عانى الفريق لإقناع «علاء» بالموافقة على الخطة. بعدما كان يفضل أن يكمن المقاتلون للإرهابيين ويلتحموا معهم مباشرةً، وهو نوع القتال الذي يفضّله. لكنه، في النهاية، «رضخ» للخطة، وكانت حصيلة تفجير العبوة مقتل 35 إرهابياً. كمين العتيبة الأشهر، في 25 شباط 2014، حمل بصمته أيضاً، كما بصمة صوته التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي: «فجّر يا علاء»، ليقتل نحو 176 إرهابياً كانوا في طريقهم من الأردن إلى الغوطة الشرقية.
شارك في معارك الغوطتين ومحيط مقام السيدة زينب وريف دمشق
الشرقي ومطار دمشق ودرعا واللاذقية وإدلب - سهل الغاب وحلب وريفها. وغالباً ما كان
على رأس الالتحامات، رافضاً دوماً تسلّم المسؤوليات التي تتطلّب منه البقاء في غرفة
العمليات. تعرّض للإصابة ثماني مرات، إحداها إصابة بالغة في معدته، في أثناء إحدى
معارك العتيبة. رفض طلب المسعف بضرورة دخول المستشفى وأمره بإخفاء الأمر عن
مقاتليه حتى انتهاء المعركة حتى لا يؤثر في معنوياتهم، وبقي مشاركاً في الهجوم
الذي استمر ساعة ونصف ساعة، قبل أن يوافق على نقله إلى المستشفى. في سهل الغاب،
حوصرت مجموعة للحزب سقط منها شهيدان وجُرح عشرون. ترأس قوة من المشاة واجهت قذائف
الهاون والمدفعية ونجح في فك الحصار. الأمر نفسه تكرّر في ريف دمشق. لم يحتقر
العدو يوماً، لكنه لم يهَبه. ولطالما كان ينتظر فرصة الدخول إلى الجليل، لكن
استهدافه سبقه.
صباح يوم
الجمعة الماضي، على طريق خناصر – حلب التي فتحها أول مرة، دارت الاشتباكات مع
إرهابيي «داعش». أصيب في قدميه ومعدته من جديد، ثم، بطيئاً، شحّ ضوء عينيه. توقف
عن القتال الذي لم يكتف منه يوماً. أمس، نُصب عزاؤه في بلدته أنصار مجدداً.
وإليها، وإلى الجنوب الذي عشق، سيعود غداً للمرة الأخيرة.
هادي أحمد/جريدة الأخبار
بتوقيت بيروت