ألهب الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصر الله السجال القائم منذ ما بعد حرب لبنان الثانية حول الخطر الداهم جرّاء وجود مخازن كيميائيّة هائلة في خليج حيفا، بإعلانه أنَّ إصابة هذه المخازن بصاروخ يتسبّب بأضرار تعادل قنبلة نوويّة. واعتبرت أوساط إسرائيليّة أنَّ تهديد نصر الله زاد القلق في أوساط سكّان خليج حيفا، وأشعرهم أنّهم «يعيشون على قنبلة نوويّة موقوتة»، بحسب بعضهم ممّن يرى أنَّ هذه تذكرة مؤلمة لإخفاق السلطة الإسرائيليّة في إبعاد خزانات الأمونيا التي تحوي 12 ألف طن من هذه المادة الخطيرة. وعاد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي آيزنكوت، وكرّر أنَّ الخطر المركزي الذي تواجهه إسرائيل حالياً، هو خطر «حزب الله».
وأعاد كلام السيّد نصر الله عن خزانات الأمونيا في خليج حيفا،
إحياءَ سيناريوهات الرعب التي تلازم سكّان هذه المنطقة والبالغ عددهم حوالي مليون نسمة.
وكانت قد تزايدت في الأسابيع الأخيرة، التقارير حول اتّساع نسَب الإصابة بأمراض
السرطان بين سكان حيفا، مقارنةً بباقي المناطق جرّاء وجود هذه الخزانات. كما أنَّ
وجود هذه الخزانات يشكّل، على الأقل منذ عدوان تموز 2006، أحدَ أبرز مواضع الخطر الاستراتيجي، حيث
شُكّلت لجان تحقيق أوصت بالعمل على إبعادها عن هذه المنطقة السكانيّة المهمة. لكنّ
شيئاً لم يحدث حتى الآن، ما دفع البعض إلى اعتبار كلام السيد نصر الله بمثابة
تذكير بالإخفاق الحكومي الكبير في هذا المضمار.
ونشرت جمعيّة
«تسلول» البيئيّة، أمس، تعقيباً على كلام السيد نصر الله، قالت فيه إنَّ تسرّب
عشرين في المئة فقط من كميّة الأمونيا الموجودة في خزانات حيفا، يكفي للتسبّب بموت
17 ألف شخص، فضلاً عن إصابة عشرات الآلاف. وبحسب معطيات هذه الجمعيّة الداعية إلى إبعاد خزانات الأمونيا
عن خليج حيفا، فإنَّ كلام نصر الله عن أثر قنبلة نوويّة ليس بعيداً عن الواقع. فخزانات الأمونيا التي تستوعب 12 ألف
طن من الغاز السام، تقع في قلب منطقة مأهولة يمكن أن تتحوّل إلى قنبلة نوويّة إذا
سقط عليها صاروخ. وفي بلدية حيفا، قالوا إنَّهم لم ينتظروا نصر الله من أجل الكفاح
لإغلاق المخازن، لكنّهم أقرّوا بأنَّ تهديده أعاد وضع الأمر على جدول الأعمال.
وقالت البلدية، في بيان شديد اللهجة، إنَّها «تخوض حرباً يوميّة ضدّ الجرائم التي اقترفتها
الدولة ضدّ سكان خليج حيفا في عشرات السنوات الأخيرة».
واعترف وزير البيئة، آفي غباي، بأنَّ «خزان الأمونيا يشكّل خطراً بيئياً وأمنياً، ونحن نعمل على إخراج الخزان الخطير من حيفا عن طريق إنشاء مصنع لإنتاج هذا الغاز في الجنوب». ولكن مثل هذا الإعلان سبق أن أصدره قبل أربع سنوات وزير البيئة في حينه جلعاد أردان، موضحاً أنّه سينتقل قبل العام 2015، ولم يتحقّق شيء. وحالياً يجري الحديث عن نقل الخزان في العام 2017.
وأشار الناشط البيئي، مور جلبواع، إلى أنَّ «خليج حيفا قنبلة موقوتة. ونحن لسنا بحاجة لتهديدات نصر الله كي نفهم أنّه ينبغي لنا تغيير هذا الواقع بسرعة. وينبغي إبعاد، ليس فقط خزان الأمونيا بسرعة عن خليج حيفا، إذ يجب تقليص قوّة إنتاج المصانع الملوثة جوهرياً وبأسرع وقت، كما يجب وقف مشاريع توسعة المنطقة الصناعية ومصافي النفط».
واعتبر معلّق الشؤون العربية في موقع «والا»، آفي يسسخاروف،
أنَّ كلام نصر الله ليس بشرى جديدة، وأنَّ «حزب الله» حاول أثناء حرب لبنان
الثانية ضرب مخازن الأمونيا. ولكن الجمهور الإسرائيلي ـ بحسب قوله - وكعادته نسيَ الخطر،
وها هو الأمين العام لـ «حزب الله» يعيده إلى الواجهة. وأشار يسسخاروف إلى أنَّ
السيد نصر الله كان مرتاحاً في الخطاب الذي جاء على خلفية رجحان كفّة «محور الشر»
في سوريا، ما دفع نصر الله إلى «بثّ الكثير من الثقة بالنفس ومواصلة إطلاق الوعود
بالنصر القريب في سوريا». واعتبر أنَّ الحرب في سوريا مكلفة ومؤلمة للحزب، لذلك
يبدو أن «لا شيء أفضل من بعض الخطابية الحماسيّة ضدّ إسرائيل من أجل التغطية على
المشاكل الداخليّة، فها قد صار لحزب الله في النهاية قنبلة نوويّة».
وفي كلمة
ألقاها آيزنكوت أمام طلاب ثانويين في بات يام، أمس، علّق على التهديدات التي
تواجهها إسرائيل قائلاً، إنَّ «حزب الله يمتلك القدرات الأكثر جوهريّة حول دولة
إسرائيل». وأشار إلى «أنّنا نواجه أربعة مخاطر مركزية حالياً: مواجهة الجيوش
النظاميّة التي لم نصطدم بها منذ العام 1973، والخطر الثاني هو في مواجهة
الإيرانيين، وخطر الكيانات دون الدولة لتنظيمات الإرهاب، والخطر الرابع هو خطر
السايبر. وترافق ظاهرة الإرهاب المجتمع الإسرائيلي على مرّ السنين والطعن
بالسكاكين كان موجوداً قبل سنوات. شبان وشابات بعمر الصبا، عازبون وعازبات، معظمهم
متعلّم وليسوا من عائلات فقيرة، يحملون سكيناً ويقدمون على عمل كل يوم».
وبعدما تحدّث عن «داعش»، أبدى آيزنكوت تقديره بأنَّ «حزب الله» يشكّل الخطر الأشدّ أهميّة على إسرائيل: «فحزب الله بنى قدرات خلال سنوات ليطلق صواريخ على تل أبيب ومحيطها لفترة طويلة. وهو يبني قدراته في القرى. والجيش الإسرائيلي يفلح في تحقيق الردع إزاء الجبهة اللبنانية في العقد الأخير، حيث لقي أربعة إسرائيليين مصرعهم في الشمال. بالتوازي نحن نعزّز بعد السايبر دفاعاً وهجوماً».
حلمي موسى
جريدة السفير
بتوقيت بيروت