كشفت صحيفة «هآرتس» النقاب عن محاضرة لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الجنرال هرتسي هاليفي، اعترف فيها أن إيران وإسرائيل تعيشان حرباً تكنولوجية، وأن الفارق النوعي بينهما «يتقلص».
من جهة أخرى، أوضح هاليفي أن الشرائط التي تنشر في الآونة الأخيرة في وسائل التواصل الاجتماعي عن عمليات الطعن التي ينفذها الفلسطينيون، خلقت خوفاً لو كان قائماً في العام 1948، لما أفلحت إسرائيل في تحقيق النصر.
وجاءت أقوال هاليفي خلال محاضرة مغلقة ألقاها يوم الخميس الماضي أمام بضع عشرات من المتبرعين ورجال طاقم كلية الإدارة في مصرف «روتشيلد» في تل أبيب، وتعتبر استثنائية، بسبب المنهج الذي اعتمده خلافاً لسلفه في المنصب أفيف كوخافي، إذ حافظ منذ تسلمه مهامه على مسافة من وسائل الإعلام والحلبة العامة.
وأشارت «هآرتس» إلى أن
هاليفي لم يتطرق عميقاً للتقدير الاستخباري العام في شعبته، ولكنه قدم تصريحات
بعضها مثيرة، ولا تطلق عادة على لسان كبار ضباط الجيش الإسرائيلي.
وبرغم تقليل حديثه عن تقديرات الاستخبارات، تطرق هاليفي خلال
المحاضرة بشكل خاص عن المواجهة الجارية مع إيران. وقال «تسألونني إن كانت ستقع حرب
بيننا وبين إيران في السنوات العشر المقبلة؟ وأنا أجيبكم إجابة مفاجئة: نحن نخوض
حرباً مع إيران»، موضحاً «لدينا حرب تكنولوجية مع إيران. ومهندسونا يحاربون
المهندسين الإيرانيين اليوم. وهذا متواصل، وسيغدو أشد جوهرية».
وأشار هاليفي إلى أن
المعركة التكنولوجية بين إسرائيل وإيران «هي معركة على الاستخبارات، ووسائل القتال
التي يملكها كل طرف، وعلى القدرات العسكرية عموماً»، مقدماً تقديراً متشائماً بشأن
الجهة التي تميل إليها الكفة في هذه الحرب التكنولوجية.
وقال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: «لدينا اليوم تفوق، لكن
إيران تسير نحو ردم الفجوة. منذ العام 1979 (تاريخ الثورة الإسلامية في إيران)،
ازداد عدد الجامعات والطلاب في إيران عشرون ضعفاً، فيما ازداد عندنا فقط ثلاثة
أضعاف ونصفاً. لدينا حالياً معركة تكنولوجية مع إيران، وهي معركة فائقة الأهمية».
وأوضح هاليفي خلال محاضرته الفارق بين حروب الماضي التي كانت تدور عادة على الجبهات، وحروب الحاضر التي تجري غالباً في الجبهات الداخلية. وتطرق إلى الهبَّة الشعبية الفلسطينية، وما اعتبره «موجة إرهاب جديدة»، قائلاً إن «الحرب المقبلة ستغدو أشد قساوة في الجبهة الداخلية. ففي حرب يوم الغفران، لم يقع سوى قتيل واحد في الجبهة الداخلية. صاروخ فروغ أصاب رامات دافيد في مساكن الطيارين. وكان هذا هو القتيل الوحيد في الجبهة الخلفية. كل الباقين كانوا من الجيش».
وأضاف هاليفي أن إحدى القضايا المركزية في الحرب حالياً هي «الوعي». ومن أجل التشديد على أهمية هذه القضية، قارن بين حرب العام 1948 وبين الهبَّة الشعبية الفلسطينية الحالية، معتبراً أن «المسألة لم تعد كم قتلت، وكم قتلوا في الجانب الآخر، ولا إلى أين وصلت وغرست العلم، وإنما القصة التي ترويها الحرب». وأضاف «كلنا، بمن فيهم أنا وأنتم جميعاً، في الشهر الأخير، نجري لأنفسنا عملية غسل دماغ عندما ندخل لرؤية هذه الأشرطة عن الطعن مرة تلو مرة، ونخلق درجة من الذعر لدرجة أنه لو أن كل واحد في حرب 1948 كان يرى مثلاً أشرطة معركة اللطرون، أو سان سيمون أو نيتسانيم، فليس مؤكداً أننا كنا سننجح في تحمل كل ذلك، والتقدم إلى الأمام».
وأقر هاليفي أمام عشرات الحاضرين، أنه صار أصعب حالياً على شعبة الاستخبارات أن تطور وتحافظ على مصادرها الاستخبارية مما كانت عليه الحال قبل عقد أو عقدين، بسبب التغييرات التكنولوجية السريعة.
وفي هذا الإطار، قال «الكيلو من المعلومات الاستخبارية ـ وهو الكيلو ذاته قبل عشرة أعوام، بات اليوم أكثر تكلفة. وليس فقط أنه أكثر تكلفة، بل إن وقت نفاذ صلاحيته صار أقصر جوهرياً. قبل 20 عاماً، كان لدينا إنجاز استخباري، وحينها كنا نرتاح من خمس إلى سبع سنوات. اليوم، يمكن أن تبذل جهداً أكبر، وتستثمر أكثر، وتعرِّض للخطر حياة أناس أكثر، وتقوم بكل الخطوات، وتجلب أحداً، ولكن بالسرعة التي يعيش فيها عالمنا، وبالسرعة التي تتغير فيها التكنولوجيا، فإن زمن التبخر يقصر».
وكمثال على ذلك، أعطى رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية مثالاً عن محاولات جمع المعلومات عن تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، قائلاً «أنتم ترون هذه العصبة من داعش بجلابياتهم وعمائمهم، ولكنهم يستخدمون قمة التكنولوجيا. فهذا لم يعد الحمام الزاجل، بل وسائل اتصالات هي الأكثر تقدماً مع التشفيرات الأصعب، والآن إذهب وتصدى، وهذا يتغير كل يومين».
وتناول هاليفي في حديثه
أيضاً الثقافة التنظيمية في شعبة الاستخبارات، والتي في إطارها، توجد قدرة تأثير
كبيرة على الجنود والضباط الصغار، ضارباً مثالاً من الفترة الاخيرة.
وقال «قبل بدء العملية تماماً، نحن في معضلة في أن ننفذ عملية
ما في مكان ما. وهذا الامر سيُرفع بعد لحظة لرئيس الاركان، ليقرر ويجب أن يتقرر
الامر، أن نقوم بالعمل أم لا. يدخل اليّ أحد الضباط، ويقول لي أريدك ان تقرأ رسالة
هنا كتبها أحد ضباط رصد الشبكات في وحدة التنصت 8200».
وتابع هاليفي «إنه ملازم، يكتب رسالة لقائد 8200 ورئيس أمان يقول فيها: إسمعا، أعتقد أنكما ترتكبان خطأً. وهذا قبل خمس دقائق تماماً من اتخاذ القرار. كان يمكنني ألا أقرأ هذا لو أنه جاء بعد دقيقة، قبل الحديث مع رئيس الأركان. وبالفعل، هذه هي قدرة الناس على التأثير في الثانية الأكثر حرجاً لاتخاذ القرار».
ودافع رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية عن رجال الخدمة الدائمة في الجيش ضد الانتقادات العامة لميزانية الدفاع، قائلاً إن «ثمة اليوم في الدولة بعض الأجواء، ربما أنكم لا تفكرون هكذا، لكن هذا ما يشعر به ضباط الجيش، وهي أجواء غير جيدة تجاه الجيش. وأعتقد أن هذا خطير. يروي لي ضباط أن الناس تتجه إليهم أحياناً في الشارع، وتقول لهم إنهم المشكلة في اقتصاد دولة إسرائيل. هذا يجعلني حذر. يجدر جداً أن يبقى أجود الناس يعملون في الأمن عموماً، وفي الاستخبارات خصوصاً».
وأعرب هاليفي عن خشيته من وضع «تلغى فيه الخدمة الإلزامية». ففي نظره «يرتكز الهدوء إلى كوننا أقوياء. وأخشى أننا إذا توقفنا عن نموذج جيش الشعب، حينها في العامين أو الثلاثة الأوائل تسيطر علينا قوة الارتداد، ولكن بعد ذلك، ستتضرر المؤسسة كلها، ما سيلحق الضرر بأمن الدولة».
حــلمي موسى/جـريدة السفير
2 تشــرين الثاني 2015
بتوقيت بيروت