اعتبر قائد الثورة الاسلامية في ايران الامام السيد علي الخامنئي ان الطريق الفريد للفكر الجديد والابتكار وجرأة الحركة والرغبة الكاملة فيها هو الشباب فهم الادوات اللازمة لحركة تحولية ويجب البحث عن الشباب النخبة لمثل هذه المهمة، واوضح ان الدعوة الى "حكومة شابة ثورية" تعني وجود الشباب فيها امر ضروري لكن هذا لا يعني الا يكون ذوو الخبرة والتجربة والمخضرمون الى جنبهم.. على ان يكون لدى هؤلاء الشباب ايمان ودافع صادق وثوري..
كلام الامام الخامنئي جاء خلال لقائه مجموعة من ممثلي الهيئات الطالبية في الجمهورية الاسلامية حضروا إلى جامعة إيران للعلوم الطبية، أبدوا فيه آراءهم وجرى خلاله حوار مع قائد الثورة الإسلامية، عبر الاتصال بتقنية الفيديو. وفيما يأتي النص الكامل لترجمة الكلمة والاجوبة عن تساؤلات الطلاب بحسب ما نشر على موقع KHAMENEI.IR .
بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولا سيّما بقية الله في الأرضين.
أنا سعيد جداً ومسرور حقاً لأننا - بحمد الله - وُفّقنا لعقد هذا الاجتماع(1) مع الطلّاب الأعزاء هذا العام أيضاً. رغم أن رغبتنا وأمنيتنا أن نكون قادرين على رؤيتكم والتحدّث معكم من قرب في لقاء وجهاً لوجه، ولكن هكذا اقتضت الظروف، وليس لدينا اعتراض. هذه الظروف ستتغير بلا شك في يوم من الأيام. ندعو أن يوفقنا الله لنكون قادرين على فعل ما هو واجبنا في أيّ ظرف.
كان اجتماع اليوم جيداً للغاية. بالطبع، لستُ في مقام الحكم والنقد للقضايا التي ذُكرت لكن مستوى اجتماعنا اليوم أعلى مما في الماضي. تم الحديث حول مواضيع جيّدة للغاية. وأعتقد أن نشر هذه الآراء الطالبية والحلول التي تقدّمونها - بالطبع لم تكن في أحاديث اليوم حلولاً [بالمعنى المباشر] بل عموميات مفيدة للغاية - والنقد حول الأوضاع الموجود في أذهان المجتمع الطالبي مفيدٌ جداً للرأي العام ويتقدّم بذهنية المجتمع ويُرقّيها. نرجو أن يعطيكم الله - تعالى - خيراً، إن شاء الله، وأن يبارك في هذا اللقاء، وأن يوفّقنا في ما يرضيه.
حسناً، لقد وصلنا إلى الأيام الأخيرة في شهر رمضان. أجعلُ هذا في مقدمة حديثي لأقول لكم إن شهر رمضان هو شهر الضيافة الإلهية، شهر الرحمة الإلهية، شهر الهداية الإلهية. بأعمالكم وأعمالنا في شهر رمضان، يجب أن نشعر بآثار هذه الرحمة الإلهية في أنفسنا، وإضافة إلى ذلك أن تحتفظوا بهذه الآثار وهذه الحالات في بقية الأشهر وتحفظوها، إن شاء الله، في بقية حياتكم المليئة بالبركات.
هذا السلوك الرمضاني، وحالة الرقّة والتوجّه والحضور التي تصيب الصائم وضيف الله في شهر رمضان، ينبغي أن يكون لهما تأثير في سلوكاتنا الشخصية. ينبغي أن تؤثر في سلوكاتنا العامة والاجتماعية، وأيضاً سلوكاتنا العلمية، وسلوكاتنا الأكاديمية، وسلوكاتنا الحكومية، وسلوكاتنا السياسية، كما يجب أن تُظهر التقوى والروحانية تأثيرهما في هذه المجالات المهمة جميعاً. ومثلما قلت، إن هذه الحالة، وباب الرحمة هذا، ينبغي أن يظلّا مفتوحَين إلى ما بعد شهر رمضان.
في الصحيفة السجادية هناك دعاء كان يقرؤه الإمام السجّاد (ع) في أول يوم من شهر رمضان، في الدخول إلى شهر رمضان - يُوصى بقراءة ذلك الدعاء -، يقول الإمام (ع) آخر ذلك الدعاء: «اللهم واجعلنا في سائر الشهور والأيام كذلك ما عمّرتنا». هذا دعاء الإمام (ع) في أول شهر رمضان، أي في بقية الأشهر احفظ لنا هذه الحالة وهذه الروحية نفسها، «واجعلنا من عبادك الصالحين»2.
لقد أعددتُ موضوعاً لهذا اليوم، وبالطبع، سأحاول أن أكون موجِزاً في كلامي، ولحسن الحظ هو ما يتّفق مع ما تكرّرَ في بعض أقوال الأصدقاء. يدور النقاش حول قضية «طلب التغيير والتوجّه التغييري»، وسأوضّح بعض النقاط في هذا الصدد. لكن قبل الدخول في الموضوع أرى من الضروري أن أذكر هاتين الحادثتين الدمويتين اللتين وقعتا في العالم الإسلامي في هذه الأيام القليلة، وأن أعبّر عن تأثّري وشعوري بالتأسّف والحزن جرّاءهما، وأيضاً الأحداث المتعلقة بالمسجد الأقصى وفلسطين والقدس الشريف، حيث [ظهر] خُبث الصهاينة أمام أعين العالم، ومن واجب الجميع حقاً أن يتخذوا موقفاً ويُدينوا الحركة الخبيثة والإجرامية والوحشية والظالمة للصهاينة في قضية الأيام الأخيرة.
طبعاً، لحسن الحظ، الفلسطينيون يَقِظون وعازمون، ويجب أن يستمروا. لا يمكن الحديث مع هؤلاء المجرمين إلّا بلُغة القوة. عليهم تقوية أنفسهم وأن يصمدوا ويواجهوا ويُجبروا الطرف [الآخر] على الكفّ عن الجرائم وأن يستسلم للحق والإنصاف.
لقد قلت إنّ إحدى القضايا هي تلك التي أطرحها مع عامة الشباب والطلّاب، وسأطرحها. وفي بضع جُمل مع الهيئات الطالبية، أوّد إبداء بعض الملاحظات.
ما أريد أن أطرحه مع الشباب، وبخاصة الطلّاب، قضية طلب التغيير وإيجاد التحوّل. أولاً دعونا نقول ما نعنيه بطلب التغيير وما معنى التغيير. ثانياً نبيّن سبب الحاجة إلى التغيير ولماذا نحتاج إلى حدوثه. ثالثاً نحدد منطق هذا التغيير، ونحدد خطاب هذا التغيير، وما الهدف الذي سيتم به التغيير، وفي أي اتجاه يجب أن يُحرّكنا. سأقول بعض النقاط في هذه المجالات. لحسن الحظ، ذهنيّتكم جاهزة، واليوم رأيت في حديثكم عدداً من هذه النقاط التي كانت مقصودنا. وهذا مصدر الرضا والسعادة.
لكن مقصودنا من التحوّل هو إيجاد حركة فيها قفزة وجهاد في القطاعات الإدارية وكافة قطاعات الحُكم للبلاد، وكذلك في أجزاء من نمط العيش العام. سأقدم أمثلة عليها لاحقاً. باختصار: حفظ المبادئ والخطوط الأساسية للثورة الإسلامية وتعزيزها والابتكار في الطرق والأساليب والأداء.
بالطبع التحوّل هو عنوان عام. كثيرون في العالم عندما يتحدّثون عنا، يطرحون قضية التحوّل. داخل البلاد أيضاً بعضُ أصحاب التوجّهات الغربية والميول في الأساليب والمفاهيم الغربية يُثيرون [موضوع] التحوّل. لكن التحوّل الذي يبحثون عنه هو تحوّل في الثورة الإسلامية. في الحقيقة، وبأحد المعاني: الارتجاع. أي التحوّل عندهم هو بمعنى الارتجاع. عودة إلى الوراء. يريدون نفي المفاهيم الثورية [الإسلامية]. نرى أنهم في تصريحاتهم بشأن التحوّل يحرّضون ويحرّصون أكثر على التطبيع، أي تقريب البلاد والثورة الإسلامية من الأعراف العالمية، وفي الواقع هذا ما يُعدّ علامة على التحوّل. في الحقيقة إنّ كلامنا وما نعنيه بالتحوّل هو التحوّل لتقوية الثورة الإسلامية. أما المقصود لديهم من التحوّل، فهو لنفي الثورة الإسلامية ونفي أُسُسها؛ مُرادهم هو الاقتراب من معايير نظام الهيمنة. حسناً، بناءً على ذلك، كلمة التحوّل لا تكفي. فالمقصود من التحوّل في تعبيرنا ومنطقنا أن نتحرك نحو تعزيز الأسس للثورة الإسلامية ومبادئ الثورة والخطوط الرئيسية لها، ولكن بطُرق جديدة وبالتجديد والابتكار.
أما عن هذه الحاجة، «لماذا يجب أن يتم التحوّل» - يجب حقاً أن نؤمن بهذه الحاجة -، فإن الحاجة إلى هذه الحركة سببها أنه إلى جانب تقدّم البلاد ونجاحاتها، وهي نجاحات كثيرة - من كلام الأصدقاء الذين تحدثوا هنا كان هناك بعض الكلام الذي يشير إلى تقدّم ولكن ما حدث بالفعل في البلاد لجهة التقدم المتنوّع في مختلف المجالات هو أوسع وأشمل من ذلك بكثير -، لكن إلى جانب هذا التقدّم نحن متأخّرون في بعض الأماكن ولديْنا مشكلات صارت مُزمنة يجب أن تُحلّ. في مجال الاقتصاد، وفي العدالة، لدينا مشكلات جدّية. لدينا مشكلات أساسية في مجال الأضرار الاجتماعية، وبعضها صار في الحقيقة مرضاً مُزمناً، وهي تحتاج إلى حلول جدّية. وإضافة إلى أن هذا التأخّر موجود ونشأ من غفلاتنا - أي بمرور الوقت، وعلى مَرّ هذه العقود، حدَث في بعض الحالات بعضُ الغفلات - وبعض النيّات المتعمّدة التي أدّت أيضاً إلى الخلاف مع خط الثورة الإسلامية وأدارت ظهرها للثورة الإسلامية تدريجياً. وفي النتيجة، يتطلّب هذا الوضع منا التفكير في حركة تحوّلية. فوق ذلك، وبسبب غفلاتنا، تم تعطيل قابليات كثيرة. هناك كثير من القابليات في البلاد، وفرص كثيرة بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل عدد لا يحصى في البلاد، بقيَت من دون الاستفادة منها، وهذا يضرّ بالمصالح الوطنية. حسناً، هذه المشكلات لا يمكن حلّها بحركة عاديّة. لا يمكن ذلك بهذه الحركة العاديّة البسيطة التي هي أداء الحُكم في البلاد، وإنما يستلزم [الأمر] حركة فوق عاديّة، يستلزم حركة فيها قفزٌ، يستلزم حركة فيها ابتكار. يجب أن يكون هناك تجدّد ويجب أداء هذا العمل. إنها واحدة من مسلّمات هذه المرحلة من الثورة الإسلامية من أجل «الخطوة الثانية». بالطبع، في الماضي وعلى مرّ الزمن، تمّ إنجاز بعض الأعمال في مجال التحوّل في بعض الأماكن، ولكن لا بدّ من حركة أكثر عمومية وشمولية في هذا المجال.
بشأن مجال التحوّل، وأين يجب أن يَحدث، كما أشرتُ من قبل، هو أيضاً في مختلف الأجزاء للحُكم والقطاعات الإدارية في البلاد؛ واضحٌ أنه في مجالات الاقتصاد والقضايا الاجتماعية والقضايا الفكرية هناك تقصير في العمل وبيروقراطيات إدارية وألاعيب ورقية وسلطة زائدة للدواوين والمقررات غير المجدية والضارّة في بعض الأحيان... وتُعرقل الجهود، سواء في مجال الاقتصاد، وهو أمر واضح للغاية، وأيضاً في مجالات أخرى. لذا إنّ من المجالات المُهمّة للتحوّل هي هذه الأجزاء الإدارية للبلاد.
أحد المجالات هو الحياة العامة للناس. في هذه المجالات، بالمعنى الحقيقي للكلمة، في بعض الأجزاء، يجب اتخاذ حركة تحوّلية. هناك عادات غير صائبة بَيننا - نحن الناس - يجب التصدّي لها. لا يمكن العمل بالنصيحة والتوصية والحلول الجزئية. يلزم عمل تحوّلي. افترضوا مثلاً مسألة الإسراف. يوجد في بلدنا إسراف: إسراف في المياه، إسراف في المواد الغذائية، إسراف في الكهرباء.
سباق التجمّل! الآن وقد رفضنا الأرستقراطية ورأينا أنها قبيحة، وهذا الموضوع في مكانه وهو صحيح تماماً، لكن المشكلة هنا أن التبذير الأرستقراطي قد امتد بالفعل إلى الطبقات غير الأرستقراطية، وللأسف هناك سباق ترف في الزواج، وفي العائلات ومختلف الأفعال، يجب التصدّي له... أو الارتفاع في سنّ الزواج، أو الشيخوخة بين سكان البلاد وهذه القضايا نفسها التي وَردت في حديث بعض الأصدقاء أيضاً. حسناً، إذن، كل هذه هي مجالات الحاجة إلى التحوّل، وفي كل هذه [المجالات] يجب أن يحدث هناك تحوّل.
ما منطق التحوّل؟ بمعنى آخر: عندما نريد إيجاد التحوّل، إلى أيّ وضعية نريد أن نصل في ما بعد؟ إنْ لم يكن هذا المجال محدّداً وواضحاً ومحسوباً، فسوف يصير العمل في حالة بلبلة. لذلك إنكم تقولون في بداية السنة: «حوّل حالنا إلى أحسن الحال». يجب أن يقودنا التحوّل إلى وضع أحسن، إلى حال أفضل.
يقول بعضهم: «التغيير» في سياق القضايا التحوّلية، لكن التغيير إلى ماذا؟ غير محدّد! مجرّد التغيير لا يُحتسب قيمة. التغيير من أجل الأفضل ذو قيمة، التغيير نحو مستوى أعلى هو القيمة، وإلّا فليس مجرّد التحوّل. لذلك يجب إيجاد «أحسن الحال». و«أحسن الحال» في رأينا هو تقوية الخطوط الرئيسية للثورة الإسلامية وتسهيل التحرّك نحوَ الأهداف الكبرى، أي الأهداف الكبرى للثورة الإسلامية مثل العدالة، مثل الاستقلال، مثل تحقيق المجتمع الإسلامي... هذه أهداف عظيمة وأساسية. يجب أن يصير التحرّك نحوَ هذه الأهداف الكبرى سهلاً وسلساً.
الآن لدينا كثير من الصعوبات في هذا المجال، وهناك حاجة إلى حركة تحوّلية. الآن، هذه الأهداف التي طبعاً علينا أن نتوجّه إليها ونتحرّك نحوها، لها مستويات مختلفة، وإن شاء الله، عليكم العمل عليها في الجلسات الطالبية، في جلسات النقاش والبحث الطالبية، وأن تتوصّلوا إلى تفاصيلها، وأن تُبيّنوا ذلك للناس.
طبعاً أقول عامة إن بعض الأهداف هي الأهداف الكبرى لنظام الجمهورية الإسلامية، وهي أهداف طويلة ومتوسطة الأمد، وهي بالطبع أهداف أساسية يجب أخذها بالاعتبار، مثل تشكيل المجتمع الإسلامي أو إقامة العدالة الاجتماعية أو مسألة الاستقلال وقضية الحرّية وأمثال ذلك. هذه هي الأهداف الأساسية. بعض هذه الأهداف الكبرى في مستويات أصغر، وهي في الواقع الأجزاء المكوّنة للهدف ذي المستوى الأعلى. على سبيل المثال، افترضوا، التقدّم العلمي. إنه هدف - من أهدافنا بالتأكيد التقدّم العلمي - لكنه جزء من مجموعة ستشكّل المجتمع الإسلامي أو مثلاً ستشكّل استقلالنا. أو افترضوا أن الاقتدار في السياسة الخارجية التي تعني إبقاء الدولة والنظام السياسي خارج الشبكة الأقمارية3 للقوى المستكبرة ونظام الهيمنة... الاقتدار في السياسة الخارجية بهذا المعنى أي التي كانت متبلورة عبر شعار «لا شرقية ولا غربية» في بداية الثورة الإسلامية، حين كان هناك في ذلك اليوم قوةٌ شرقية عظمى هي النظام الشيوعي والمجتمع الشيوعي العالمي، وثمة نظامٌ رأسمالي.
كان الشعار أن الجمهورية الإسلامية يجب أن تحفظ نفسها من الدخول في الشبكة الأقمارية لهذه القوى العظمى، وقد حفظت ذلك، بحمد الله. هذا أيضاً هدف كبير. لا بدّ من الحفاظ على هذا الهدف الأكبر ومتابعته وتعقّبه وإعلائه يوماً بعد يوم... أو الاكتفاء الذاتي الاقتصادي الذي هو في الواقع أحد الأهداف الجزئية مقارنة بالأهداف الكبرى.
إن بعض هذه الأهداف الكبرى الأخرى التي نسعى إلى تحقيقها ويجب أن نتابعها ونلتفت إليها خلال هذا التحوّل هي في الواقع سياسات تهدف إلى إدارة البلاد وإضفاء الأمن على الثورة الإسلامية والحفاظ على الثورة... مثل المؤسسات التي أُنشئت: تشكيل «حرس الثورة الإسلامية»، وتشكيل «جهاد البناء»، وتشكيل «التعبئة»، وهذه أيضاً جزء من السياسات الواقعة ضمن هَيكل الأهداف الأساسية.
أو على سبيل المثال أن تصير الجامعات إسلامية، أو تحويل «الإذاعة والتلفزيون» إلى جامعة عامة في ذلك اليوم [حين كنا] أربعين مليوناً، واليوم نحن ثمانون مليوناً. قد كان هذا من الأهداف الكبرى، وهو من القضايا التي سعَينا وراءها، ويجب أن نكون كذلك، وعلينا السعي وراء هذا الهدف الأكبر وأمثاله.
لذلك، كما ترون، الخطوط الرئيسية لنظام الجمهورية الإسلامية التي يجب الحفاظ عليها ويجب تسهيل التحرك نحوها وتبسيطها هي على مستويات مختلفة: من تكوين المجتمع الإسلامي وتلك الأهداف الكبرى إلى الأهداف الوسطى مثل التقدّم العلمي وأمثالها إلى هذه الحركات والسياسات التنفيذية من هذا القبيل، التي ذُكرَت.
طبعاً، الجيل الأول من الثورة الإسلامية، الذي كان أساساً من الناشطين في الستينيات، وسنة أو اثنتين من الخمسينيات [من القرن الـ13 الهجري الشمسي، أي السبعينيات من القرن العشرين الميلادي]، أنجزوا أعمالاً جيدة - سواء في القطاعات العليا أو الصغرى والأدنى - بتوجيه من الإمام [الخميني] العظيم. وساهمت الأحداث الصعبة للحرب المفروضة في التعلّم من التجربة، وساعدتهم على اكتساب الخبرة في هذه المجالات... أو الحظر الذي فُرض منذ اليوم الأول، أو الأحداث الدامية التي وقعت في بداية الثورة الإسلامية، هذه كلّها كانت تعدّ الجيل الأول للثورة الإسلامية، وساقت نحو تحقيق هذه الأهداف الرئيسية للثورة الإسلامية والأهداف الرئيسية للجمهورية الإسلامية.
لكن هناك حقيقة لا ينبغي إغفالها هي أن تحقيق هذه الأهداف، مع هذه العظمة التي تتمتع بها، ينطوي على كثير من التعقيدات. في ذلك اليوم، لم ننتبه إلى هذه التعقيدات. في ذلك اليوم، كنا ننظر إلى المسائل بنظرة أوّلية. في الواقع، كان يؤخذ ببساطة بكثير من القضايا. كانت الحماسة الثورية توجب إنجاز العمل ولكن بنظرة ابتدائية، بنظرة بسيطة، دون أخذ التعقيدات والصعوبات والعقبات على طول الطريق بالاعتبار.
الآن، على سبيل المثال، سأقدم مثالاً لإحدى الحالات. مسألةُ جعل الجامعات إسلاميةً. فقد كان للإمام [الخميني] - رضوان الله عليه - إصرارٌ على جعل الجامعات إسلاميةً. لقد أَوْلى سماحته أهمية كبيرة للجامعة، وكان يُؤمن بجعل الجامعات إسلاميةً، وقد تم إنجاز بعض التحرّكات، وأُنجزت أعمال كثيرة. أنا شخصياً، لثماني سنوات خلال رئاسة الجمهورية، كنت رئيس «مجلس الثورة الثقافية» الذي كان مخصصاً للأعمال الجامعية، وقد تم تنفيذ أعمال كثيرة، لكن في كل هذه الأوقات التي كنا نعمل فيها وكنت من الناشطين في هذه المجموعة... تلك التفاصيل الدقيقة اللازمة، تلك الصعوبات الموجودة، تلك التعقيدات المنطوية في هذا العمل، لم تكن محط انتباهنا، وكنا ننظر إلى العمل بنظرة بسيطة.
حسناً، لقد نشأتِ الجامعة في بلدنا أثناء هيمنة السياسات الغربية. إنني أقول هذا لكي تصير صعوبات العمل معلومة وواضحة. جاءت [نشأة] الجامعة في عهد حكم المختارين وفي الواقع دُمى الغربيين. تأسست الجامعة في عهد رضا شاه [بهلوي] الذي جاء إلى السلطة عبر البريطانيين. تم تأسيسها أيضاً على يد عناصر الغربيين، أي أولئك الذين أسسوا جامعة البلاد لأول مرة وهم المتيّمون بالغرب. أنا لا أقول إنهم كانوا عملاء للغرب، أي لا يمكن لأحد أن يدّعي ذلك بصورة حاسمة، لكنهم بلا شك كانوا مغرومين ومفتونين بالثقافة الغربية، ومطيعين للغرب، وفي الواقع، لم يكن لديهم أيّ رأي مقابل آراء الغرب، ولم يطرحوا [رأيهم أصلاً].
لذلك، جعلوا الجامعة على أساس برامج الغرب المستعمر. أصلاً كان برنامج الجامعة في بلدنا من برامج الغرب الذي كان في ذروة الاستعمار في ذلك اليوم – في ما بعد، غادرت الدول الاستعمارية واحدة تلو أخرى ولكن ذلك اليوم كان ذروة الاستعمار الغربي -، فهؤلاء كان لديهم برنامج محدد لإنشاء الجامعة في البلدان التابعة لهم. كانت خطتهم هي تربية النّخب في هذه البلدان كي تكون مطيعة للغرب ومستهلِكة له. النخبة المطيعة والمستهلكة. كان هدف الجامعات تربية النخبة المطيعة والمستهلِكة. ماذا تعني المستهلِكة؟ تعني أن تتعلّم فائض المعرفة المُنتَجة في الغرب، التي، بالطبع، قد عفا عليها الزمن، وأن تتمكن من تشجيع مجتمعها على أن يصير سوق استهلاك للمنتجات الغربية وتحويله إلى سوقٍ لاستهلاك المنتجات الغربية، أي كانوا ينتجون نخبة استهلاكية، وتلك النخبة تخلق مجتمعاً استهلاكياً.
أساساً كان هذا هو الهدف. وكان هذا البرنامج أيضاً - خطة إنشاء جامعة - يجري تنفيذه في كل من البلدان المستعمرة التي كانت في ذلك الوقت مستعمرة رسمياً للبريطانيين أساساً، ولبعض الدول الغربية الأخرى، وكذلك في البلدان التي لم تكن مستعمرة رسمياً مثل بلادنا التي لم تكن مستعمرة رسمية ولكنها كانت بالكامل تحت التأثير السياسي للغرب وسيطرته. هكذا نشأت الجامعة. وبالطبع، استطاع الفكر الإسلامي أن يتغلغل في هذه الجامعة نفسها أيضاً، وهذا يعود إلى قوة التأثير للفكر الإسلامي، لكن الميل الرئيسي لهذه الجامعة كان نحو هذا الفكر الغربي وتغريب فكر نخَب البلاد وعملها لكي يربّوا نخبة تفكّر بطريقة غربيّة، وتعمل بطريقة غربيّة، وتعمل للغربيين، وتبني مجتمعاً استهلاكياً. وبطبيعة الحال، كانت تلك النّخب تصل إلى المناصب الحكومية أيضاً.
حسناً النظام الإسلامي يريد تحويل هذه الجامعة إلى جامعة إسلامية، فهل هي مَهمّة بسيطة؟ هل هذا عمل سهل؟ ليس من السهل تحويل جامعة تحرّكت بذلك النحو منذ خمسين عاماً مثلاً وأُديرت بذلك التركيب والتخطيط إلى جامعة إسلامية. في ذلك اليوم، لم نُعرِ الاهتمام المناسب لتعقيد هذا العمل، [ولكن] بالطبع، في ما بعد، توصّل العناصر الأكاديميون أنفسهم إلى نقاط مُهمة في هذا الصدد، ونبّهوا، وعملوا، وتحسّنَ قليلاً، لكن هذه القضية لا تزال مهمة في يد النظام الإسلامي وهي يجب أن تتحقق، وغير ممكن ذلك إلّا بالتحوّل.
حسناً، هذا مثال أعطيته وهو على هذا النحو في باقي الأقسام أيضاً. هذا نفسه موجود في مجال القضايا الاقتصادية والشأن الاقتصادي للبلاد، والشأن العلمي للبلاد وما شابه. لذلك، ترون أننا خلال هذه السنوات بدأنا أحياناً عملاً جيداً وبقي غير منتهٍ ولم يصل إلى نتيجة. هذا بسبب وجود نظرات تبسيطية في فحص القضايا، وهو ما يجب تصحيحه عبر نظرة دقيقة وإيصالها إلى الاتجاه الصحيح.
بالطبع، اليوم مجتمع النخبة في البلاد لديه كثير من الخبرات. أقول قطعاً إن فهم القضايا لدى مجتمع النخبة المتديّنة والمؤمنة بالدين والثورة الإسلامية وإدراكها اليوم أفضل بمراتب من النخبة في صدر الثورة الإسلامية، أو على الأقل ما قبل الثورة. وهذا يعني أن المواضيع نفسها التي قلتموها اليوم، أنتم الطلّابَ، والتي هي موجودة في أذهانكم وتجري مناقشتها في محافلكم، في ذلك اليوم لم يتم أخذها بالاعتبار والتطرّق إليها في المستويات الجامعية العليا أيضاً، ولم يتم الوصول إليها، أي كانت الأذهان على نحو آخر.
لذلك، المجتمع النخبوي والثوري في البلاد اليوم لديه خبرة كثيرة أيضاً، وكذلك شهد إخفاقات، وذاق مرارات، وواجه صعوبات، وشهد افتعال العقبات، وشهد المعارَضات - إنّ مجتمعنا النّخبوي شاهد هذه على طول الزمان - ونظرته إلى القضايا الأساسية للبلاد هي نظرة مع أخذ هذه المشكلات بالاعتبار.
لذلك، يمكن أن يكون التخطيط أيضاً تخطيطاً أكثر تعقيداً وأقوى مما قبل، ويجب أن يكون كذلك. هذا يعني أن القيادات العملياتية يجب أن تتم بالفعل مع وضع هذه المشكلات والموانع في الاعتبار. إضافة إلى ذلك هناك قضايا جديدة لم تكن في الماضي. من جملتها، افترضوا مثلاً الآن، الفضاء المجازي، فهو قضية جديدة، ظاهرة جديدة لم تكن موجودة من قبل. لذلك، من أجل الوقاية من المشكلات الناتجة عن هذه الظاهرة - كل ظاهرة لها مشكلات ولها منافع - ولكي يبقى البلد والمجتمع مصونَين من مشكلاتها ومضارها وأضرارها، نحتاج اليوم إلى أفكار جديدة وطرق مبتكرة وفي الحقيقة إلى المعرفة والفكر الجديد. أو مثلاً بشأن ارتفاع سن الزواج وما شابه، نحتاج إلى أساليب جديدة وطرق إبداعية وجديدة.
في رأيي إن البلاد تستطيع أن تتحرك في هذه المجالات، وهذه النخب الثورية والمؤمنة هي التي يجب أن تملأ يد البلاد وتنتج الفكر، ويجب أن تنتج علم التحرك في هذا الطريق. هذا تحوّل يجب أن يحدث. التحوّل الذي نتحدّث عنه يجب أن يحرّكنا ويمضي بنا في هذا الاتجاه.
حسناً، الآن، كيف يحدث هذا التحوّل؟ في رأيي، الطريق الفريد هو الشباب. لدينا زبدة الشباب وهم جيّدون. لأنه في الشاب، يوجد فكر جديد، وكذلك القدرة على إيجاد طرق جديدة، وأيضاً الطاقة والقوة اللازمتان، وكذلك جرأة الإقدام... كل هذه مجتمعة في الشباب وهي ثمينة جداً. فالأدوات اللازمة لحركة تحوّلية هي هذه: الفكر الجديد، والابتكار، وجرأة الحركة، والرغبة الكاملة في هذه الحركة. هذه هي الأدوات اللازمة لحركة تحوّلية، وهي في الشباب، و[لذلك] يجب البحث عن الشباب النخبة لمثل هذه المَهمّة.
طبعاً دعوني أقول لكم هذا: أنتم شباب أعزاء، وأنا لدي محبة كبيرة لكم - إنني قضيت عمراً طويلاً مع الشباب وإلى جانبهم، وأنا أعرف الشباب تماماً وأحبّهم - [لكن] إضافة إلى هذا المدح والثناء اللذَين أُعطيهما لهم، ثمة نواقص في عمل الشباب أيضاً وهناك نقائص في عمل الشباب أيضاً ونحن نراها، وقد رأينا هذه النواقص على طول الزمان، ونراها الآن أيضاً.
حتى الآراء نفسها التي يدلي بها السادة هي ثمينة جداً أيضاً وحلوة لي، ولكن بالإضافة إلى هذه الحلاوة هناك نقاط ضعف في هذه الآراء نفسها وعرض الأفكار نفسه. لذلك يجب أن يكون ذوو الخبرة والتجربة ومن عايشوا الدنيا موجودين إلى جنب الشباب.
هذا ما قلته مرات عدة. عندما قلنا «حكومة شابة ثورية»3، ظنّ بعضهم أن الحكومة، على سبيل المثال، يجب أن يكون لها أعمار موحدة من 30 إلى 35 وما إلى ذلك! القضية ليست هكذا. إن وجود الشباب أمر ضروري، وبالتأكيد لا يمكن فعل أي شيء دون وجودهم، لكن هذا لا يعني ألّا يكون ذوو الخبرة والتجربة والمخضرمون إلى جنب الشباب.
الشرط الأساسي والرئيسي في كل هؤلاء - سواء أولئك الشباب أو الذين عبَروا سن الشباب ووصلوا إلى منتصف العمر أو الكِبَر - أن يكون لديهم إيمان ودافع صادق وثوري. وفي رأيي، يمكن لحكومة ثورية شابة - كما قلنا - أن تكون جامعة لكل هذه [الصفات].
بالطبع، الحكومة ليست، على سبيل المثال، عشرين وزارة وعشرين وزيراً فقط - العدد الإجمالي لأعضاء الحكومة عشرون أو نحو ذلك - الحكومة ليست أولئك فقط. الحكومة هي مجموعة واسعة تضمّ المئات من الإدارات الفعالة والمؤثرة التي يمكن أن تكون جميعها مضيفاً لشبابنا المؤمنين والنخبة والثوريين الذين يجب أن يكونوا قادرين على الحضور في صنع القرارات واتخاذها وتنفيذها. هذا يعني أن بعض الشباب يجب أن يكونوا حاضرين في أقسام صناعة القرار، وبعضهم في أقسام اتخاذ القرار، وبعضهم الآخر في قسم التنفيذ، كما أن يكونوا قادرين على أداء العمل، وأعتقد أن هذا ممكن تماماً. أي، إذا وصلت حكومة بالفعل إلى سلطةٍ يؤمن كبار مسؤوليها بالشباب، ولديهم ثقة فيهم، كما فعل الإمام [الخميني] العظيم وعمل مع الشباب، إذا وصلت مثل هذه الحكومة إلى السلطة، أعتقد أن المشكلات سوف تُحلّ سريعاً. أمام كل هذه المشكلات التي نشاهدها اليوم، ومع كل الصعوبات والتعقيدات والعقبات والعوائق والأعمال العدائية من الخارج وأحياناً من الداخل، أعتقد كل هذه الأشياء، كل هذه المُثل والرغبات والمطالب، قابلة للإنجاز. في الماضي، كان الشباب ينفذون أعمالاً عظيمة أيضاً، سواء في الثورة أو «الدفاع المقدس» أو «جهاد البناء» مثلاً، حيث كانوا حاضرين. هم كانوا أيضاً طلاباً جامعيين، بعضهم ذهب إلى «حرس الثورة»، وبعضهم إلى «جهاد [البناء]»، وبعضهم إلى اللجان الثورية، واشتغلوا وعملوا أعمالاً عظيمة.
اليوم، لحسن الحظ، البلاد في وضع جيد - بحمد الله - لناحية تنشئة القوى البشرية المؤمنة والثورية، التي تتمتع بالثقة بالنفس والخبرة. أي ليس لدينا نقص في القوى، هناك قوى يجب كشفها. إن لم تكن هناك رغبة في حضور الشباب، فلن يتم كشفهم وستُحرم الحكومة والنظام والهيئة الحاكمة للبلاد فوائد وجودهم.
سُئلت: ألا تريد أن تُعيّن في هذه المجالس - المجالس التي ترتبط بالقيادة مثل «شورى الثورة الثقافية» –شباباً؟ بلى، هذا المعنى قد خطر ببالي منذ بعض الوقت. كانت هناك عقبات، وإن شاء الله، ستنتهي، وسنعين الشباب في هذه المجالس، بإذن الله، ليكونوا هناك ويتخذوا القرارات ويتحركوا ويعملوا، بإذن الله.
حسناً، لذلك إن خلاصة بحثنا حول التحوّل هي كما يلي: أولاً التحوّل ضروري وهو حاجتنا اليوم، ثانياً التحوّل ممكن، ثالثاً طريقة إحداث التحوّل هي تشكيل حكومة تؤمن بالتحوّل وبالعنصر الذي يخلق التحوّل، أي العنصر الشاب النّخبوي المؤمن والثوري، أي شرطه أن يكون مؤمناً وثورياً. وإلّا إن كان شابّاً يتمتع بخصائص الشجاعة والقدرة والمبادرة نفسها ولكن لا يمتلك الإيمان، فلا فائدة منه. ذلك الشاب الذي يتمتع بالقوّة نفسها سوف يسير في الاتجاه الخطأ أسرع وأسرع بكثير من كبار السنّ. إن لم يكن مؤمناً، فلا فائدة منه. إن لم يكن ثوريّاً، فلن يقود البلاد إلى حركة تحوّل صحيحة. لذلك، يجب أن يكون شابّاً ومخلصاً وثوريّاً. أي يجب أن تكون هذه العناصر موجودة في مجموعة الحكومة. لذلك، التحوّل ضروري، وكذلك التحوّل ممكن، والشرط وجود حكومة تؤمن بالشباب وتوظفهم، وسيتم ذلك. هذا كلامنا في قضية التحوّل.
اسمحوا لي أن أبدي بعض الملاحظات حول الجامعات، وهي ملاحظات جزئية، لكنها مهمة حول الوضع الحالي للجامعات، وبعد ذلك سأقول بضع كلمات عن الهيئات [الطالبيّة].
ملاحظة حول التعلّم في ظروف «كورونا». أنا قلق؛ الوضع الذي نُبلّغ به حول الأساتذة والطلاب في الجامعات يثير قلقنا. هذا الموضع يمكن أن يجعل التعلم غير مكتمل ومعطّلاً. طلبي أن يهتم مسؤولو التعليم العالي بهذا الموضوع في مختلف الإدارات، سواء وزارة [العلوم والتكنولوجيا] أو الصحة أو جامعة آزاد. حسناً، الآن بعد عام وبضعة أشهر من انتشار «كورونا»، لا نعرف متى سينتهي. نتمنى، إن شاء الله، ألا يستغرق وقتاً طويلاً لكننا لا نعلم متى سينتهي. إنّ مسألة التعلم مهمّة للغاية؛ أنا قلق؛ لا تدعوا التعلم يتعثّر.
تتمثل إحدى المُشكلات في أجهزة التعلم الافتراضية، التي هي شائعة في [مؤسسات] التربية التعليم وفي الجامعات، وقد سمعت أن هناك خللاً ونواقص تجعل الأمور صعبة. لا بدّ من معالجة هذا الخلل حتماً، والمخاطبون في هذا الأمر هم المسؤولون الحكوميون.
سمعت أن هناك من يسيئون بإنشاء قنوات ومجموعات احتيالية. هذا يجعل الامتحانات غير معتبرة، ولذلك يجب التعامل مع هذه الظاهرة القبيحة. إنْ كان هذا صحيحاً وهناك شيء من هذا القبيل، يجب التعامل معه. رُفع تقرير إليّ حول هذا الأمر.
من الأشياء المُهمّة للطلاب وجودُ إعلانات ضخمة ومخطط لها لإحباط طلابنا. إما أن يصابوا بخيبة أمل في المستقبل عامة، ما يؤدي إلى الاكتئاب ومصير أسوأ منه، وإما أن يشعروا بخيبة أمل في استمرار عملهم في البلاد، ما يؤدي إلى إدارة ظهورهم للبلاد ومغادرتها وأمثال ذلك. هذا سيّئ للغاية. طبعاً لقد كانت [الإعلانات موجودة] دائماً واليوم سرّعوا هذه الحركة. والآن أطلب منكم، أيها الأصدقاء الأعزاء، الانتباه إلى خلق الأمل.
في العبارات نفسها التي أدلى بها وقالها الطلاب المُخلصون والفاعلون أنفسهم هناك بعض النقاط التي قد تؤدي إلى هذا المعنى. بعض أقوال الأصدقاء كانت مفعمة بالأمل وتبعث عليه. أعتقد أنه تجب تقوية هذا الجانب. الشيء نفسه ينطبق على المسؤولين. لا تدعوا الطالب - لأن الطالب عنصر قيّم للبلد - يُصاب بالاكتئاب والفشل واليأس.
من المهمات الضرورية للحكومة تمهيد الطريق لتوظيف الطلاب منذ أيام دراستهم. طبعاً في مجال الطلاب التقنيين منذ سنوات عدة5 ذكرت العلاقة بين الصناعة والجامعة. لحُسن الحظ، ومع أن الوقت كان متأخراً، لكن في النهاية تم إنشاء منظمة لربط الطلاب بالمشكلات الفنية وما شابه في معاونيّة رئاسة الجمهوريّة [للشؤون العلمية والتقنية] وتمّ إنجاز أشياء جيدة ويجب عمل المزيد وتعزيز هذه الأشياء، ولكن مسألة التوظيف مهمّة جدّاً في أقسام أخرى. تتمثل إحدى المهمات الأساسية للمسؤولين الحكوميين في التفكير في القطاع الذي يجب أن يعمل فيه هذا الطالب بعد التخرج، سواء في القطاع العام، أو القطاع الخاص، أو القطاع الذي سيجري إنشاؤه بسبب هذا الجسم الطلابي.
قضيّة الخدمة العسكريّة، التي ذكرها أشخاص عدّة من الأصدقاء، هي أيضاً موضوع مهم. هذه واحدة من تلك الحالات المُعقدة. الأمر ليس بهذه البساطة. طبعاً قدّموا خططاً وسلّمونا إياها، وبعض المجموعات تدرس هذا الموضوع لكنه لا ينتهي بالشعارات. الموضوع مُعقّد وعلينا أن نفكر ونرى جوانبه، وإن شاء الله، سنصل إلى القرار الصائب.
أمّا مسألة الهيئات، فاسمحوا لي أن أقول بضع كلمات حولها. أوّلاً يُعدّ وجود الهيئات الطالبيّة إحدى الفرص العظيمة للبلاد. بالطبع، هناك من يقول الآن إنه ثمة كثير من الهيئات الطالبيّة. في رأيي، لا توجد أيّ مشكلة. مجموعة تعمل وهي ذات ذوق سياسي وذوق خاص في الجامعة والسياسة والبلد، ومجموعة [أيضاً تعمل] مع اختلاف بسيط. لا حرج في تعدد المجموعات. هذه الهيئات نفسها فرصة عظيمة للبلدان. يمكن أن تكون هذه الهيئات مركزاً لإنتاج الفكر. نحن بحاجة إلى هذا، إنتاج الفكر في هذه المجموعات، أو يمكن لهذه المنظمات نفسها أن تكون محركاً للحركات الطلابية وأن تخلق الحركة الجهاديّة والتحوّليّة التي ذكرناها. هذا يعني أن هذه المنظمات نفسها يمكن أن تكون عاملاً مهماً في إنشاء الحركة الجهادية نفسها والتحول الذي تحدّثنا حوله سابقاً. يمكنهم توجيه الأنشطة المختلفة للحركات الاجتماعية وحتى الحركات العلمية. كما شاهدنا أخيراً أنه في مجال الحركات الاجتماعية لعبت الهيئات بحقّ دوراً بارزاً.
في العام الماضي، كما قيل لي، وشاهدت ولاحظت بعض هذا مباشرة في وسائل الإعلام وما إلى ذلك، اتخذت الهيئات إجراءات جيدة. كان من آخرها وأهمها الحضور في ساحة «كورونا». حقاً وللإنصاف هؤلاء الشباب الجهاديون قد عملوا، فهذا الدخول إلى ساحة «كورونا» ليس مجرد عمل وحركة جهادية، بل مؤشر على الاستعداد للدخول في الأعمال الخطيرة. هذا مهم. مثل ميادين الجهاد و«الدفاع المقدس» على سبيل المثال، وما شابه، وكلها كانت أعمالاً خطيرة وقد دخلها الشباب. من الواضح من دخولهم في ميدان «كورونا» أنّهم مستعدون لدخول القضايا الخطيرة وميادين عالية الخطورة. كذلك في ما يتعلق بمشكلات الخصخصة، أجرت الهيئات الطالبيّة نشاطات جيدة وصل بعضها إلى بعض النتائج، وإن شاء الله، سيتحقق المزيد منها. هذه الخطوة التي فعلها الشباب والهيئات بشأن مشكلات الخصخصة كانت جيّدة للغاية. طبعاً في ما يتعلّق بالخصخصة هناك آراء لهؤلاء السادة قد نتفق مع بعضها، وبعضها لا. الخصخصة عمل جيّد جدّاً ما دامت تتمّ على نحو جيد. المشكلات ناتجة عن الأداء غير الجيد، لا أن سياسة الخصخصة نفسها خطأ. لذلك، أعتقد أن الحركة الطلابيّة وحركة الهيئات جيدة جداً.
في الشؤون الخارجية، كان [للطلاب] حضور جيّد نسبياً. في الشؤون الدولية، في التعامل مع قضية المجلّة الفرنسية المهينة6، كان أداء الطلاب جيّداً. في الانفجار الأخير لجامعة كابول، خطا الطلاب خطوة جيّدة حقّاً. يجب أن تستمر الأنشطة الطلابية حول قضايا اليمن وفلسطين وما شابه ذلك. في »مجموعة العمل المالي« ((FATF، على سبيل المثال، أبدوا رأيهم، واتخذوا موقفاً. لا يهمني الآن ما كانت عليه المواقف، ولكن الموقف نفسه كان جيّداً جدّاً في رأيي، فقد أظهر المدى لاتساع رؤية الطالب في مختلف القضايا... أو التفاتهم إلى القانون الإستراتيجي لـ«مجلس الشورى الإسلامي»7، وموافقتهم عليه وتعزيزه. حسناً، كل هذا جيّد جداً، ويؤدي أيضاً إلى تعزيز الهوية التنظيمية لهذه الهيئات، أي عندما تدخلون ساحة إبداء الرأي، واتخاذ الموقف، والعمل، وما شابه. في الواقع إنكم تصنعون تياراً، وهذا بحد ذاته يساعد على تقوية هويتكم التنظيمية.
حسناً، الآن، هناك توقعات. أول ما أتوقعه من الهيئات أن تقوّوا بنيتكم الدينية والثوريّة. هذه المسألة ليست سهلةَ العبور. إنّها مهمّة جداً. التمكين الفكري، التمكين الديني. الآن قالوا إن عليّ أن أعرّف كتاباً أو شخصاً. في رأيي، يمكنكم التعرف إلى كثيرٍ من الأشخاص في قم. في الحوزات، بما في ذلك حوزة قم أساساً، لحسن الحظ، قاموا على عمل جيد للغاية وحركات جيدة في السنوات القليلة الماضية. هناك شخصيات يمكن أن تكون لكم مرجعاً ومستشاراً أميناً في القضايا الفكرية والإسلامية والدينية. ومن جملتها تهذيب النفس. أرجو منكم الالتفات إلى موضوع بناء الذات وتهذيبها. نُقل عن الإمام [الخميني] العظيم قوله إن السبب في خشية بعضهم من أمريكا هو فقدانهم تهذيب النفس، وأعتقد أن هذه هي الحال بالفعل. في ذلك اليوم، وفي قضيّة ما، سَأل الإمامُ: هل تخافون من أمريكا؟ كان الجواب: لا. قال: إذاً، افعلوا ذاك الشيء… قال أمراً مهمّاً، وتفاصيله كثيرة [لا مجال لذكرها] الآن. النقطة المهمة هي أن تهذيب النفس له تأثير كبير حتى في النضالات الاجتماعية. لا يقتصر الأمر على أن يصبح الإنسان شخصاً جيّداً. لا، هذا الشخص الجيّد له تأثير في مختلف مجالات النضال الاجتماعية والدولية والثورية.
لدينا درس من الماضي. كانت بعض الهيئات في الثمانينيات تمثّل رأس السهم في الثوريّة. وفق قولكم، كانوا في منتهى الثورية، أيّ أنّهم، على سبيل المثال، عندما كانوا يتعاطون معنا، من لدينا تاريخ ثوري أكثر منهم، كانوا يتصرفون على أننا مدينون لهم! بالطبع بعضهم، وثمة آخرون ذهبوا إلى الجهاد واستشهدوا وفعلوا أشياء عظيمة وأصروا فعلاً على الخط الصحيح والثوري نفسه وبقوا عليه. هناك من غيّر مسيره 180 درجة، لأن الفكر لم يكن عميقاً في أذهانهم، والإيمان لم يكن أعلى بكثير من مرحلة الشعارات. عندما صار الإيمان مجرد شعار ولم يكن له عمق في الفكر، ظهرت هذه الأخطار. يجب أن تُؤخذ بالاعتبار.
كما تعلمون، منذ بداية الثورة - أي قبل أن أكون رئيساً للجمهوريّة عام 1981 - جاء الطلاب إليّ بأمر من الإمام، وتواصلت مع الطلاب وعملت معهم. أنا على دراية جيّدة بعمق العمل الطالبي والأنشطة الطالبية، وأعرف كيف الوضع وكيف كان، وكيف حدث أن اتخذ بعضهم زوايا. ينحرفون أولاً بزاوية، ثم ينحرفون ببطء، ما يؤدي أحياناً إلى الزاوية المقابلة: 180 درجة. إذا كان هناك إيمان وتقوى، لن تكون هناك مشكلة حقيقية، أي لن يذهب الطالب إلى معارضي الثورة وأعدائها. لذلك، أمر الله - تعالى – نبيه (ص) في القرآن: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} (هود، 112). هذا مهمّ جدّاً. وإذا كانت هذه المقاومة، سوف تكون عاقبة أمور المنظمة وأعضائها خيراً. وإذا لم تكن هذه المقاومة، ولا هذه التقوى وهذا الإيمان العميق والتفكير المنطقي والعميق، ستكون هناك مشكلة في العاقبة. وكما يقول الشاعر حافظ [الشيرازي]: «الحكم على الستر والسكر كليهما في العاقبة»8.
حسناً، هناك نقطة أخرى لتذكير الطلاب والهيئات هي أن لديكم فرصة مهمة وهذه الفرصة تخلق التكليف. هذه الفرصة أنكم بين جمع عظيم من الطلاب. هذه الهيئات الطالبيّة أمام مجموعة من ملايين الطلاب، وهي فرصة كبيرة جداً، ما يعني أن مجهودك في التفكير وجمع مجموعة من الطلاب، يجب أن يكون جهداً جاداً ومخططاً له وأساسيّاً.
ليست هناك حاجة أبداً أن يكونوا جزءاً من هيئتكم، ولكن من الضروري أن يتأثروا بتفكيركم وأن تُبذل قصارى الجهود للتأثير فيهم فكرياً وديناً وفكّ عقدة تفكيرهم. وقد تمت الإشارة إلى أقوال البعض حول العقد الفكريّة. نعم، هناك عقدة فكرية لا بدّ من إزالتها. والآن لدى الممثليات9 مَهَمّة مُهِمّة في هذا المجال وأعمال كبيرة على عاتقهم، فيجب أن يبذلوا المزيد من الجهود في هذا المجال. في هذه الانتخابات أيضاً مهمّتكم الرئيسية بين أيديكم هي تشجيع الجميع، بمن في ذلك الطلاب وغيرهم، على المشاركة. بعض الملاحظات التي أُدلي بها اليوم قيلت من باب التعاطف بالفعل، ولكن لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك، وهو أن يثني هذا البيان المتعاطف الناس عن المشاركة. يجب أن يؤخذ هذا بالاعتبار.
الآن بعدما طُرح موضوع المشاركة، اسمحوا لي أن أقول كلمة حول الانتخابات. الانتخابات الحماسية مهمة للبلد من النواحي جميعاً. إنّها مهمة لناحية الحضور الشعبي وتحقيق السيادة الشعبيّة بالمعنى الحقيقي للكلمة. لا نقلل من أهميّة ذلك، ولا نقول لأنه لم يشارك الناس في بعض حركات الحكومة الفلانيّة، ليس هناك سيادة شعبيّة. لا! إنّ مجرد حضور الشعب لانتخاب مسؤولي البلاد، من أعلى إلى أسفل، مسألة مهمة. إنها قضية إنسانية مهمّة، إنها قضية حضارية بالغة الأهمية. إنها سيادة الشعب. ثم، كما تعلمون، إن حضور الناس في الانتخابات له تأثير كبير في قدرات تلك الحكومة المُنتخبة وقوتها. في نهاية المطاف، سيتم انتخاب حكومة، وسيتم انتخاب رئيس جمهوريّة وسوف يُشكّل حكومة. وكلما زاد الدعم، كان أقوى، وكان ذلك أفضل حتماً، ويزيد قوة الردع للبلاد، ويوفر الأمن لها، ويخلق سمعة لها. لذا إن المشاركة مهمة للغاية.
لذا، في الدرجة الأولى، نسبة المشاركة العالية، ثم الانتخاب المطلوب والاختيار الجيّد لتشكيل حكومة تتمتع بالكفاءة، ولديها الإدارة اللازمة، ومؤمنة، وشعبية، ومليئة بالأمل. لا ينبغي أن ييأس المسؤولون الحكوميون. إذا وضعنا شخصاً مُحبطاً ومكتئباً على رأس العمل، يبدو واضحاً أن هذا الأمر لن ينجح. يجب أن يكون مليئاً بالأمل. ويؤمن بالقدرات الداخلية. من يعتقد أنه لا يمكن فعل شيء في البلاد، سواء في الدفاع أو السياسة أو الاقتصاد أو الإنتاج أو ما شابه، لا يستحق حقاً السيادة والحكم على هؤلاء الناس. أولئك الذين يتولون زمام الأمور يجب أن يكونوا مؤمنين بالشعب، مؤمنين بالشباب، ولديهم عقيدة بالشباب، ويقدّرون عنصر الشباب حقاً، و[لديهم] أداء ثوري، ومن طلّاب العدالة حقاً، لا أن يذكروا العدالة بلقلقة اللسان، أي يكونون بالمعنى الحقيقي للكلمة مطالبين بالعدالة ومكافحين للفساد. بالطبع، «العدالة» ليست مجرد عدالة اقتصادية. مع أن العدالة الاقتصادية جزء مهمّ منها، فإن العدالة تسري وتجري في القطاعات كافّة. إذا تم إنشاء مثل هذه الحكومة، بإذن الله، يمكنها تعيين المئات من المديرين الشباب والمؤمنين في مختلف القطاعات من الأعلى إلى الأسفل، وإن شاء الله، سيصير عمل البلاد منظماً جيداً. يجب أن تسعوا إلى ذلك.
بالطبع أنا لا أتدخل أبداً في اختيار الأشخاص. في الدورات الماضية، كان بعض الأشخاص الذين ينوون الترشح يسألونني عن رأيي: «هل أنت موافق؟» مثلاً، وكنت أجيب: «أنا لست مع ولا ضد»، أي ليس لدي رأي محدّد. في المراحل السابقة، كان الأمر على هذا النحو. كل من سألني: «هل أدخل السباق الانتخابي أو لا؟»، كنت أقول في معرض الإجابة: لستُ موافقاً، ولستُ معارضاً، أي ليس لديّ رأي محدّد. في هذا العام، قلت إنني حتى لن أكرر هذا الكلام. إذا سأل أحدهم: «هل توافق؟»، حتّى لن أقول هذا: «لستُ موافقاً، ولستُ معارضاً».
فليبحثوا وليفكروا بأنفسهم، بينهم وبين الله؛ إن شعروا أنهم مستحقون وأن دخولهم يتوافق مع القانون، فليدخلوا في الميدان، وإلا فلا، وليرَ الناس أيضاً البرامج ولينتخبوا. بحمد لله، قلتم كلاماً جيّداً حول اختيار الشعارات ونحوها. وهذه أيضاً لا بد من تصحيحها، إن شاء الله.
نسأل الله – تعالى - أن يوفقكم جميعاً. أنتم، أيها الشباب الأعزاء، أنتم ذخيرة الثورة، وأنتم النقطة المضيئة في أعين المسؤولين، وأنا صديق لكم منذ سنوات طويلة وأحبكم، وأدعو لكم. لا يوجد يوم لا أدعو فيه مراراً لشباب البلاد، خاصة النشيطين. وسأدعو أيضاً، إن شاء الله. وفقكم الله، ونسأل الله أن تشملكم الأدعية الزاكية لبقيّة الله - أرواحنا فداه - وأن ترضى عنكم الروح الطاهرة لإمامنا [الخميني] العظيم والأرواح الطيّبة لشهدائنا الأعزاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش
1- في بداية هذا الاجتماع تحدث عدد من ممثلي الهيئات الطّالبية.
2- الصحيفة السجادية، الدعاء 44.
3ـ مُصطلح يطلق على الدول التابعة لدولة عظمى، مثل الأقمار تدور في فلكها.
بتوقيت بيروت