اعتبر قائد الثورة الإسلامية الامام السيد علي الخامنئي أنّ النموذج الإسلامي المستقل من أجل بناء النظام والمجتمع يعتمد على "الإيمان والعلم والعدل" ولفت سماحته إلى أنّ أميركا التي تمثّل قمّة عظمة نموذج نظام الرأسماليّة الغربي هُزمت بالمعنى الحقيقي للكلمة، مشدّدا على أهميّة عدم ربط الاقتصاد بالتحوّلات الخارجيّة، واصفاً ذلك بالخطأ الاستراتيجي، وأكّد سماحته على وجوب أن يكون التخطيط الاقتصادي معتمداً على الطاقات المحليّة.
وفيما يأتي النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في الاتصال المتلفز مع أعضاء الحكومة بمناسبة أسبوع الحكومة.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
السلام عليك يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح التي حلت بفنائك. عليكم مني جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم. السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.
واقعة عاشوراء تمثل قمة الجهاد والتضحية والشهادة في سبيل الله
أشكر جزيل الشكر السيد رئيس الجمهورية والسادة الوزراء المحترمين على ما أوردوه من كلمات. يصادف أسبوع الحكومة هذه السنة أيام محرم، وأيام عاشوراء التي تمثل قمة الجهاد والشهادة. حقاً إن هذه الحادثة مظهر لقمة الجهاد والتضحية والشهادة في سبيل الله. للعلم، هذا الأسبوع نفسه – أسبوع الحكومة – هو مناسبة للجهاد والشهادة أيضاً، أي إن شهيدينا العظيمين – الشهيد (محمد جواد) باهنر والشهيد (محمد علي) رجائي – كانا من الأشخاص الذين جاهدوا، وعلى إثر هذا الجهاد، منحهم الله جلّ وعلا الشهادة كأجر على ذلك. ما شهدناه من قرب، من حياة هذين العزيزين، سواء قبل انتصار الثورة أو بعدها، أنهما كانا يعملان بكل جد لله، وكانا يعملان رغم كثرة المشكلات التي كانت تحاصرهما. لم يكونا يفكران أبداً في مصالحهما الشخصية، ولم يكونا يعملان للشهرة وجذب الناس إليهما. هذه خصائص بارزة ومهمة، وهكذا نوع من العمل، وهكذا نوع من المجاهدة، سيتقبلهما الله – تعالى – دون شك، وقد كانا يستحقان الشهادة، وكانت خير أجر لهما، نسأل الله – تعالى – لهما علو المقام عنده.
أسبوع الحكومة فرصة للخروج بمحصلة للأعمال،ونقد نقاط الضعف، والتبيين، والاطلاع
إن أسبوع الحكومة أسبوع مهم وجدير بالاهتمام. هذا الأسبوع هو مناسبة للمرور على أهم الخدمات التي قدمها أعضاء الحكومة على مدار العام، أي بمنزلة محصلة للأعمال، كما أنه مناسبة لنقد نقاط الضعف، فكل حكومة لديها نقاط قوة ونقاط ضعف، فهو بمنزلة نقد ذاتي للحكومة قبل أن ينتقدها الآخرون، وفرصة للتوضيح وإعلان الأخبار المهمة، واليوم هناك أخبار عظيمة ومهمة أعلنها رئيس الجمهورية والسادة الوزراء، وأكثرها جديد حتى بالنسبة إلينا. من المهم نشر هذه الأخبار ونقلها. تحدثوا عن منجزاتكم، تحدثوا عن العقبات التي تعترض طريقكم، تحدثوا عن الأشياء التي استطعتم أن تنجزوها والأشياء التي كان يجب أن تنجزوها لكنها لم تنجز بعد؛ الناس يفرحون بذلك، ويستطيع الإنسان بهذا النحو أن يبين مختلف أبعاد القضايا، وهذا يرضي الناس ويسعدهم، ولا سيما إذا تمّ عبر التواصل المباشر مع الناس، فتحدثوا إلى الناس مباشرة ما أمكن. طبعاً هناك اليوم معيقات لذلك، لكن يمكنكم فعله عن طريق التواصل المباشر معهم عبر التلفزيون. وضحوا، وبينوا لهم. طبعاً هذا الأمر يجب أن يحدث دائماً، فموضوع التوضيح والتبيين ليس مختصاً بأسبوع الحكومة فقط. التقارير الصادقة تُفرح الناس وتزيدهم أملاً.
أهمية السنة الأخيرة للحكومة
1– آخر فرصة للخدمة
النقطة التالية، الجديرة بالاهتمام، هي أنه من هذا اليوم تبدأ في الواقع السنة الأخيرة للحكومة. والسنة الأخيرة مهمة جداً من جهات عدة. الجهة الأولى هي أن يعلم السادة الذين وُفقوا اليوم للعمل من أجل شعبهم، ومن أجل الله، ومن أجل الإسلام، أن هذه السنة هي الفرصة الأخيرة لهم. طبعاً من الممكن أن يتسنم السادة مسؤوليات أخرى في المستقبل، لكن بالنسبة إلى هذه المسؤولية الخاصة والمهمة التي تحملونها الآن، أي الإدارة العامة لمختلف شؤون البلاد، فهذه آخر فرصة لكم. عليكم أن تستغلوها ما استطعتم. فالسنة ليست بالزمن القليل، أي علينا ألا نتصور أن السنة زمن قليل، بل هي زمن كبير جداً. تلاحظون في بعض دول العالم أنه جرت العادة – مؤخراً في بلادنا – أن يعطوا للرؤساء عند تسلمهم مهماتهم فرصة مئة يوم، ويحددون لهم أعمالاً عليهم أن ينجزوها خلال هذه المدة، وعلى الناس والإعلام وغيرهم أن يحكموا على أدائهم. إذاً، يُعلم من هذا أنه يمكن خلال مئة يوم أداء أعمال مهمة، فكيف خلال سنة، أي ثلاثمئة يوم وفوقها خمسة وستون يوماً. فالسنة ليست بالزمن القليل من أجل العمل وتحقيق الإنجازات.
2– ذكرى حسنة للحكومة المقبلة
فضلاً عن هذا هناك أعمال أساسية ربما لن تقطفوا ثمارها في زمن حكومتكم، لكن يمكنها أن تبقى ذكرى منكم للحكومات المقبلة. اسمحوا لهذه الحكومات أن تذكركم بخير، وأن تشكركم على جهودكم. مثلاً إصلاح هيكل الميزانية العامة هو عمل مهم على المدى البعيد، أو إصلاح نظام المصارف، أو نظام الضرائب، أو إصلاح قانون تطبيق سياسات المادة 44. هذه جميعها أعمال أساسية وتبقى للمستقبل.
3– الجدية في متابعة الأعمال التي أعطيتم وعوداً بشأنها
من الأشياء المهمة في السنة الأخيرة للحكومة السعي إلى إنهاء الأعمال التي بدأتم بها، أو أعطيتم وعوداً بإنجازها. وعد وزير الإسكان بإتمام بناء أربعمئة ألف شقة سكنية حتى نهاية هذه الدورة – طبعاً، رئيس الجمهورية قال ستمئة ألف شقة، اللهم زد وبارك –، هذا شيء جيد جداً. الرقم ليس قليلاً ويمكنه أن يوجِد تحولاً في موضوع السكن في البلاد. كلكم تلاحظون أن مشكلة المسكن من المشكلات الرئيسية في البلاد. فيمكن لهذا العمل الكبير أن يساهم في الحل. كذلك مشاريع وزارة الطاقة قيد الافتتاح، يسعدنا أنها تنفذ بوتيرة سريعة. تابعوا جميع هذه المشاريع حتى نهاية دورتكم، وفقاً للخطة التي وضعتموها، وبكل دقة وجدية، حتى تُنجز، فهي من مشاريع البنى التحتية. كذلك ما سمعناه عن سياسة بناء مصافي النفط التي تنفذ الآن. طبعاً كان من المفترض أن تنفذ قبل ذلك بكثير، منذ سنوات، ودوماً أكدت للحكومات السابقة أن تتابع موضوع بناء المصافي. في النهاية، حدث شيء من التأخير في هذا الأمر.
لكن الآن باتت هذه السياسة موجودة! فتابعوها. هذا العمل مهم للغاية، وربما استطعنا به – إن شاء الله – أن نحقق فوائد وأرباحاً أكبر من نفطنا، وأن نزيد قيمته التصديرية، أي أن نكرره في مصافينا، وننتج مادتي الديزل والبنزين، ثم نصدرهما. هكذا، يصير تصدير نفطنا أكثر سهولة، وسعره أعلى، وعوائده على البلاد أكثر بمراتب. أيضاً ما اتخذ من إجراءات حول المؤسسات المعرفية يجب أن يتابع بكل جدية، فهذه الحركة فيها الكثير من البركة على البلاد. كذلك، تجب متابعة الإجراءات التي اتخذت لمكافحة «كورونا»، فهي أعمال مهمة جداً، وتم – بحمد الله – إدارتها جيداً. واصلوا هذه الأعمال، وتابعوها بجدية أكبر. بعض هذه الأعمال – كما سبق وأشرنا – تعدّ من الأعمال الباقية، مثل موضوع اكتشاف علاج لمرض «كورونا» وأمثاله. هذه المواضيع مهمة جداً. ما تم تحقيقه حتى الآن في هذا الإطار يعدّ من النجاحات التي تسجل للحكومة، فعليكم في هذه السنة الأخيرة أن تتابعوا هذه الأمور بكل ما تستطيعون من جدية، ولا سيما على صعيد الأعمال العلمية المضغوطة التي تجري لإنتاج لقاح ضد «كورونا». بناء على ما سبق تعدّ السنة الأخيرة من عمر الحكومة سنة مهمة، ولا يجب أن ننظر إليها مطلقاً على أنها مجرد وقت إضافي.
بعض الجمل حول المسائل الاقتصادية للبلاد
ركزت جُلّ التقارير التي قدمها رئيس الجمهورية والسادة الوزراء على المسائل الاقتصادية، وأنا هنا أريد أن أتحدث قليلاً في هذا الإطار، وأنبّه إلى بعض الأمور.
أولاً: الإنتاج هو المفتاح الرئيسي لإيجاد فرص العمل، وخفض التضخم، وتحسين قيمة العملة الوطنية
أولاً موضوع الإنتاج. كما أشرنا، وأشار الإخوة الأعزاء، إن الإنتاج هو المفتاح الرئيسي لإيجاد فرص العمل، ولتحسين المعيشة، ولخفض التضخم، ولتحسين القيمة الشرائية للعملة الوطنية... الإنتاج في الواقع هو الأمّ لكل هذه الأمور. لهذا، علينا أن نفعل كل ما نستطيع في هذا الإطار. كنا قد أكدنا مراراً هذا الأمر في السنوات الماضية، وقد أطلقنا على هذه السنة اسم «الطفرة في الإنتاج». ما أريد أن أؤكده الآن أن الإنتاج تكتنفه عوائق، ولا يمكننا بهذه السهولة زيادة الإنتاج وتحقيق الطفرة في الإنتاج. هذه العوائق يجب أن تتابعوها، وأن تعملوا على تذليلها. من الممكن أن يجول في ذهن بعض الإخوة أن هذه العوائق خارج نطاق اختيارنا، مثل الحظر الاقتصادي. نعم، بعض العوائق هي كذلك خارجة عن اختيارنا، مثل تجميد أموال نفطنا ومنعنا من بيعه، ومنعنا من استيراد الكثير من الأشياء، ومنها الآلات وقطع الغيار الضرورية، لكن هناك الكثير من العوائق أيضاً موجودة داخل البلاد، وهي تمنع كثيراً تحريك عجلة الإنتاج وتحقيق الطفرة فيه، وهذه الأمور تمكن معالجتها، وسأذكر عدداً من هذه الموارد.
عوائق تحقيق الطفرة في الإنتاج
من المسائل التي كنا قد أكدنا معالجتها كثيراً مسألة الاستيراد غير المدروس. رسائل كثيرة كتبها المنتجون، وكذلك الشكاوى التي تقدموا بها، حتى أنه أُجريت مقابلات تلفزيونية معهم ذكروا خلالها أن معملاً على سبيل المثال ينتج سلعة تحتاجها البلاد، ويسعى إلى كسب الزبائن في الداخل – في أحيان كثيرة يكون أحد زبائنه الدولة نفسها –، لكن ينظر فيجد أن هذه السلعة نفسها التي ينتجها جرى استيرادها بطريقة ما من الخارج! من الممكن أن تكون السلعة الأجنبية أكثر جودة، أو بقيمة أرخص، لكن هذا الأمر يتسبب في إفلاس هذا المعمل. فهذا الاستيراد غير المدروس شيء خطير للغاية. أحياناً تكون هذه المستوردات أشياء كمالية وليست من الحاجات الضرورية.
سمعت أنه من أجل استيراد بعض أنواع الهواتف المحمولة الأميركية الفخمة صرف – على ما نقل إلينا – نحو نصف مليار دولار! طبعاً، من قام بهذا العمل هو القطاع الخاص، لكن يفترض على الحكومة أن تمنع ذلك.
من العوائق الأخرى موضوع التهريب. وعملية التصدي له من مسؤولياتنا، ولا يجوز أن ننتظر من الآخرين أن يعالجوا هذا الأمر. يجب على جميع أجهزة الدولة – الأجهزة التابعة لكل من السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، والقوات المسلحة – أن تتعاون وتنسق بينها لتضع حداً للتهريب. في الحقيقة الرقم المذكور حول حجم التهريب يبعث على الصدمة. بحسب تقرير لجنة التحقق والتفحص، الذي قُرئ أمام المجلس في أيار/مايو، إن حجم التهريب بلغ 25 مليار وخمسمئة مليون دولار! إنه رقم كبير جداً.
من العوائق الأخرى أمام حركة الإنتاج مسألة النقص في قطع الغيار. قيل لنا كثيراً أن الآلة الفلانية تحتاج إلى قطع الغيار الفلانية ولا يبيعونها لنا. حسناً، لحسن الحظ، نشهد في بلادنا ثورة على صعيد صناعة قطع الغيار انطلقت منذ سنوات في قطاع القوات المسلحة ووزارة الدفاع وغيرها من القطاعات. حسنٌ جداً، يمكنكم لتأمين حاجتكم من قطع الغيار أن تراجعوا المراكز التي تُصنّع قطع الغيار، وتبحث وتحقق في هذا المجال، واطلبوا منها أن تصنعها لكم، وهم قادرون على ذلك. ما أريد أن أقوله هو أننا، لحسن الحظ، تمكنا من صناعة الكثير من القطع الدقيقة والمعقدة. حتى بعض القطع التي لم يكن يُتصور أبداً إمكانية تصنيعها في الداخل صنّعتها القوات المسلحة. يجب علينا الاعتماد على هذه النهضة في صناعة قطع الغيار.
من موانع الإنتاج الأخرى غياب التنسيق في بعض المواطن بين الدوائر والأقسام الفرعية. ربما هناك تنسيق على مستوى الوزراء في ما بينهم، وينجزون بعض الأعمال بصورة مشتركة، وقد تحدّث الإخوة في تقاريرهم عن بعض أوجه التنسيق هذه، لكن على مستوى الدوائر والأقسام الفرعية يوجد أحياناً غياب عجيب وغريب للتنسيق. لنفرض مثلاً أنه في أحد التقارير التلفزيونية وردت شكوى من أحد المستهلكين لورق الفولاذ بأن الشركة لا تبيعه هذه المادة، مع أنه محتاج إليها وتُنتج في الداخل بجودة عالية. أو (مثلاً) أحد المستهلكين للمواد البتروكيماوية. هناك الكثير من المعامل الصغيرة التي تحتاج في صناعتها إلى المواد البتروكيماوية، فيراجعون الشركة، ولا يبيعونهم لأسباب مختلفة، أو يبيعونهم لكن بسعر عالٍ أو مع صعوبات. لنفرض أننا سمعنا هذا الخبر عبر التلفزيون عبر نشرة الأخبار المسائية التي يتابعها عادة غالبيتنا. هنا، في رأيي، يتوجب على الوزير الذي يسمع هذا الخبر أن يتواصل في الليلة نفسها مع صاحب المشكلة، وأن يتصل به هاتفياً أو أن يحدد له موعداً للقائه في الغد، فلا يأتي العصر إلا وقد عُولجت المشكلة. في الواقع هكذا تُذلل العقبات أمام حركة الإنتاج. طبعاً هناك مشكلات ربما تكون أكثر تعقيداً ولا تمكن معالجتها خلال ساعات – أنا مطلع على بعضها – لكن الكثير من هذه المشكلات تمكن في الحقيقة معالجتها عبر جلسة تستغرق ساعة أو اثنتين. بناء على هذا يجب تذليل موانع الإنتاج وعوائقه.
من معيقات الإنتاج الأخرى عائق أُشير إليه في التقارير التي قدمها السادة، هو موضوع صعوبة الحصول على الرخص، إذ أكد السادة أنه تم تقليص المدة اللازمة للحصول على الرخص، وهذا أمر جيد جداً. في الحقيقة هناك الكثير من التعقيدات العجيبة والغريبة التي تؤخر الحصول على الرخص. قالوا إن الحصول على الرخصة يحتاج إلى 72 يوماً لكن في بعض الموارد تستغرق زمناً أكبر بكثير. حسناً، يجب العمل على معالجة هذا الموضوع، كما يجب، في رأيي، الاهتمام بموضوع التسهيلات المصرفية وما شابهها.
أودّ على هامش الحديث عن موضوع الإنتاج أن أتطرق إلى مسألة ليست بعيدة من هذا الموضوع، هي مسألة تصدير المواد الخام، أو تصدير المواد غير المصنعة، التي ذكرت نموذجاً عنها قبل قليل عندما تحدثت عن النفط. إحدى المشكلات التي نعاني منها أننا نصدر موادنا الخام إلى الخارج دون أن نكررها أو نصنّعها داخلياً، فنوفر قيمة مضافة تعود بالفائدة على خزينة بلادنا، وعلى مستثمرينا، وعلى عمالنا. مثلاً تذهب المعادن الخام الثمينة إلى الخارج، فيجري تصنيعها هناك، ثم تُباع. أحياناً هذه المعادن نفسها التي بعناها على شكل مواد خام نعود ونستوردها بقيمة مضاعفة لمرات! كنت قد أكدت مراراً في موضوع المعادن الخام الثمينة الموجودة في بلادنا، التي كما سمعت بعضها لا نظير له في العالم. أو مثلاً تراب جزيرة هرمز الثمين، الزعفران في جنوب خراسان، التمر في المناطق الحارة... في الحقيقة التمر الإيراني لا مثيل له. قبل سنوات أرسل إلينا أحد الإخوة من البلدان العربية علبة تمر بعنوان هدية، فأخذت هذه العلبة ضمن ما أرسل إليّ من هدايا، وأريتها لأعضاء الحكومة في ذلك الوقت، وقلت لهم: هذا في الحقيقة ينطبق عليه كلياً المثل القائل: «کناقل التمر إلى هجر»! إن أفضل أنواع التمر في العالم تجده في ايران، ثم يأتي هذا الأخ ويرسل إلينا التمر هدية، لكن التمر الذي أرسله كان معلباً بشكل جميل جداً وأنيق. أما نحن، فأحياناً نعبئ التمر في زنابيل القش وفي علب سيئة. الآن، أخيراً، تحسن وضع التعليب. تجب متابعة هذا الموضوع، فهو مهم. قبل ليالٍ تحدثوا في التلفزيون عن الكزبرة. كانوا يقولون إن الكزبرة تصدر إلى الخارج بشكل خام، ثم بعد أن يعاد تصنيعها تباع بأسعار كبيرة جداً في العالم. إذاً، ما أردنا قوله حول موضوع الإنتاج هو ضرورة رفع العوائق التي تقف أمام حركة الإنتاج، وهي الأمور التي ذكرتها.
ضرورة تشكيل فريق عمل لرفع عوائق الإنتاج
كنت قد اقترحت سابقاً تشكيل فريق عمل يمثل السلطات الثلاث للتعرف إلى عوائق الإنتاج ومعالجتها، وكان الرؤساء المحترمون قد أعلنوا موافقتهم على المقترح، وقالوا إنه عمل جيد. لا أعلم هل تشكل هذا الفريق، إلى الآن، أم لا. إن لم يكن قد تشكل، فالأفضل الإسراع في تشكيله، وليعمل ليل نهار. لعله – إن شاء الله – يستطيع رفع العوائق التي تقف أمام الإنتاج، لأن موضوع الإنتاج من أهم الأمور في الاقتصاد.
ثانياً: الاهتمام بالاستثمار
الموضوع الثاني الذي أريد أن أتحدث عنه في مجال الاقتصاد – ويعود بنحو ما إلى الإنتاج أيضاً – هو موضوع الاستثمار. فهذا الموضوع مهم جداً لتحقيق الازدهار الاقتصادي، وزيادة حركة الإنتاج، وصولاً إلى إيجاد الطفرة الإنتاجية. فالاستثمار هو أساس العمل. منذ سنوات وحركة الاستثمار تعاني من خلل في بلادنا ولا تجري كما يجب. علينا الاهتمام بهذا الجانب. على ما أذكر، وفق ما هو موجود في التقارير التي أرسلت إلينا، نحن تقريباً متأخرون عشر سنوات في هذا المجال. لهذا هناك عدد من الأعمال يجب علينا تنفيذها:
لدينا استثمارات كلية في الكثير من القطاعات لم تُستكمل بعد، أو تركت معلقة، أو تمشي ببطء شديد... أول عمل يجب أن نقوم عليه هو أن نُفعّل هذه الاستثمارات، وأن نعيد الحياة إليها، وأن نكملها، لأن الاستثمارات عندما تبقى معلقة تجمد الكثير من مال البلاد دون أي جدوى أو مردود، ولذا يجب علينا أن نوصل هذه الاستثمارات إلى مرحلة الإنتاج ليستفيد منها الناس. لا يجوز لأي مشروع استثماري كبير أن يبقى معلقاً في البلاد، وهذه مسؤولية مؤسسة التخطيط والميزانية في الدرجة الأولى، ثم باقي الأجهزة المختلفة.
المطلب الثاني هو أن تشجعوا على الاستثمار، لأن عملية الاستثمار يجب أن يقوم عليها أساساً القطاع الخاص. أما الدولة، فيمكنها أن تستثمر في المجالات التي لا يقدر عليها القطاع الخاص، أو لا رغبة له فيها، أو قليلة الجدوى بالنسبة إليه. القطاع الخاص اليوم يملك إمكانات، أي توجد أموال كثيرة في البلاد؛ تسمعون الحديث الجاري على الألسن حول السيولة المالية، وتضاعف حجم هذه السيولة، إذاً، توجد أموال، فيجب تشجيع أصحاب رؤوس المال على الاستثمار. للتشجيع طرق مختلفة لا تخفى على كثيرين، حل: مشكلة الضرائب، مشكلة الرخص، مشكلة التسهيلات المصرفية... هذه أمور الكل يعرفها لكن يجب أن تولوها الأهمية، نسأل الله أن تنجز.
كنت قد طرحت هذا الموضوع أكثر من مرة أمام العموم، كما طلبت مراراً من المسؤولين خاصة أن علينا أن نوظف السيولة المالية في الإنتاج. كذلك، كنت قد اقترحت عام 2018 في جلسة مع هيئة الحكومة في المناسبة نفسها، وهي أسبوع الحكومة، أن تُشكّل هيئة متخصصة مهمتها أن تبحث بصورة متواصلة عن أساليب إدارة السيولة المالية وتوظيفها، فهذه السيولة الموجودة يجب أن توظف في الإنتاج، وهذا الأمر ليس بالعمل السهل، بل له صعوباته ويحتاج إلى أساليب خاصة، لهذا، اقترحت تشكيل هيئة لمتابعة هذا الموضوع. لا أعلم هل هذه الهيئة قد تشكلت أم لا. على كل حال، إن لم تكن قد تشكلت بعد، فلا يزال هناك وقت لفعل ذلك. إن شاء الله يتم إنجاز ذلك لتتدفق هذه السيولة الموجودة نحو الجزء الأساسي من الاقتصاد وهو الإنتاج.
ثالثاً: ضرورة تحسين قيمة العملة الوطنية
الموضوع الثالث الذي أريد الحديث عنه في ما يتعلق بالمجال الاقتصادي مسألة قيمة العملة الوطنية، وهي مسألة لا تخلو من الارتباط بالمواضيع الاقتصادية السابقة. إن قيمة العملة الوطنية وفق مباني الاقتصاد وأصوله لها علاقة بنمو الإنتاج، ونمو الاقتصاد، والتنمية الشاملة في البلد، وقوة بنيته الاقتصادية... هذا بصورة أساسية، لكن هناك عوامل أخرى جانبية أيضاً. طبعاً مما لا شك فيه أنه إن عززنا الإنتاج، فإن قيمة العملة الوطنية ستقوى بصورة طبيعية، وإن قوّينا البنية الاقتصادية، فستقوى عملتنا الوطنية تباعاً، وإذا ما قويت عملتنا الوطنية، سينعكس ذلك إيجاباً على حياة الناس ومعيشتهم، لكن إلى جانب تلك الأعمال الطويلة الأمد – أي تقوية البنية الاقتصادية – هناك بعض الأعمال القصيرة الأمد.
مما هو معلوم أن المضاربات المغرضة التي تستهدف القطع الأجنبي من شأنها أن تؤثر كثيراً في قيمة العملة الوطنية. بعض هذه المضاربات مغرضة، وبعضها قد لا يكون كذلك، وإنما بهدف الربح. أُعلن أخيراً أن 27 مليار دولار خرجت من البلاد ولم تعد. طبعاً، في بعض الأحيان، بقاؤها في الخارج يكون له أسبابه المنطقية، لكن أحياناً أخرى يكون هذا المال، أو القطع الأجنبي، قد ذهب إلى الدولة الفلانية لشراء أراض أو عقارات هناك، وأمثال ذلك، وهذا الأمر غير مقبول. هناك تقارير تتحدث عن أنه في إحدى الدول المجاورة لنا أكثر العقارات التي بيعت اشتراها إيرانيون. هذا الأمر غير مقبول مطلقاً. أو (مثلاً) أن هناك من يصرف هذه الأموال في استيراد أشياء لا لزوم لها كالبضائع الكمالية الفخمة، وقد ذكرت نموذجاً لذلك: الهواتف النقالة الفخمة التي تم استيرادها من أميركا، وصُرف نحو نصف مليار دولار، أو خمسمئة مليون يورو، لشرائها. ما يثير تعجبي هو أنه كيف تفرض أميركا علينا كل هذا الحظر، ثم لا يشمل هذه البضائع! هذه الأمور في الواقع غير مقبولة. من العوامل الأخرى التي تؤثر في قيمة العملة الوطنية القرارات غير المدروسة لبعض الأجهزة. طبعاً، لحسن الحظ، «المصرف المركزي» اتخذ إجراءات جيدة في هذا الإطار بدأ تطبيقها ويتابعها، وعلينا جميعاً أن نساعده في ذلك. ينبغي لجميع أجهزة الدولة أن تساعد «المصرف المركزي»، لأن مسألة قيمة العملة، أو القطع الأجنبي، انخفاضاً أو ارتفاعاً، تؤثر مباشرة في خططهم وبرامجهم. ولذا على الجميع أن يساعدوا المصرف ليستطيع القيام على عمله. لحسن الحظ، هناك أعمال جيدة تجري في هذا الإطار.
ضرورة إنشاء نظم للمعلومات
من الأمور التي طُلبت منا هنا، وكنت قد نبّهت إليها المسؤولين المعنيين أكثر من مرة، هي مسألة إنشاء نُظُم للمعلومات. كان قد اتُخذ قرار في هذا الإطار منذ سنوات، وبعض هذه النظم تم إنشاؤها، وبعضها لم تنشأ بعد. إن إنشاء نظم المعلومات ووصلها بعضها ببعض يساعدان الدولة كثيراً على كسب المعلومات التي تحتاجها... مثل نظام إصدار رخص الاستثمار، ونظام الضرائب، ونظام مكافحة تهريب البضائع والقطع الأجنبي، والنظام الخاص بتبييض الأموال. هذه النظم مهمة جداً، وهي ضرورية في عملية إصلاح أي بناء، فضلاً عن فوائدها الآنية.
رابعاً: ألا تُرهن المسائل الاقتصادية بالتحولات الخارجية
من المواضيع الأخرى المهمة في مجال الاقتصاد، التي سأختم بها حديثي في هذا الإطار، هي أنه لا يجوز مطلقاً ربط اقتصاد البلاد بالتحولات الخارجية، أي لا يجوز أن تتوقف عملية وضع الخطط الاقتصادية في البلاد على إلغاء الحظر أو تراجع شدته، بل يجب أن نبني أمورنا على أساس أن الحظر ربما يستمر عشر سنوات. يجب أن توضع الخطط والبرامج الاقتصادية على أساس الإمكانات الداخلية – كما لفتنا إلى ذلك مراراً – أي الاعتماد على القدرات والطاقات الوطنية. فليس من الصواب أن نعلق مسائلنا الاقتصادية على انتخابات الدولة الفلانية، وما يجري فيها من تطورات، بل يجب أن نرسم خططنا الاقتصادية بالاعتماد على قدراتنا وإمكاناتنا الذاتية والداخلية، بغض النظر عن نتائج الانتخابات في أي مكان. في الواقع إنه من الخطأ الإستراتيجي أن نرهن شؤوننا الاقتصادية بالتحولات والتغيرات الخارجية. لا يجب الاكتراث بالمسائل الخارجية. دعوهم يقرروا ما يشاؤون. من الممكن أن يتخذ هؤلاء في وقت ما قرارات جيدة، وربما اتخذوا قرارات سيئة أيضاً. إذا اتخذوا قراراً جيداً، سنسعى إلى الاستفادة منه، لكن لا يجوز أن نرهن برامجنا الاقتصادية بالقرارات التي سيتخذونها.
أهمية الفضاء الافتراضي، وضرورة إنشاء شبكة وطنية للمعلومات
من المسائل الأخرى الموجودة في البلاد هناك مسألة أريد أن أركز عليها هي مسألة الفضاء الافتراضي. فهذا الموضوع مهم جداً. مما لا شك فيه، كما يقول الإخوة أهل الاختصاص، أن الفضاء الافتراضي بات اليوم جزءاً أساسياً من حياة الناس. نحن نؤيد هذا الكلام، كما أن موضوع الحكومة الإلكترونية، وأمثال ذلك، له مكانه المحفوظ. لكن ما أريد أن أؤكده هو أن هذا الفضاء الافتراضي بات يُدار من الخارج بعيداً من سيطرتنا، وهنا محور البحث. فالفضاء الافتراضي ليس كالماء الزلال الذي يمكن للإنسان أن يستعمله كيفما شاء، وإنما هناك من يدير هذا الفضاء إلى الوجهة التي يريدها. عندما نعلم أن هناك من يدير هذا الفضاء الافتراضي من الخارج، ونحن جزء من المستخدمين له والمبتلين به، لا يمكننا أن نجلس مكتوفي الأيدي قبالته، وأن نترك شعبنا وأبناءنا الذين يستخدمون هذا الفضاء الافتراضي بين يدي أولئك الذين يديرون هذا الفضاء من خلف الستار. إن القوى المتسلطة على العالم فعّالة جداً في هذا المجال، سواء على صعيد صناعة الأخبار، أو نشرها، أو تحليل المعطيات والبيانات، والكثير من الأعمال الأخرى. لهذا، نؤكد كل هذا التأكيد لضرورة إنشاء الشبكة الوطنية للمعلومات. ونظراً إلى أهمية الموضوع، شكلنا المجلس الأعلى للفضاء الافتراضي، والمركز الوطني للفضاء الافتراضي، وأنا شخصياً كنت من المصرين وما زلت على تشكيل هذا المجلس، وأن يشارك فيه الرؤساء المحترمون، وأن يتخذوا القرارات اللازمة ويجروها، فلا يجوز إهمال هذا الموضوع. ما أراه هو أن هذا الموضوع لم يحظَ بالاهتمام اللازم. الشبكة الوطنية للمعلومات لها أجزاء، وهذه الأجزاء يجب أن تتحقق خلال برنامج زمني معين. لكن يرى الإنسان أن هذه الأجزاء لا تتحقق ومتأخرة عن البرنامج الزمني، كما هناك سياسات أساسية حول حزمة التردد (نطاق التردد) أُعلنت مراراً. تجب رعاية هذه السياسات، فهي مما نطلبه ونؤكده.
معرفة قدر الخدمة في نظام الجمهورية الإسلامية
هناك نقطة مهمة جداً، في رأيي، ليس لها علاقة بمسائل الاقتصاد، وأريد أن أطرحها بعنوانها النقطة الأخيرة. خطابي هذا ليس موجهاً إلى السلطة التنفيذية فقط، وإنما إلى جميع المسؤولين في البلاد، سواء في السلطة التنفيذية، أو السلطة القضائية، أو السلطة التشريعية، أو الأقسام والدوائر المختلفة التي تعمل إلى جانبها. أيها الأحبة: اعرفوا قدر الخدمة في هذا النظام الإسلامي، فالخدمة فيه لها قيمة عظيمة. طبعاً، الخدمة عموماً وفي أي مكان لها قيمتها، فأي مسلم يقدّم خدمة، في أي نقطة من هذا العالم، إلى فرد أو مجموعة من الناس، أو إلى البشرية جمعاء، عمله هذا له قيمة، وسيثيبه الله عليه ويعطيه الأجر. لكن الخدمة في الجمهورية الإسلامية لا تقتصر على هذا الجانب، بل لها بُعد آخر غاية في الأهمية، هو أن خدمتكم وحركتكم وعملكم (كلها) تساعد على إظهار وإبراز النموذج الذي يريد الإسلام أن يقدمه لبناء المجتمع وإدارته، وهذا الأمر مهم جداً.
إخفاق النموذج الرأسمالي ومنتجات الحضارة الغربية
إن الحضارة الغربية قدمت ما لديها من نماذج للإدارة، وبناء المجتمعات، وأنظمة الحكم. فالشيوعية، والاشتراكية بأنواعها وأقسامها المختلفة التي وجدت على أساسها عدد من الدول، والرأسمالية والليبرالية وأمثالها، كلها من منتجات الحضارة الغربية، وقد أثبتت اليوم إخفاقها في إدارة المجتمعات وحياة البشر. الشيوعية انتهى أمرها، وأما الرأسمالية، فهي تعيش اليوم في عقر دارها حالة من التمرد والاضطرابات التي تشاهدونها، وهي تدلّ بما للكلمة من معنى على الفشل والإخفاق. إن القيم الانسانية تنتهك في أميركا أكثر من أي مكان آخر. كان يفترض بهذه الأنظمة أن تحيي القيم، لكنها أقصت القيم الدينية، ولم تهتم بالقيم المعنوية، بل فقدت القدرة على الشعور بها. أما القيم الإنسانية التي تدركها كل عقول البشر، أي موضوع الأمن والسلامة والعدالة، فإنها تداس وتنتهك بصورة كاملة في هذا النموذج الغربي المتسلط أكثر من أي مكان آخر. إن الجرائم منتشرة في أميركا أكثر من أي مكان في العالم. هم أنفسهم من يقولون ذلك، وإحصاءاتهم تتحدث عن ذلك. إن التفاوت الطبقي في أميركا مروع، فهي بلاد غنية، لكن القسم الأعظم من ثروتها بيد عدد قليل من الأفراد. إن عدد الجائعين والفقراء والمشردين في أميركا يفوق أي مكان آخر في العالم. وفقاً لما صَرح به المتنافسون في الانتخابات الرئاسية – ما قالوه أخيراً ومن قبل – يوجد بين كل خمس أطفال أميركيين طفل جائع، وهذا لا نظير له في العالم.
درجة الانحطاط الفكري العالية لدى المتغرّبين الطوباويين
إن فقدان الأمن داخل المدن الأميركية لا مثيل له في العالم، أي في الواقع عندما يخرج شاب في أميركا إلى الشارع، إنه لا يأمن أن يسحب عليه شخص ما، مجنون أو ثمِل أو معقّد نفسياً، سلاحه، وأن يقتله وحيداً أو ضمن مجموعة. تلاحظون الإحصاءات التي تتحدث عن حجم الجرائم التي ترتكب في أميركا. إنها عجيبة وغريبة! أساساً المرء يحار من حجمها الكبير. الحديث عن مشكلات أميركا الداخلية ومشكلات النظام الإداري الرأسمالي يطول كثيراً، وله تفصيلاته، لكن إضافة إلى ما سبق، ما تفعله أميركا على مستوى العالم من قتل ونهب وإشعال للحروب وضرب للأمن هو من أعمالها المعتادة. دققوا النظر في ما يجري في سوريا وفلسطين واليمن، ستجدوا بصمات أميركا في كل هذه المواطن. اليوم في هذه البلدان، وأمس في العراق وأفغانستان، ولا تزال، وقبل ذلك في فيتنام، وقبلها في هيروشيما. إن الانسان يشاهد آثار جرائم أميركا والغرب – بصورة أساسية أميركا – في أنحاء العالم كله. كما يمكننا أن نفهم مدى انحطاطهم الفكري من انتخاباتهم. انظروا إلى الأشخاص الذين انتخبوهم وجاؤوا بهم إلى السلطة في أميركا، ويقدمونهم إلى العالم، وكيف أن العالم يرفضهم ويُحقرهم! هذه هي المدينة الفاضلة التي يحلم بها المتغرّبون، هذه هي المدينة الفاضلة التي كان المتغرّبون – سواء في بلادنا أو البلدان الأخرى – ينظرون إليها بعنوانها القدوة والمثل الأعلى. هذا هو واقع أميركا.
الإيمان والعلم والعدل هي العناصر الرئيسية في النموذج الإسلامي للحكم
إن للإسلام نموذجه المستقل والفريد. إن النموذج الإسلامي لبناء النظام والمجتمع يتشكل من عناصر أساسية ثلاثة هي: الإيمان والعلم والعدل. الإيمان بمعنى الاعتقاد بالتوحيد الخالص الذي يترك أثره في شخصية الإنسان، وفي بناء المجتمع وشكله العام، وله امتداده في التأثير في العمل الشخصي وشكل العمل الاجتماعي. المقصود بالعلم هنا معناه الواسع الذي يشمل العلوم الإلهية والعلوم الطبيعية التي يُظهر فيها الغرب فنونه، أي اكتشاف قوانين الطبيعة والسيطرة عليها، فهذه العلوم ممدوحة في الإسلام. ثم يعرج الإنسان من هذه المرحلة إلى مرحلة أرقى هي العلم بحقيقة ذاته، وبعالم الملكوت والعلوم الربانية. فالعلم شامل لكل هذه المسائل. كما يقصد بالعدل معناه الواسع الذي يشمل العدل الاقتصادي، والعدل الاجتماعي، والعدل في القضاء، أي العدل بمعناه الحقيقي. هذا ما علّمنا إياه الإمام.
طبعاً نحن لا نزال متأخرين في الأبعاد الثلاثة. لم يكن تحركنا تحركاً بالمستوى المطلوب. أما النموذج الذي نطمح إليه، فتمكن مشاهدته في الشعارات والتصريحات والتوجيهات والتحركات التي جرت في الجمهورية الإسلامية على مدى 41 عاماً من عمرها. كما تمكن مشاهدته في الشخصيات التي صنعتها الثورة، وخير مثال على ذلك شهداؤنا العظام، من أمثال: الشهيد (محمد) بهشتي، الشهيد رجائي، الشهيد باهنر، الشهيد (مرتضى) مطهري، وصولاً إلى الشهيد قاسم سليماني... هذا هو النموذج الإسلامي. أنتم تستطيعون بعملكم وأدائكم أن تجعلوا هذا النموذج جميلاً في أعين الناس، وأن تروجوا له وتبرزوه، كما يمكنكم العكس: أن تنفروا الناس منه. فالخدمة في الجمهورية الإسلامية هذه أبعادها، وليست مجرد عملية مساعدة نقدمها إلى شخص أو جمع من الناس وإلى البلاد. نحن في الحقيقة، بعملنا هذا، وبأدائنا، وبالخدمة التي نقدمها، إنما نظهر وجه الإسلام والنموذج الإسلامي. هذا النموذج له وجوده، شاء المستكبرون أم لم يشاؤوا. هذا النموذج أطل حديثاً على العالم، وهذا ما يخيفهم. سبب عدائهم لهذا النموذج هو أنه يرفض المباني الأساسية التي تقوم عليها أنظمتهم، فقادتهم ومنظروهم مبتلون بالانحراف على مستوى الفكر والسلوك في غالبية مسائل الحياة. ونموذج الجمهورية الإسلامية لا يقبل هذه الانحرافات، ويتبع خط الحق المستقيم في مقابل خط الباطل المنحرف؛ هذا سبب عداوتهم. هذا الحقد الدفين الذي تشاهدونه عند الأميركان وبعض الدول تجاه الجمهورية الإسلامية ليس سببه وجود زيد أو غياب عمر، والعمل الفلاني أو غيرها من الأمور، وإنما يعارضون الأساس الذي يقوم عليه النظام الإسلامي. طبعاً لديهم بعض الأعمال والمناورات التكتيكية. إذاً، إظهار هذا النموذج وتقديمه إلى العالم يقع على عاتق العاملين والمسؤولين في النظام.
وصايا مولى المتقين – عليه السلام – للمجتمع الإسلامي
أريد هنا أن أشير إلى وصية لأمير المؤمنين – عليه السلام – مهمة جداً في أيامنا. يقول في الخطبة الرابعة والثلاثين من نهج البلاغة: «غُلِب والله المتخاذلون». يقسم أمير المؤمنين هنا ليؤكد أن المؤمنين إذا لم يَنصر بعضُهم بعضاً، سيُهزمون. «التخاذل»، أي غياب التناصر، فلا هذا يساعد ذاك، ولا ذاك يساعد هذا. الأمير يقسم ويقول: «غُلِب والله المتخاذلون» موجهاً خطابه إلى أهل زمانه، لكن هذا الخطاب في الحقيقة موجه إلى كل البشرية. يجب على المؤمنين أن يساعد بعضهم بعضاً، وأن ينصر بعضهم بعضاً، وأن يدافع بعضهم عن بعض. تلاحظون كيف أن العدو يخطط دائماً ضدكم. فهذا التخطيط الدائم أمر واقع نراه جميعاً. ربما في بعض الأحيان يظنون أن خططهم غير مكشوفة، لكنها في الحقيقة مكشوفة، والإنسان يعرف ما الذي يريدون فعله. الآن قبالة خططهم هذه يجب عليكم أيضاً أن تخططوا، ولا يجوز أن تسكتوا، ولا يجوز أن تستسلموا أو أن تجلسوا مكتوفي الأيدي. فالعدو في حالة تخطيط دائم، وعلينا ألّا نستسلم أمام خططه. ثم يواصل أمير المؤمنين في الخطبة نفسها ويقول لقومه: «تُكادون ولا تَكيدون». أعداؤكم يرسمون الخطط للنيل منكم وأنتم جالسون لا تفعلون شيئاً لمواجهتهم. هذا الأمر لا يجوز في المجتمع الإسلامي؛ إن كانوا هم يكيدون لكم، أي يضعون الخطط ضدكم، يجب عليكم أيضاً أن تكيدوهم، وأن تعدّوا الخطط لمواجهتهم. نسأل الله لجميع الإخوة التوفيق.
التوجه بالشكر إلى مقيمي مجالس العزاء لرعايتهم ضوابط السلامة
أجد من اللازم هنا أن أتوجه بالشكر إلى مقيمي مجالس العزاء على مراعاتهم حتى الآن ضوابط السلامة العامة. طبعاً ربما يكون هناك من لم يراعِ هذه الضوابط، في بعض الأماكن هنا أو هناك، لذا، نحن ندعوهم إلى مراعاة هذه الضوابط. لكن عموماً الإخوة مقيمو المجالس وأهل المنابر المحترمون وقراء التعازي قد راعوا ضوابط السلامة العامة وتوصيات «الهيئة الوطنية لمكافحة كورونا» التي نجدد تأكيد أهمية التزامها. نسأل الله الأجر للجميع، وأن تشملهم عنايات سيد الشهداء – سلام الله عليه –، وإن شاء الله تكون هذه المجالس، وهذا الشوق، وهذا التفاعل الذي يبديه الناس، مقبولاً عند الله، وأئمة الهدى – عليهم السلام –. أجدد شكري لكل من ساهم ويساهم في مساعدة الناس على مواجهة «كورونا»، هذا الفيروس الخطير والخبيث والمتعدد الوجوه. نسأل الله التوفيق لهم جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: موقع KHAMENEI.IR
بتوقيت بيروت