الإمام الخامنئي بمناسبة عيد الأضحى
علاج الحظر في الاعتماد على القدرات الوطنية لا التراجع أمام أميركا
اكد قائد الثورة الإسلامية سماحة الامام السيد علي الخامنئي "أن علاج الحظر يكون بالاعتماد على القدرات الوطنية لا التراجع أمام أميركا، كما لفت سماحته إلى أن هدف الأميركيين الجانبي من الحظر هو قطع علاقة إيران بقوى المقاومة مشيراً إلى أنه يرفض التفاوض مع أميركا لأنها تنوي دفع الجمهورية الإسلامية للتخلي عن قدراتها الدفاعية وقوّتها الإقليمية..
ما يأتي النص الحرفي للكلمة المتلفزة التي القاها الامام الخامنئي في صبيحة يوم الجمعة ٣١/٧/٢٠٢٠ عيد الاضحى المبارك بحسب ما نشره موقع KHAMENEI.IR الإعلامي.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا ابي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين، ولا سيما بقية الله في الأرضين.
أبارك للشعب الإيراني العزيز، ولجميع المسلمين، ولأتباع الأديان الإبراهيمية، بعيد الأضحى المبارك الذي يمثل ذكرى عظيمة وتاريخية لكل أتباع الأديان الإبراهيمية في العالم.
العشرة الأولى من ذي الحجة هي عشرة الأحداث العظيمة والدروس و العبر والتضرع والإنابة إلى الله
إن ذكرى عيد الأضحى هي ذكرى عظيمة، فالعشرة الأولى من ذي الحجة هي في الحقيقة عشرة حافلة بالمناسبات. كل عشرة من ذي الحجة لها ما يميزها، العشرة الأولى هي عشرة الأحداث العظيمة والمهمة، والدروس، وهي عشرة التضرع والتوجه والإنابة إلى الله. تبدأ هذه الأحداث مع النبي موسى(عليه السلام)، وهو ما تشير إليه هذه الآية الكريمة: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}(1). جاء في التفاسير أن هذه الليالي الأربعين التي أمضاها نبي الله موسى في الميقات، أو جبل الطور، تبدأ من أول ليلة من ذي القعدة، وتستمر إلى ليلة عيد الأضحى. في البداية، كان من المقرر أن يبقى موسى – عليه السلام – ثلاثين ليلة، ثم بعدها أضيفت عشر ليالٍ هي نفسها الليالي العشر من ذي الحجة، وهذا الأمر يدل على مدى أهمية هذه الليالي.
إن المشاق التي تحمّلها النبي موسى – عليه السلام – خلال هذه الأحداث معروفة. كالجهود الكثيرة التي بذلها في مصر، والصدام مع فرعون، والمشكلات العجيبة التي واجهها بعد العودة من مدين إلى أن خرج من مصر – مع فرعون، وبني إسرائيل، وموضوع السحرة وغيرهم – وبعد المعجزة العظيمة التي وقعت بأن شقّ الله البحر لبني إسرائيل ثم أغرق عدوهم فرعون وجميع جنوده أمام أعينهم، كان من المفترض أن تُوجد كلها إيماناً راسخاً في بني إسرائيل، لكن لم يحدث هذا. في البداية، قالوا: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ}2، إذ كانوا يتوقون للشرك وعبادة الأصنام وأمثال ذلك، ثم بعدها جاءت مسألة العجل التي تعود في الظاهر إلى الأيام الأربعين نفسها، فعندما عاد هذا النبي العظيم من الميقات، وجد أن الأوضاع قد تغيرت، والأمة ارتدت عن دينها.
إنه لألم كبير لنبي من الأنبياء، أو داعٍ من الدعاة إلى الله، بعد أن يبذل كل هذه الجهود، ويهدي قوماً ما إلى صراط الله، ويلقنهم الإيمان، فإذا بهم يرتدون عن دينهم لأتفه الأسباب! ورد في القرآن: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}(3)؛ عندما رأى النبي وضع قومه، غضب غضباً شديداً، وانزعج، وأَسِف لذلك، وقد أشار القرآن إلى هذا الأمر على الأقل في موضعين، أحدهما في قوله – تعالى –: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى}(4)، والموضع الآخر في سورة الصف حيث قال – تعالى –: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ}(5)، وهذا يدل على أن إيذاء بني إسرائيل لنبي الله موسى كان كبيراً جداً. هذه الليالي العشر هي ذكرى لهذه الوقائع التاريخية المهمة، وتبين لنا كم أن الحركة على طريق الحق محفوفة بالصعاب حتى مع وجود معجزات مثل معجزات موسى، وكيف يجب علينا أن نواجه هذه الصعاب، وأن نصبر عليها. ثم مسألة يوم عرفة الذي هو يوم للدعاء والتوسل والتوجه، بل ذروة التوجه إلى الله، فقد نُقل عن الإمام الصادق – عليه السلام – في رواية أنه قال: كان أبي – أي الإمام الباقر (عليه السلام) – يصوم يوم عرفة رغم الجو الحار – لا شك أنه كان صياماً نذرياً – ويدعو، ويتضرع، ويبكي في هذا الجو الشديد الحرارة. كما أن دعاء الإمام الحسين – عليه السلام – في يوم عرفة من الأدعية المشهورة، وكذلك دعاء عرفة في الصحيفة السجادية هو من الأدعية الاستثنائية. نأمل من الله أن يكون شعبنا العزيز قد خرج أمس في يوم عرفة بحظ وافر من الفائدة، وأن يكون الله قد تقبل من الجميع أدعيتهم.
ثم يأتي دور عيد الأضحى، هذه الأضحية العجيبة المحيّرة التي لا مثيل لها في التاريخ. إذ يُؤمر النبي إبراهيم أن يذبح ابنه بيده – إنه أمر إلهي، وامتحان إلهي – ذلك الابن الذي حُرم إبراهيم وجوده لسنوات طويلة، ثم وهبه الله إياه في سن الشيخوخة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}(6)، ومن المعلوم كم يتعلق الإنسان في أيام الشيخوخة بأولاده. وعندما أصبح هذا الولد فتى شاباً، {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}(7)، جاء الأمر الإلهي لإبراهيم بأن يذبح ولده. فأجاب هذا الشاب: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}(8). لاحظوا: إنها أحداث عجيبة من تاريخ الدين، وتاريخ التديّن، وتاريخ الإيمان، وتاريخ الإسلام. نحن في تاريخنا، وتاريخ تديّننا اليوم، عشنا التجربة نفسها. يوجد لدينا آباء كبار في السن قدموا أبناءهم بأيديهم قرابين من أجل الأمر الإلهي، والشاب كان بكل شوق ورغبة وطواعية يقول: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}. هذه كانت ذكريات عيد الأضحى، فالعشر الأولى تنطوي على هكذا أحداث ودروس عظيمة وغنية بالمعاني.
العشرة الثانية والثالثة من ذي الحجة تُذكّر بأفضلية مقام الولاية
الأيام العشرة الثانية من ذي الحجة هي عشرة الولاية، ومسألة الغدير، إذ جاء في الرواية: «لم ينادَ بشيء كما نودي بالولاية»؛ إن مقام الولاية يفوق جميع الأحكام الإلهية، لأنه الضامن لجميع هذه الأحكام، وما حدث في غدير خم، ذلك الحدث المهم جداً، خير دليل على ذلك.
كذلك في العشرة الثالثة هناك أحداث مهمة، من جملتها، وربما أهمها، قصة المباهلة. هنا أيضاً المسألة هي مسألة التوحيد، أي أن النقاش بين النبي ومسيحيي ذلك الزمان، نصارى نجران، انتهى إلى المباهلة. كان النقاش حول حقيقة عيسى – عليه السلام – إذ كان النبي يقول إن عيسى هو عبد لله، ونبي من أنبيائه، أما هم، فكانوا يقولون شيئاً آخر، فكان الاتفاق على المباهلة، ثم اضطر هؤلاء إلى التراجع والانسحاب كما تعرفون القصة.
أسأل الله أن يكون هذا اليوم مباركاً عليكم، وأن تكونوا قد أمضيتم عشرة أيام مباركة، وأن تُمضوا العشرتين الأخريين من ذي الحجة في ما يرضي الله ويجلب السعادة إلى شعبنا العزيز.
سببُ حرماني لقاءَ الناس
من الأمور التي كنت أُسر لها ويتعلق بها قلبي على مدى السنوات الماضية لقاءُ الناس، أن أسمعهم، أن أتكلم إليهم، أن ألتقي بفئات الشعب المختلفة. هذا العدو الصغير والخطير في آن، أي فيروس كورونا، قد حرمنا هذه اللقاءات، كما سلبنا الكثير من الرغبات الأخرى. كان من المقرر، بسبب المنع من لقاء الناس، أن يكون لنا لقاء عبر الشاشة مع العاملين في حملات «وادي السلامة» و«العون الإيماني» وأمثالها من المبادرات. طبعاً هذا الأمر كان يستلزم أن يجتمع عدد منهم في مكان واحد. ثم قال الإخوة إنه وفق مقررات «الهيئة الوطنية لمكافحة كورونا» لا يُسمح باجتماع أكثر من عشرة أشخاص، ولهذا قررنا إلغاء ذلك اللقاء أيضاً، وتمّت الاستعاضة عنه بلقاء اليوم، بأن نتحدث إليكم، أيها الشعب العزيز، بشكل متلفز وعن بعد.
الإيثار مضرب المثل للشعب الإيراني، أمام الكوارث الطبيعية، وفي «الدفاع المقدس»، وفي الابتلاء العام الأخير
أود أن أطرح عدداً من المواضيع في هذا الإطار. الموضوع الأول هو موضوع الخدمات والأعمال العظيمة التي يقوم بها المجاهدون من أجل حفظ سلامة الناس، والتي يجب أن تتواصل إن شاء الله. يواجه العالم اليوم بلاء عاماً لا يقتصر على مكان دون غيره، فاليوم العالم بأسره والكرة الأرضية كلها مبتلاة بهذه الجائحة: بعض البلدان بنسبة كبيرة، وبعضها الآخر بنسبة أقل، وربما في كثير من المناطق يجري تقديم العون إلى المبتلين بهذا المرض بمبادرات فردية. في النهاية هناك مساعدات تقدم أكانت كثيرة أم قليلة، لكن لا أظن أن هناك بلداً مثل بلدنا إيران العزيزة فيه هذا العدد الكبير من المتطوعين لتقديم العون؛ لم أسمع، ولم تصل إلى يدي تقارير، تشير إلى مكان في العالم فيه كل هذا التحرك والدعم الشعبي، فهذا ما يتميز به شعبنا من الإيثار، سواء في مواجهة الكوارث الطبيعية كالسيول والزلازل وأمثالها، أو في البلايا غير الطبيعية مثل الحرب المفروضة. في سنوات «الدفاع المقدس» الثماني، الشعبُ بحركته العظيمة وإيثاره هو من ملأ الجبهات، وسطّر هذه الملحمة الكبيرة التي ستبقى خالدة في تاريخنا. اليوم أيضاً يتكرر المشهد نفسه في مواجهة «كورونا»، إذ تتقدم الفرق الطبية، من أطباء وممرضين وغيرهم من العاملين في هذا القطاع، الصفوفَ، ويبذلون الجهود والتضحيات. إن لسان الإنسان ليعجز عن تبيين أهمية الدور الذي يقومون عليه. ومن خلفهم جيش من المتطوعين نزلوا ساحات المواجهة، يقدمون العون في هذا الإطار، ويؤدون الأعمال التي يمكن تعلمها ولا تحتاج إلى متخصص، وقد حققوا إنجازات كبيرة. واليوم، مع عودة الانتشار الواسع للمرض، يجب تفعيل هذه الخدمات وهذا الدعم ثانية.
ضرورة الاستمرار في حملة «العون الإيماني» لمساعدة الناس المتضررين
من المسائل أيضاً مسألة حملة «العون الإيماني». هناك فئات من المجتمع لحقت بها أضرار كبيرة بسبب «كورونا». طبعاً غالبية الناس واجهت صعوبات على صعيد العمل والكسب والحياة، لكن هناك فئات كان تضررها أكثر من غيرها، وتعاني من صعوبات جدية وكثيرة. هؤلاء يجب تقديم العون إليهم، فمن يفعل ذلك؟ الناس. لا ينبغي أن نلقي حمل المسؤولية كله على كاهل الدولة. طبعاً هذه وظيفة مسؤولي الدولة بالدرجة الأولى، ويجب عليهم أداؤها، وهم يفعلون ذلك. نحن على اطلاع أنهم يعملون، لكن هذا لا يكفي، ويتوجب على عامة الشعب أن يساهموا في تقديم يد العون، كما فعلوا في حملة «العون الإيماني» التي انطلقت مع رمضان المبارك، وقدموا خلالها مساعدات قيّمة بما للكلمة من معنى. هذا الأمر يجب تفعيله مجدداً، فهو مصداق «السبق إلى الخيرات». لدينا في القرآن مواطن عدة بهذا المعنى، منها قوله – تعالى –: {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}9، وقوله: {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}10، وكذلك قوله – تعالى –: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}11، كما هناك مواطن جاءت بهذه الصيغة: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}12، فـالقرآن يدعونا بما للكلمة من معنى إلى التسابق في فعل الخير، ومد يد العون من منطلق الإيمان، أي يدعونا إلى أن نتحرك وأن نسبق الآخرين في ذلك. وهذا في رأيي عمل مهم. حتى بالنسبة إلى الطعام الذي يُعد في محرم، على يد بعض الهيئات، وبعض الناس المتمكنين، أو وفاء للنذور، يمكن أن نحوّله لدعم حملة «العون الإيماني»، ونقدمه إلى العائلات المحتاجة بصورة نظيفة ومنظمة وبعيدة عن خطر انتشار المرض. الثورية الحقيقية هي هذه، أي أن هذه الأعمال هي من المسائل الثورية بلا شك. فالثورية ليست بالكلام، وإنما بالعمل. ينبغي للإنسان أن يتحرّك بالعمل قبل اللسان. بكل تأكيد، الفعّالون في هذا المجال يقومون بعمل ثوري، وأعمالهم هذه ثورية. طبعاً من الممكن أحياناً أن يوجد أشخاص لا يملكون الاستعداد اللازم لأداء هذه الأعمال، أي أنه من الطبيعي ألا يكون لدى الجميع القدرة على فعل أعمال مهمة في هذا الإطار، لكن عندما يرون الآخرين يتحركون في الصفوف الأولى، ويعملون بكل شوق وحماسة، هم أيضاً سيتشجعون، وفي النهاية، سيجدون لهم مكاناً بين الصفوف، وينزلون إلى الساحة.
في أول شهرٍ من السنة الإيرانية الماضية، 1398 هـ. ش. (آذار/مارس 2019)، أثناء اجتياح السيول محافظةَ خوزستان، نزل الشهيدان قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس إلى الساحة، ووصلا طرفي الحدود ببعضهما بعضاً، أي أن الشهيد أبا مهدي المهندس كان يجلب ما تحتاجه خوزستان من إمكانات ولوازم من داخل العراق، من محافظة البصرة وغيرها من الأماكن، ويدخلها إلى إيران عبر الحدود. كان عملاً عظيماً جداً. فحضور هذين النجمين الساطعين في ساحات الجهاد دفع بكثيرين سواء داخل إيران أو العراق إلى التشجع والمساهمة في عمليات الإغاثة. طبعاً إن شعبنا قدم امتحاناً مشرفاً في هذا المجال، سواء في خوزستان أو باقي محافظات البلاد ومناطقها، فالجميع سارعوا للمشاركة والعمل.
ضرورة التعاون والجد وتركيز القوى قبالة الأعداء
إن العداء للشعب الإيراني اليوم كبير. وهذا يستوجب منا تعاوناً كبيراً قبالته، وأن نضاعف الجهود. فعندما يهجم العدو، يتوجب على الإنسان أن يُجمّع قواه، ويركّزها، ويعمل. هذه حالنا اليوم – سأشرح ذلك في ما بعد –، فالأعداء يعملون لإلحاق الأذى بشعبنا. وكما كان بنو إسرائيل يؤذون نبي الله موسى، أعداؤنا اليوم، الذين بعضهم من بني إسرائيل، يريدون أن يلحقوا الأذى بشعبنا التابع لنبي الله موسى، ونبي الله عيسى، وجميع الأنبياء. وعندما يريدون إيذاءنا، علينا أن نجمّع قوانا، ونركزها، وأن نجدّ، وأن نعمل، مثل أيام «الدفاع المقدس».
طبعاً من الأعمال المهمة التي يمكننا فعلها في هذه المرحلة العملُ العلمي، وأنا على معرفة بالجهود الجدية التي تُبذل في أكثر من قطاع في البلاد للتعرف إلى فيروس كورونا، وإيجاد طرق لإيقاف انتشاره ومعالجة المرض الذي يسببه. هناك الكثير من الأبحاث العلمية التي تنجز على هذا الصعيد، وهذه الأبحاث بحد ذاتها فيها بركة، أي أنها تفتح المجال أمامنا بصورة طبيعية على أعمال مهمة، تماماً كما حدث في مرحلة «الدفاع المقدس». على سبيل المثال الشهيد «حسن باقري» كان شاباً يعمل في صحيفة، أو مؤسسة ما، ويؤدي عملاً عادياً، لكن عندما التحق بالجبهة، و«الدفاع المقدس»، تحوّل إلى قائد ومخطط عسكري بارع ومميز، أي برزت المواهب التي كانت لديه. هنا أيضاً الوضع نفسه: من الممكن لبعض الأشخاص الذين يعملون في مجال البحث والتحقيق، عندما يدخلون ساحة المواجهة مع «كورونا»، أن يتحوّلوا إلى محققين كبار ومتميزين، وأن ينجزوا أعمالاً علمية عظيمة إن شاء الله. هذا في ما يتعلق بتقديم العون والخدمة.
الأهداف الأميركية من سياسة الحظر ضد إيران
المسألة الأخرى التي أريد أن أتطرق إليها هي مسألة الحظر. مما لا شك فيه أن الحظر الاقتصادي الذي يطبقه الأميركيون ضد إيران هو جريمة كبرى، جريمة كبرى يرتكبونها بحق الشعب. ربما بدا هذا الحظر في ظاهره يستهدف النظام في الجمهورية الإسلامية، لكن في الحقيقة والواقع هو جريمة كبرى ترتكب بحق جميع أبناء الشعب الإيراني. أريد في هذا الإطار أن أتحدث عن نقاط عدة. النقطة الأولى هدفهم من هذا الحظر، فلديهم هدف قصير الأمد، وهدف متوسط الأمد، وهدف بعيد الأمد، وهدف جانبي.
1)هدف الأميركيين القصير الأمد: إنهاك الشعب الإيراني
إن هدف الأميركيين القصير الأمد هو إنهاك الشعب الإيراني، وإيصاله إلى مرحلة اليأس والاضطراب، وذلك لدفعه إلى الوقوف في وجه نظام الحكم في بلاده، هذا هو هدفهم الأول. يريدون أن يضغطوا الناس حتى يُنهكوا ليدفعوهم بذلك إلى المواجهة مع النظام ومع الدولة. هذا هو هدفهم القصير الأمد، ولهذا تلاحظون كيف أنهم كرروا الحديث عن «الصيف الساخن» في هذه السنة، وفي السنتين الماضيتين. صيف ساخن، أي أن ينزل الناس إلى الشوارع ويقفوا في وجه النظام . لكنهم هم أنفسهم من ابتلوا بالصيف الساخن.
2)الهدف المتوسط الأمد: زرع العراقيل أمام تقدم البلاد
أما هدفهم المتوسط الأمد من تطبيق هذا الحظر، فهو منع إيران من التقدم، وبصورة أساسية في المجال العلمي. هذا الكلام هم من يقولونه، وليس من حدسي وتحليلي. هذا الكلام موجود في طيات تصريحاتهم – تصريحات مسؤوليهم، ومحلليهم السياسيين – وقد جرى على لسانهم. يهدف هذا الحظر إلى التضييق على إيران كي تتوقف قدرتها على التقدم ولا سيما على الصعيد العلمي. حتى أنهم صرحوا بأن عمليات استهداف العلماء النوويين الإيرانيين – شهداء البرنامج النووي وأمثالهم – إنما تهدف إلى منع إيران من التقدم العلمي. هذا هدفهم المتوسط الأمد.
3)الهدف الطويل الأمد: إفلاس الدولة، وانهيار الاقتصاد
أما هدف الأميركيين الطويل الأمد من الحظر، فهو جر البلاد والدولة إلى الإفلاس، أي تدمير اقتصاد البلد وانهياره. وبصورة طبيعية، عندما ينهار اقتصاد بلد ما، تصير قدرته على الاستمرار في الحياة غير ممكنة. هذا هو هدفهم النهائي، ويسعون جاهدين إلى تحقيقه.
4)الهدف الجانبي للحظر: قطع علاقة الجمهورية الإسلامية بقوى المقاومة
لديهم هدف جانبي أيضاً، إذ يريدون بالحظر أن يقطعوا علاقة الجمهورية الإسلامية بحركات وقوى المقاومة في المنطقة، لأنهم يعلمون جيداً أن الجمهورية الإسلامية تدعم هذه القوى والحركات، وتقدم إليها العون، ولهذا هم يريدون قطع هذه العلاقة. هذه هي الأهداف التي يسعى العدو إلى تحقيقها، لكن يجب أن نقول له: «إنه حلم إبليس بالجنة». کان العدو يطمح إلى تحقيق هذه الأهداف الثلاثة – القريب، والمتوسط، والبعيد – في آن، لكنه أخفق، بحمد الله.
إخفاق العدو في تحقيق الأهداف المرجوّة من الحظر
مما لا شك فيه أن الحظر تسبب في مشكلات. لكن ليست جميع المشكلات ناجمة عن الحظر، وإنما بعضها يعود إلى ضعفنا في الإدارة، وبعضها الآخر تسبب فيه موضوع «كورونا» أخيراً، وهناك مقدار يعود إلى الحظر. طبعاً هناك مشكلات، مثل الوضع المعيشي الصعب على الناس، الذي سأعود لاحقاً وأتحدث عنه، لكن ما كانوا يريدونه لم يحدث، ولن يحدث، ذلك الشيء الذي كان في أذهانهم لم يقع، ذاك الحلم الذي كان يراود هذا العدو الخبيث لم يتحقق. في الحقيقة هم أنفسهم من اعترفوا بأن أهدافهم وأحلامهم لم تتحقق؛ الأخبار التي تصل من أنحاء متعددة في العالم – من الغرب، من أميركا، من أوروبا –، والمحللون المشتغلون بالسياسة كلهم يعترفون ويقولون إن سياسة الضغوط القصوى التي تطبقها أميركا ضد إيران لم تأتِ بنتيجة، ولم تستطع تحقيق الأهداف المنشودة منها. هذه كانت النقطة الأولى. إذاً الحظر هو جريمة يُراد منها تحقيق هذه الأهداف، والعدو، بحمد الله، لم يصل إليها، ولن يصل.
عملية تحريف الحقائق بموازاة الحظر
النقطة الثانية: يوجد بموازاة الحظر الاقتصادي – أرجو الالتفات إلى هذا جيداً – عملية لتحريف الحقائق أيضاً، والعمل على قلبها، سواء الحقائق في بلادنا، أو الحقائق المرتبطة ببلادنا. هذا الأمر من ضمن ما يعملون عليه أيضاً. والهدف منه تنفيذ أمرين: الأول توجيه ضربة إلى معنويات الناس، والآن سأتحدث عن الطريقة التي سيوجهون بها ضربة إلى معنويات الناس، والثاني إرسال عناوين غير صائبة لإنهاء مشكلة الحظر. التحريف يجري ضمن هذه المجالات ولتحقيق هذين الهدفين. هناك أموال طائلة ينفقونها لتحريف هذه الحقائق. لاحظوا الآن كيف أن رئيسهم ووزراءهم مستميتون في السفر والتنقل من هنا إلى هناك، ويتكلمون ضد إيران، ويعقدون اللقاءات الصحافية، ويقحمون ذكر اسم إيران في كل قضية. في الحقيقة كل ما يفعلونه هو حملة لتحريف للحقائق.
إضعاف معنويات الناس والحركة والنشاط والأمل لديهم منذ بداية الثورة
أما المسألة الأولى، وهي سياسة إضعاف معنويات الناس والحركة والنشاط والأمل لديهم، فكانت موجودة منذ بداية الثورة. كانت هذه هي المنهجية الثابتة التي تبناها العدو، أن يحاول التأثير في الشعب الإيراني بالتلفزيونات والإذاعات الموجهة التي يديرها – طبعاً في ذلك الزمان كانت وسائل التواصل الاجتماعي محدودة، وليست على هذا النحو من التنوع الموجود اليوم – وبأن يُفهمهم أنكم تعيسون، وأوضاعكم سيئة، وأموركم قد انتهت، ولن يستطيع أحد أن يمدّ يد العون إليكم، وغيرها من الترهات. كان هدفهم منذ بدايات الثورة – طبعاً في الأيام الأولى كانوا لا يزالون في حالة الصدمة، لكن بعد أن عاد إليهم وعيهم شرعوا في حرب دعائية ضد البلاد – أن يقولوا للشعب الإيراني إنك بقطع علاقاتك مع أميركا، تلك العلاقات الاستعمارية التي كانت قائمة زمن نظام بهلوي، تكون قد حكمت على نفسك بالهلاك. هذا ما كانوا يسعون إليه آنذاك، واليوم الوضع هو نفسه، فهم يسعون بمئة وسيلة ولسان أيضاً إلى إظهار أن الأوضاع في إيران سيئة. وإن كان هناك نقطة قوة في البلاد، ينكرونها مطلقاً، أو يلزمون الصمت حيالها. هناك الكثير من الأعمال الجيدة التي تنجز في البلاد، لكن لا تُعكس في وسائل الإعلام الأجنبية أبداً. وأما إن كانت هناك نقطة ضعف، فيعرضونها مضخمة عشر مرات، وأحياناً مئة مرة. لماذا يفعلون ذلك؟ كي يضعفوا معنويات الناس، ويسلبوا الأمل منهم، ولا سيما فئة الشباب، لأن الشاب عندما يكون مفعماً بالأمل، يصير تحركه استثنائياً. فالشباب هم السباقون والرواد دائماً، وإذا سُلب الأمل منهم، يتوقفون عن الحركة، مثل السيارة التي ينتهي وقودها.
هذا هو هدف الأعداء: إنهم يريدون أن يزرعوا اليأس والإحباط في نفوس شبابنا، أن يسلبوهم الحركة والنشاط، وأن يفقدوهم دورهم الريادي والطليعي والسبّاق. هذا هو هدفهم، وسيترك أثره بالطبع في البعض. للأسف، لدينا في الداخل أشخاص يكررون كلام العدو عينه. ما إن يسمع الإنسان خبراً أو تصريحاً لأحد السياسيين المحسوبين على خط معين، حتى ينتشر، وتمتلئ به مواقع الإنترنت، أو تنقله وتسلط عليه الضوء إحدى الصحف المحلية. للأسف، يوجد لدينا من هذه الأمور في الداخل.
هزيمة الحظر تكون بهزيمة عملية التحريف على صعيد حرب الإرادات
في القسم الثاني، أي إرسال عناوين غير صائبة، يقولون على سبيل المثال: إن كنتم تريدون الخلاص من الحظر، فعليكم أن تتراجعوا أمام أميركا. خلاصة كلامهم في هذا الإطار هو أن عليكم أن تقدموا التنازلات قبالة أميركا، وأن تكفوا عن المقاومة. سأتحدث عن هذا الموضوع بتفصيل أكثر لاحقاً. هذا عن موضوع التحريف. طبعاً لا بد هنا من الإشارة إلى أنه نعم هناك البعض سيقع تحت تأثيرهم، وسيكرر كلامهم، سواء في تضخيم نقاط الضعف الموجودة في البلاد، أو تهميش نقاط القوة والتقدم وتحقيرها، أو على صعيد إرسال العناوين غير الصائبة. نعم، هذا الكلام سيؤثر في البعض، لكنه لن يؤثر في غالبية الشعب الإيراني، لأن أكثر شعبنا يعرف أميركا، ويعرف عدوه جيداً، ويعلم أنه يكذب، وأن كلامه مغرض. لذا إن عملية التحريف ستبوء بالفشل، لأن الحرب على هذا الصعيد هي حرب إرادات، وعندما تُلحق الهزيمة بعملية التحريف، ويحافظ الشعب الإيراني على قوة إرادته وثباته، يقيناً سيَقهر إرادة العدو، وسينتصر.
الاعتماد على الذات والطاقات الوطنية نتيجة الحظر
(في) النقطة الثالثة، قلنا إن الحظر الاقتصادي هو، بلا شك، إحدى الجرائم التي ارتكبتها أميركا، وبمكانة ضربة وجهتها إلى الشعب الإيراني، لكن الإيراني الذكي قد أحسن الاستفادة من هذه الهجمة، وهذه العداوة، وحقق ربحاً، أي أنه أدى أعمالاً وحقق إنجازات لم يتصورها العدو، وفقأ بذلك عينه. إن شعبنا، وشبابنا، ومسؤولينا، وعلماءنا، وجميع الفاعلين على الصعيد السياسي والاجتماعي لدينا، اتخذوا من هذا الحظر وسيلة لتعزيز الاعتماد على الذات والقدرات الوطنية. كما تعلمون، بموجب الحظر الأميركي الإضافي، منعت أميركا جميع الشركات والأفراد والدول في العالم من بيع إيران ما تحتاجه من لوازم، وعلى هذا، لن يمكننا الحصول على أمور كثيرة من الخارج، ما دفع بعض الشركات والأفراد في الداخل إلى التفكير في إنتاج كثيرٍ من هذه الموارد محلياً.
احتجنا مثلاً في القوات المسلحة إلى طائرة تدريب نفاثة. لم يبيعونا إياها بموجب الحظر، فماذا فعلنا؟ قمنا وصنعنا طائرة التدريب المتطورة «كوثر» في الداخل. لو كانوا يبيعوننا طائرات التدريب، ما كان لدينا الآن خط لإنتاج «كوثر» في الداخل. أو (مثلاً) الكثير من سياراتنا ومصانعنا احتاجت إلى قطع غيار متنوعة، والعدو قد منع تصديرها إلينا، ولم يسمح لنا باستيرادها. في البداية، قالوا لا نسمح بالقطع ذات الاستخدام المزدوج، أي التي تستخدم للأغراض المدنية والعسكرية، ثم بعد ذلك عمموا القرار على جميع أنواع القطع. هذا الأمر كان سبباً لنهضة على صعيد صناعة قطع الغيار في الداخل. اليوم، لحسن الحظ، بدأت في بلادنا نهضة في صناعة قطع الغيار من مختلف الأنواع، حتى بتنا قادرين على تصنيع القطع الحساسة جداً التي تحتاجها مختلف الأجهزة داخل البلاد. لو كانوا يبيعوننا هذه القطع، ما كان أحد قد فكر في تصنيعها محلياً. فأصحاب المصانع عندما كانوا يحتاجون إلى إحدى قطع الغيار، كانوا يذهبون ويشترونها من الخارج، لكن عندما يُمنعون من ذلك، يأتون إلى الجامعات ومراكز الأبحاث، ويطلبون منهم، وهؤلاء بدورهم يسعون إلى تصنيعها لهم. على هذا نحن استطعنا، بتوفيق من الله وبمدد منه، أن نستفيد من هذا الحظر في تطوير قدراتنا العلمية.
الإنجازات الاقتصادية والعسكرية والعلمية في البلاد دليل على فشل الحظر
(في) النقطة الرابعة، قلنا إن الحظر لم يؤثر، أي أنه لم يحقق للعدو أهدافه. ما الدليل على ذلك؟ الدليل هي هذه الإنجازات المهمة التي تحققت في البلاد رغم الحظر. مثلاً تم تأسيس آلاف الشركات العلمية الفنية في البلاد، وهذا عمل مهم، ويدل على أن الحركة العلمية والاقتصادية في البلاد مستمرة بقدرات أكبر. لم يكن لدينا هذه الآلاف من الشركات العلمية الفنية قبل هذا الحظر الشديد. أو مثلاً مصفاة «نجمة الخليج الفارسي» التي بنتها قوات «حرس الثورة»، إذ تعدّ عملاً عظيماً وكبيراً. لقد أُنجزت في زمن الحظر ورغم وجوده، وهذا ما أدهش العالم، أو (مثلاً) المنجزات الكبيرة التي تحققت على الصعيد العسكري، أو الأعمال الكبيرة جداً التي أُنجزت في منطقة بارس الجنوبية، وهي مناطق الغاز المهمة في البلاد، وهذه الأعمال أُنجزت خلال الحظر، أو المشاريع العظيمة التي نفذت لاستصلاح الأراضي في خوزستان وإيلام، وهي من الأعمال المهمة. أنا لا أعلم بحجم العمل الإعلامي المنجز لإطلاع الناس عليها. إنها أعمال كبيرة أنجزت لاستصلاح الأراضي التي تحتاج إلى تجفيف في إيلام وبصورة أساسية في خوزستان، فقد تم استصلاح الكثير من الأراضي، وبدأت عملية استثمارها. جميع هذه الأعمال أُنجزت خلال الحظر. أو (مثلاً) المشاريع المهمة التي نفذتها وزارة الطاقة وسبق وأشرت إليها، سواء على صعيد المشاريع المائية أو الكهربائية، وكذلك مشاريع وزارة النقل وغيرها من المشاريع، وفي النهاية منجزاتنا الدفاعية المدهشة حقاً. هم أنفسهم اعترفوا بأن إيران استطاعت خلال الحظر أن تنجز هكذا صناعات دفاعية.
فصل الاقتصاد عن الاعتماد على تصدير النفط الخام، من نتائج الحظر
من الأمور التي يمكن ضمها في رأيي إلى قائمة المنجزات السابقة موضوع التدرب على فصل اقتصاد البلاد عن النفط الخام. إنه عمل صعب جداً. منذ سنين وأنا أنبه دائماً الحكومات المتعاقبة إلى الاهتمام بهذا الموضوع، لم يتحقق تقدم كبير، لكن الآن سيحدث هذا على نحو طبيعي، لأن نفطنا اليوم لم يعد يباع كما في السابق، فالدول التي كانت تشتري منا النفط لم تعد قادرة على شراء حاجاتها من نفطنا بسبب الحظر. هذا الأمر دفع إلى التقليل من اعتماد اقتصاد البلاد على النفط، الذي كان مضراً جداً لنا. إن شاء الله، سيكون هذا بمكانة مزيد من التمرين لنا، لنستطيع مواصلة هذا الطريق في ما بعد. طبعاً أقصد بالنفط هنا النفط الخام، وإلا ليس لدي أي إشكال بالنسبة إلى النفط الذي يُصنّع في الداخل، ويكسب قيمة مضافة، ثم تصدر مشتقاته. ما أؤكده في حديثي هو النفط الخام. نأمل، إن شاء الله، أن يُنجز هذا الأمر بمضاعفة كل من الدولة والمجلس متابعتهما الموضوع، فهناك بدائل كثيرة في البلاد يمكنها أن تعوضنا عن النفط، وتحل مشكلة العجز في الميزانية.
الصمود مقابل أميركا هو العلاج للحظر
النقطة الخامسة تتمثل في هذا السؤال: هل هذا الحظر يمكن علاجه، أم لا؟ الجواب الأول: يمكن علاجه بكل تأكيد، والجواب الثاني: هذا العلاج لا يكون بالخضوع والتراجع أمام أميركا البتة. يروج البعض ويناقش بهذه الطريقة: إن أردتم أن توقفوا الطمع والغطرسة الأميركية، فعليكم التراجع. لا، يا أخي! لأنك عندما تتراجع أمام المعتدي الطامع، بصورة طبيعية، سيتقدم هو، فهذا أمر واضح وبديهي. إن أنتم تراجعتم وقبلتم مطالب أميركا، فإنها ستتقدم بمطالب جديدة. اليوم تطالبنا أميركا بالتخلي عن البرنامج النووية كلياً، وأن نخفّض قدراتنا الدفاعية إلى العُشر، أي أن نتخلى عن صواريخنا وقدراتنا الدفاعية التي نردع بها العدو، ونصبح بلا قدرات دفاعية، وأن نتخلى عن قدراتنا في المنطقة. نحن لدينا عمق استراتيجي في المنطقة، والكثير من الشعوب والدول تؤيدنا وتحبنا، ومستعدة لفعل كل ما يخدم أهدافنا. هذا ما تريده أميركا منا. فالتخلي عن هذه الأمور لن يدفع أميركا إلى التراجع. عندما تقبلون أن تخفّضوا قدراتكم الدفاعية، وأن تتخلوا عن قدرتكم في المنطقة، وأن تتخلوا كلياً عن البرنامج النووي الذي يعتبر حيوياً لبلادكم، لن تقنع أميركا بذلك، بل ستطالبكم بأشياء جديدة. لا يوجد عقل يحكم بأن تلبية مطالب المعتدي من شأنها أن تجبره على التوقف.
الطاقة النووية هي حاجة ضرورية لمستقبل البلاد
هناك، للأسف، من يقول متأثراً بكلام الأعداء: وما الفائدة التي سنجنيها من امتلاكنا الطاقة النووية؟ ممن يكتبون أحياناً بعض الأشياء في الصحف والمجلات وأمثالها. كنت قد قلت سابقاً: «الطاقة النووية هي حاجة ضرورية لمستقبل بلادنا»13. نحن بعد سنوات سنكون بحاجة إلى عشرين أو ثلاثين ألف ميغاواط من الكهرباء التي لا يمكن تأمينها إلا بالطاقة النووية. حسناً، عندئذ ماذا علينا أن نفعل؟ هل نذهب ونستجدي الآخرين، نستجدي أميركا وأوروبا ونطلب منهم أن يمدونا بالكهرباء النووية، أو أن يأتوا ليعلمونا كيف نخصب اليورانيوم؟ هل يقْدمون على هذا، في رأيكم؟ لذا، علينا أن نخطط من الآن للمستقبل. فهذه الحاجات ليست الحاجات التي يمكن تأمينها خلال ستة أشهر، أو سنة، أو سنتين، بل يجب أن نكون قد أعددنا لها من قبل، ونحن الآن قد أعددنا وهيأنا الأرضية اللازمة لها. مع أننا تضررنا كثيراً في هذا المجال، بسبب الاتفاق النووي، لكن، لحسن الحظ، لا يزال أصل العمل محفوظاً، وهناك أعمال كبيرة وجيدة تنجز الآن في هذا الإطار. هذا الأمر لا يرضي العدو. الوضع هو نفسه في ما يتعلق بالمسائل الدفاعية وبرنامجنا الصاروخي.
سبب رفض الجمهورية الإسلامية التفاوض مع أميركا
عندما يقول الأميركيون تعالوا لنتفاوض، هم يريدون التفاوض على هذه الأمور. أرجو من الجميع الالتفات إلى ما سأقوله! طبعاً أنا قلت هذا مراراً، واليوم أجد نفسي مضطراً إلى أن أعود وأقوله، لأن البعض إما لا يلتفتون، وإما يظهرون أنهم لم يلتفتوا: عندما يقول العدو تعالوا لنتفاوض، هو يقصد أن تأتوا وتجلسوا إلى طاولة المفاوضات، وأن يقول لكم يجب ألا تصنعوا صواريخ، وأنتم عليكم أن تقبلوا، فإذا قبلتم ذلك، أهلكتم أنفسكم، لأنكم أصبحتم بلا دفاع، وأما إذا لم تقبلوا، فستعود الحال إلى ما كانت عليه: الصراع نفسه، والحظر نفسه، والتهديد نفسه... هذا هو واقع المفاوضات؛ السبب الذي يدفعني أن أقول: لا تفاوض مع أميركا، هو أن هذه المفاوضات عقيمة ولا فائدة منها. طبعاً هناك فائدة لكن له هو، لذلك المسكين، لذلك الرجل العجوز الذي على رأس السلطة في أميركا الآن، كأنه حقّق بعض المكاسب الدعائية في مفاوضاته مع كوريا الشمالية، ولهذا يريد الآن أن يكرر التجربة عينها ليستفيد منها في الانتخابات، أو ربما غير الانتخابات. في النهاية هو يبحث عن مصالحه الشخصية. لكن بغض النظر عن هذا النظام السياسي في أميركا يطالب بمسائل مصيرية بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، أي يقولون: تخلوا عن قدراتكم الدفاعية، تخلوا عن قدرتكم في المنطقة، تخلوا عن قدراتكم الوطنية. وهذا ما لا يمكن قبوله؛ الإنسان الشريف والحريص على حفظ مصالح بلاده لا يقبل هذا الكلام. هذه هي حقيقة المفاوضات. عندما أعرب عن معارضتي للمفاوضات، فلهذا السبب، وإلا فنحن مستعدون للتفاوض مع كل دول العالم باستثناء أميركا والكيان الصهيوني المصطنع. لدينا تواصل مع الجميع، نتفاوض معهم، نجلس على الطاولة نفسها. ليس لدينا مشكلة. هذا فيما يخصّ أميركا.
ضرورة الاعتماد على القدرات الوطنية، واتباع الاقتصاد المقاوم، مع الإدارة الجهادية
إذاً، الحظر يمكن أن يعالج بكل تأكيد، لكن علاجه لا يكون بالتراجع. فما علاجه؟ علاج الحظر لا يكون إلا بالاعتماد على القدرات الوطنية فقط. يجب أن نحافظ على ما لدينا من قدرات، وأن نفتش عن قدرات جديدة – لدينا بكل تأكيد قدرات كثيرة – وأن نعتمد عليها، وأن نحييها. علينا أن نزج شبابنا في الساحات، وأن نتبع أسس الاقتصاد المقاوم ومبانيه، أي التركيز على الإنتاج الداخلي إلى جانب الانفتاح على الخارج. فنحن لدينا طاقات في الداخل، كما لدينا قدرات دولية. نستطيع أن ننتج أشياء كثيرة بالاعتماد على قدراتنا الوطنية، على الصعيد العلمي والاقتصادي وغيره، كما نستطيع أن ننشط على الصعيد الدولي والعالمي. لدينا أصدقاء جيدون، ونستطيع أن نعمل معهم. نحن بحاجة إلى الجد والجهاد. في الاقتصاد المقاوم نحن بحاجة إلى تفعيل الإنتاج الداخلي، وفي الوقت نفسه التوجه نحو الخارج، ولدينا على كلا الصعيدين قدرات كثيرة يمكننا أن نحسن استثمارها. لدينا في الحقيقة طاقات لا حد لها، وكلما تقدمنا إلى الأمام، ستظهر طاقات وقابليات جديدة علينا أن نكسبها عبر الإدارة الجهادية والتدبير الواقعي.
لدينا أصدقاء مؤثرون في العالم. طبعاً هذا لا يعني أننا نريد أن نعتمد على الدول الصديقة لنا، وإنما اعتمادنا في الدرجة الأولى على الله، ثم على أنفسنا. حتى إن لم يكن لدينا هكذا أصدقاء مقتدرون، كنا سنعتمد على أنفسنا، ونتقدم.
في مرحلة «الدفاع المقدس»، كان كل من الشرق والغرب مخالفاً لنا، فالاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت كان ضدنا وعدواً لنا، كما أن كلاً من أميركا وأوروبا كانتا ضدنا أيضاً. لقد استطعنا أن نقاوم ثماني سنوات دون الحاجة إلى هؤلاء، وتمكنّا من هزيمة عدونا، وأجبرنا صدام (حسين) على الخضوع، ومرّغنا أنفه في التراب، ولم نعتمد إلا على الله، وعلى أنفسنا، لكننا، مع هذا، سنعمل على الاستفادة من الإمكانات المتوفرة عند أصدقائنا بأقصى حد، إن شاء الله.
عداوات الخارج وخيانات الداخل بالنسبة إلى الاكتفاء الذاتي
عليكم أن تعلموا أيضاً أن الاعتماد على القدرات الذاتية والوطنية له أعداؤه الموجودون في الخارج والداخل. مثلاً عندما يستورد شخص من الخارج سلعة تنتج في الداخل، حصراً من أجل أن يحقق عبر استيرادها بعض الأرباح القليلة، ثم يطرحها في السوق، وينافس بها، ويتسبب في الضرر للصناعة الوطنية، هذا الشخص، اسمحوا لي أن أقول لكم، هو خائن. للأسف، رغم تأكيدي المتكرر، لا يزال يُشاهد في بعض الموارد أن هناك سلعاً تنتج في الداخل، وبجودة جيدة، ومع هذا، يذهب البعض ويستوردها من الخارج، ملحقاً الضرر بأصحاب المصانع الذين وضعوا رؤوس أموالهم في هذه المصانع، وتعبوا، وأنتجوا، واليوم بضاعتهم بقيت مكدسة عندهم. علينا أن ننتبه، فهكذا مخالفات وهكذا أعداء موجودون في الداخل.
هذا النوع من العداء لاستقلال البلاد الاقتصادي كان موجوداً منذ القدم، قبل 150 أو 160 عاماً، فقد كان أمير كبير يسعى إلى تحرير قدرات البلاد وجعلها مستقلة اقتصادياً، لكن السفارة البريطانية استطاعت بخبثها ونذالتها أن تقنع ناصر الدين شاه بإقالة أمير كبير من منصب الصدر الأعظم، ثم بعد ذلك تمت تصفيته وقتله، فالإنجليز هم من قاموا على ذلك. الأمر نفسه ينطبق على موضوع تأميم النفط، فما إن نهض الشعب الإيراني ووقف على رجليه، حتى اختلق الأميركيون والبريطانيون انقلاب 1953. اليوم، بعد الثورة الإسلامية، من الواضح موقفهم وعداؤهم في مختلف المسائل. علينا أن ننتبه، فهذا الأمر له أعداؤه الجديون والرئيسيون.
وعود أوروبا الفارغة بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي
لا تنبغي لنا الثقة بالوعود التي يطلقها هذا وذاك، قلت هذا مراراً، واليوم أعود وأكرر: لاحظوا، في أوائل 2018 – أي قبل سنتين من الآن – عندما انسحب الأميركيون من الاتفاق النووي، كنا نكرر الكلام ونقول: على أوروبا أن تفعل كذا وكذا، والأوروبيون بدورهم كانوا يقولون حسناً، اصبروا ثلاثة أشهر فقط، ثم أربعة أشهر، ثم خمسة، ثم ستة، وبهذه الطريقة أخّرونا، وجعلوا اقتصادنا مرتهناً وتابعاً لهم، وتعطل عمل مستثمرينا وتجارنا ومصدرينا والقوى الاقتصادية الفعالة في البلاد وهم ينتظرون أوروبا لتفي بوعودها! هذا الوضع مضر لاقتصاد البلاد. لا تنبغي الثقة بوعود هؤلاء والبناء عليها، فهم يتخلون عن وعودهم. لا ينبغي رهن البلاد والانتظار على أمل وعود هذا وذاك. علينا أن نعتمد على أنفسنا وننجز أعمالنا بأنفسنا. الأوروبيون لم يفعلوا شيئاً. آخر ابتكاراتهم كانت تلك اللعبة التي أسموها آلية «إينستكس»14 التي هي نفسها لم تُفعّل حتى الآن أيضاً. خلاصة هذه الآلية هو أن تحوّل إيران مستحقاتها المالية لدى الآخرين إلى أوروبا – مثلاً فرنسا أو بريطانيا – وهم بدورهم يشترون لإيران بهذه الأموال ما يرونه في مصلحتها من السلع ويرسلونها إليها. هذه هي حقيقة آلية «إينستكس»، وهي بحد ذاتها مضرة، ومن الخطأ الاعتماد عليها. طبعاً إلى الآن لم يعملوا بها أو يفعّلوها. علاج الحظر يكون بتفعيل القدرات والطاقات الوطنية، وهذا بالطبع يحتاج إلى الجد والاجتهاد والسعي الدؤوب.
بعض النقاط حول المسائل الاقتصادية:
1– ضرورة علاج موضوع الغلاء وضبط الأسعار
أريد أن أتحدث قليلاً عن الوضع الاقتصادي في البلاد. بلا شك، إن البلاد تعاني من مشكلات على صعيد المعيشة العامة، أي أن الأسر تعاني على نحو جدي، والناس يواجهون صعوبات. فالغلاء وأمثاله من المشكلات موجودة، ويجب علينا أن نبحث عن حلول لها. بكل تأكيد، يجب فعل عمل ما. نحن، من جهتنا، أكدنا للمسؤولين في اجتماعاتنا الخاصة، وقلنا لهم مباشرة، أو عبر الرسائل، وتحدثنا مع رئيس الجمهورية وبعض المسؤولين الآخرين عن بعد، وأرسلنا إليهم الرسائل، بضرورة أن يتخذوا خطوة معيّنة. هنا أريد أن أعيد القول، وأجدد التأكيد: إن على الأجهزة المسؤولة أن تلتفت إلى هذه الناحية، وهي أن لدينا في الإطار المتعلق بالمشكلات الاقتصادية قسماً فورياً وعاجلاً من المشكلات، وقسماً من المسائل الطويلة أو المتوسطة الأمد.
من القضايا العاجلة والملحة التي تتطلب علاجاً سريعاً مسألة ضبط الأسعار. يعتقد المتخصصون في الشؤون الاقتصادية في البلاد أن هذا الأمر ممكن، أي أن أشخاصاً من أهل الخبرة الإدارية في مجال الاقتصاد يقولون إن هناك إمكانية لضبط الأسعار. طبعاً، أحياناً قد ترتفع الأسعار بسبب قلة السلع. لكن عندما لا يكون هناك نقص في المنتج، والسلع موجودة، وبكميات كبيرة، لكن يخزنونها في المستودعات، ولا يطرحونها في الأسواق، فهؤلاء تجب محاسبتهم، أي يجب على الأجهزة المختصة في البلاد – السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية – أن يتدخلوا، وأن يحافظوا على ثبات السوق واستقراره. فهذا التبدل في الأسعار كل يوم يضر بالبلاد.
2– ضرورة الحفاظ على قيمة العملة الوطنية
ثم موضوع الحفاظ على قيمة العملة الوطنية، فهذا الارتفاع اليومي وغير المنضبط لقيمة العملة الأجنبية أمر غاية في السوء، وهو من جملة المسائل العاجلة التي يجب على المسؤولين أن يضعوا لها حلولاً. طبعاً أنا على اطلاع على أن المصرف المركزي يبذل جهوداً كبيرة على هذا الصعيد، وإن شاء الله، سيوفق في ذلك. كما توجد تقارير وصلتني من مصادر موثوقة بأن هذا الموضوع له أسباب أمنية وسياسية أكثر من الأسباب الاقتصادية – طبعاً هذا لا يعني أنه لا توجد أسباب الاقتصادية، لكن الأسباب الرئيسية أمنية وسياسية –. حسناً، إنْ كان الأمر كذلك، تجب مواجهة الأشخاص الذين يضرمون هذه النيران بصرامة.
3– ضرورة زج النقد المتراكم في عملية الإنتاج
من المسائل الضرورية الأخرى، التي يقول أهل الاختصاص إنه يمكن إجراؤها، مسألة زج النقد المتراكم في عملية الإنتاج. طبعاً كنت قد تحدثت عن هذا الموضوع في صلاة عيد الفطر قبل سنتين، وقلت إن تراكم النقد يشكل خطراً كبيراً على اقتصاد البلاد15، لكن هذا الخطر نفسه يمكن تحويله إلى ربح ومنفعة، إن استطعنا أن نحوّل هذا النقد المتراكم، بالإدارة الصحيحة، إلى إنتاج. يقول لنا أهل الاختصاص إن هذا الأمر ممكن، ويمكن فعله. الأمر يحتاج إلى خطط ومتابعة فقط، فينبغي، إن شاء الله، العمل على إنجاز ذلك.
4– ضرورة التعرف إلى العوائق التي تمنع تحقيق الطفرة في الإنتاج، ومعالجتها
من المواضيع الأخرى موضوع العوائق الموجودة أمام الطفرة في الانتاج. لقد حددنا هذه السنة لتكون سنة تحقيق «الطفرة في الانتاج» وهناك عوائق موجودة على طريق ذلك. لقد قُدّم إلي اقتراح سأطرحه الآن أمامكم، وعلى رؤساء السلطات الثلاث أن يتابعوه ويدرسوه. اقتُرح عليّ تشكيل فريق عمل خاص يُعيّنه رؤساء السلطات الثلاث، ويبحث بالنيابة عنهم في الموانع التي تقف أمام الطفرة في الانتاج، ويعمل على معالجتها. نأمل من السادة أن يدرسوا هذا المقترح في اجتماعاتهم، وأن يصلوا حوله إلى نتيجة، وأن يتابعوا هذا الأمر بجدية، وما العوامل التي تمنع تحقيق الطفرة في الانتاج. ربما يكون الإسراف في الاستيراد أحد هذه الموانع، فهو أمر مهم جداً.
5– ضرورة إصلاح هيكل الميزانية والنظام المصرفي، وزيادة الاستثمار وفرص العمل، وتحسين بيئة العمل
هذه الأعمال من الأمور العاجلة والفورية التي يجب أن يكون لها أولوية في الإنجاز، ويجب على جميع الأجهزة في البلاد – أجهزة الدولة، أو الأجهزة الخاصة، أو شبه الخاصة – أن تتعاون بينها لتحقيق ذلك. أما الإصلاحات الرئيسية التي يجب عملها، فهي نفسها التي كنا قد أبلغنا بها المجلس الاقتصادي لرؤساء السلطات الثلاث في أحد اجتماعاته قبل سنتين. إحداها إصلاح هيكل الميزانية، فهو من المسائل المهمة. والأمر الآخر إصلاح النظام المصرفي، ثم زيادة الاستثمارات وفرص العمل. طبعاً المؤسف أن مسألة الاستثمار في البلاد تعاني من ضعف في الأساس ومنذ سنوات، ولم يتم فعل ما يلزم على هذا الصعيد. كانت هذه المشكلة موجودة في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات، فيجب تعويض ذلك. هذا الأمر من الأعمال الطويلة الأمد. من الإصلاحات أيضاً تحسين بيئة العمل وأجواءه. طبعاً نحن طالبنا بهذه الأمور، والسادة يبذلون جهودهم. لم يتحقق تقدم كبير، لكن المهم أننا نعلم ماذا نريد، وما هي ضالتنا، والبرامج اللازمة لذلك. هذه الأعمال يجب أن تنجز. هذه كانت جملة من القضايا التي تخص الشأن الاقتصادي.
الحاجة إلى الصبر وثبات القدم
أريد هنا أن أتحدث قليلاً عن المستقبل. نحتاج، في رأيي، من أجل تأمين مستقبل البلاد، إلى الصبر والثبات. يجب أن تثبُت أقدامنا؛ {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا}16. أحد الأمور التي طُلبت في هذا الدعاء ثبات الأقدام. الصبر وثبات القدم أمران ضروريان. طبعاً، لحسن الحظ أن شعبنا صبور. نحن جربناه، ونعلم أنه يتمتع بدرجة جيدة من الثبات، بفضل إيمانه بدينه، وثقته بنظام الجمهورية الإسلامية في بلاده. على المسؤولين أيضاً أن يثبتوا صبرهم وثباتهم عبر العمل الجهادي. في رأيي إن العمل الجهادي ضروري جداً، وأي نوع من التردد، أو القلق، وهل يمكن، أو لا يمكن، هل نُقدم، أم لا نُقدم، كلها أمور مضرة جداً. على المسؤولين أن يلتفتوا إلى هذه الأمور جيداً.
المشكلات الكبيرة والعجيبة التي تواجه المجتمع الأميركي
يجب الانتباه إلى أن المشكلات الكبيرة التي يعاني منها عدونا الرئيسي – النظام الأميركي – لا تمكن مقارنتها بمشكلاتنا، لأنها أكبر بعشرة أضعاف من مشكلاتنا، أي أن أميركا تحاصرها اليوم الكثير من المشكلات: الازدياد العجيب في حدة التفاوت الطبقي، مشكلة التمييز العنصري التي برزت أخيراً وتُظهر نفسها يوماً بعد يوم، والتي جعلت الجميع يقفون مقابل النظام الأميركي، المشكلات الاقتصادية غير القابلة للحل، عندما يُقال اليوم أن لديهم 45 مليون عاطل عن العمل فهذا أمر عجيب جداً وفي غاية الأهمية، ثم وجود مشكلات إدارية ظهرت من موضوع «كورونا»، سلوك الشرطة القاسي في قمع المتظاهرين. أي أن الادارة المجتمعية في هذا البلد تعاني من خلل، لدرجة أنه لا يمكنها أن تمنع شرطياً من قتل شخص بشكل وحشي وتحت التعذيب، وفي الشارع، وأمام مرأى من جميع الناس. هذا يكشف عن خلل إداري كبير. هذه الأمور جعلت أميركا منبوذة في العالم، وجعلت النار تشتعل تحت الرماد. من الممكن لهم قمع هذه المظاهرات التي نشاهدها اليوم في شوارع الولايات الأميركية، وأن يطفئوا هذه النار مؤقتاً، لكن النار ستبقى تحت الرماد، ولن تنطفئ، وستشتعل وستقضي على هذا النظام الحالي الحاكم في أميركا. علة ذلك هو أن هذا النظام نظام خاطئ، ويقوم على فلسفة اقتصادية وسياسية خطأ، لكن هذه الأخطاء لا تظهر في عشر سنين أو عشرين سنة، وإنما على المدى البعيد، واليوم ها هي تُظهر نفسها، والخلاصة أن الإدارة في أميركا مصابة اليوم بدوار في الرأس. طبعاً كنت قد قلت: هم يتحدثون عنا بتكرار هنا وهناك، لكن هذا ظاهر المسألة. هم يريدون في الحقيقة، بهذا الكلام، أن يحفظوا هيبتهم، أو أن يقولوا: نحن هنا، وإلا فإن جميع هؤلاء غارقون في مشكلاتهم الداخلية، ويشعرون بالقلق تجاه مستقبلهم.
الشعب الأميركي هو أكبر عدو للنظام الأميركي
في اعتقادي إن الأميركيين يبحثون اليوم عن عدو، تارة يذكرون اسم إيران، وأخرى اسم الصين، وتارة اسم روسيا. يريدون أن يصنعوا لهم عدواً. في اعتقادي، ليس للنظام الأميركي عدو أكبر من شعبه. اليوم أكبر عدو للنظام الأميركي هو الشعب الأميركي نفسه، فلا يبحث عن عدو آخر. هذا العدو هو من سيُركّع هذا النظام. وأما مشكلة أميركا معنا، فهي أنها لا تستطيع أن تقضي علينا، ولا تستطيع أن تجبرنا على الاستسلام، فهي تسعى إلى أن تجبرنا على الاستسلام لرغباتها، أو القضاء علينا وإزالتنا من الوجود، ولن تستطيع تحقيق أي منهما، ولهذا هي منزعجة وغاضبة. بناء على هذا نحتاج في هذه المرحلة، في اعتقادي إلى الصبر والثبات والصمود، والعمل الجهادي الذي هو تكليفنا، إن شاء الله.
حسناً حكومتنا الفعلية تعيش اليوم المرحلة الأخيرة من مسؤولياتها، وقد قامت خلال هذه السنوات السبع على أعمال، وبذلت ما تستطيع من جهود، ثم ستأتي بعدها، إن شاء الله، حكومة جديدة، ونأمل أن توفق لمتابعة الأعمال بجدية أكبر. في الحقيقة بعضُ القطاعات في الحكومة الفعلية أبلت بلاء حسناً خلال هذه المدة، طبعاً لا يمكننا أن نقول إن جميع القطاعات كانت كذلك، لكن بعضها في الحقيقة أنجز أعمالاً جيدة. بناء على هذا، وبحول الله وقوته، سنواصل عملنا، ونتقدم على هذا الطريق، وسيكون النصر حليف الشعب الإيراني.
ضرورة مراعاة الضوابط التي تحددها «الهيئة الوطنية لمكافحة كورونا» في مجالس العزاء في محرم
أريد هنا أن أتحدث بصورة موجزة حول محرم. هناك الكثير من النقاش المثار حول محرم منذ مدة، وكل شخص يعبر عن رأيه في هذا الإطار. في النهاية، سيقيمون مجالس العزاء بشكل من الأشكال، لكن ما أريد تأكيده هو رعاية الضوابط التي يحددها لنا اختصاصيو الصحة، أي «الهيئة الوطنية لمكافحة كورونا». أنا شخصياً سأراعي كل ما يُلزمونني إياه. وصيتي إلى جميع الأشخاص الذين يريدون المشاركة في مجالس العزاء – الهيئات، الإخوة السادة أهل المنبر، أصحاب المجالس، قرّاء المدائح والمراثي، وغيرهم – هو: عليكم أولاً أن تنظروا ماذا يقول السادة في «الهيئة الوطنية لمكافحة كورونا»، فجميعنا مكلفون رعايةَ معايير السلامة التي يحددونها لمجالس العزاء. المسألة ليست صغيرة، بل غاية في الأهمية. الآن يوجد مقدار من المراقبة والسيطرة، لكن، لا قدر الله، إن تعاملنا مع الموضوع بتراخٍ، وخرجت الأمور عن السيطرة، عندئذ سنكون أمام فاجعة ومصيبة لا نهاية لها.
أسأل الله – تعالى – أن يساعدنا، وأن يأخذ بقية الله – أرواحنا فداه – بأيدينا، وأن يكون بعوننا – كما كان دائماً – وأن تدعو لنا الروح الطاهرة لإمامنا الراحل – رضوان الله عليه – وجميع الأرواح الطيبة للشهداء، وأن يسألوا الله التوفيق لشعب إيران.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
بتوقيت بيروت