التقى صباح يوم الأربعاء ٢٧/١١/٢٠١٩ الآلاف من التعبويّين بقائد الثورة الإسلامية في حسينية الإمام الخميني حيث علّق إليه الإمام الخامنئي على الأحداث التي شهدتها الجمهورية الإسلامية مؤخراً بأنها كانت مؤامرة مدبّرة أُنفقت عليها أموال طائلة لكنّها أُحبطت بفضل الحراك الشعبي الذي كان دوره أهم من دور القوى الأمنية والحرس والتعبئة.
كلمة الإمام الخامنئي في لقائه بحشد من التعبويين
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيّما بقية الله في الأرضين.
أرحب بكم أيها الشباب والتعبويون الأعزاء! يا قرة عين الإيرانيين وآمال المستقبل. أعاد الله علينا وعليكم وعلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء أسبوع التعبئة بالخير والبركة. أتقدم بالشكر إلى قائد الحرس الثوري ورئيس منظمة "تعبئة المستضعفين" على التصريحات التي بدرت منهما. أجد من المناسب أن يتم تدوين التحليل الذي قدمه قائد الحرس الثوري السيد سلامي كي يوضع بمتناول الشباب كونه صرّح بتصريحات جيدة جدّاً.
يتمحور جلّ كلامي اليوم حول التعبئة، لكن أجده لزاماً عليّ قبل الخوض في هذا الحديث، أن أتقدم بآيات الإجلال والإكبار للشعب الإيراني العظيم بعد الحراك المجيد الذي أطلقه في الأيام القليلة الماضية (2). لقد أثبت الشعب الإيرانيّ مرة أخرى أنه شعب قويٌّ وعظيمٌ وأنا أصرّ على أن يدرك كل إيرانيّ هذا الأمر جيداً. لقد شهدنا مؤامرة كبيرة فائقة الخطورة أُنفق لأجلها الكثير من الأموال - وكم أنفقوا من أموالٍ طائلة- وبذلوا كل ما في وسعهم كي يتسنّى لهم القیام - في الزمان والمكان المناسبين - بأعمال التخريب والقتل والحرق والأذى. عندما استجدّ موضوع ارتفاع أسعار الوقود وجدوا الفرصة سانحة لتنفيذ مؤامرتهم، فدفعوا بعصاباتهم إلى الساحة. لكن الشعب قضى على هذه الحركة. بالطبع نزلت قوات الشرطة، التعبئة، الحرس الثوري وآخرون إلى الساحة وأدّوا عملهم وواجبهم في المواجهة الصعبة التي حصلت. إنما ما قام به الشعب خلال الأسبوع الأخير كان أرقى وأهم بكثير من أي عملٍ ميداني. أعني هنا المبادرة التي انطلقت من زنجان وتبريز وانتقلت إلى سائر المدن والتي سمعت أيضاً أنها امتدّت لتصل إلى بعض القرى حتى تُوّجت في النهاية بهذا الحراك العظيم الذي حصل في طهران منذ يومين.
أما بالنسبة للعدو والحديث هنا ليس عن هؤلاء الصغار الحقراء ضعاف النفوس، بل عن العدو الأساسي أي قوى الاستكبار العالمي والصهيونية العالميّة. أولئك القابعون خلف شاشات وسائل الإعلام السياسية وهم يراقبون العالم، يدركون معنى هذا التحرك العظيم للشعب الإيراني ويتلقون الصفعة التي ستجبرهم على الانسحاب والتقهقر أمامه. إنني أشكر الله وأحمده وأتقدم بشكري الذي لا قيمة له إلى الشعب الإيراني، فالله تعالى هو الذي سيشكر هذا التحرك الشعبي العظيم.
فيما يخص التعبئة أقول أولاً أن منظمة "تعبئة المستضعفين" في الجمهوية الإسلامية لم يكن لها نظير في العالم وعندما جرى تأسيسها كانت حالة فريدة. لا شيء فيها مستورد من أي مكان في العالم ولا حتى أي جزء صغير، لا شيء مطلقاً. استند هذا التيار في انطلاقته – بشكل مطلقٍ - إلى فكر الثورة والفكر الإسلاميّ حيث إن الله زرع فكرة تأسيسه في قلب إمامنا الخميني العظيم حتى تحققت هذه الظاهرة. ربما يمكن القول بأن التعبئة تُجسّد أكبر شبكة ثقافية، اجتماعية وعكسرية في العالم. لم أشاهد في أي مكان آخر شبكة جماهيرية بهذا الاتساع والعديد الضخم. تقتصر هذه الخاصية على منظمة "تعبئة المستضعفين" في بلدنا فقط وهي الشبكة الأكبر من نوعها. لكن كيف استطاع الإمام إيجاد هذه الظاهرة الفريدة في تلك المرحلة؟ بالطبع أنتم لم تقابلوه لكننا عشنا لسنوات معه. إن الإمام قد برع في استحداث هذه الظاهرة الفريدة وبرع في الإتيان بها من رحم الأزقة في المدن. لقد تدفقت هذه الحقيقة الجميلة المتجلية من صلب ورحم الشعب ومن داخل منازل الناس. هذا ما فعله الإمام.
كان تأسيس التعبئة مصداقاً تاماً جلياً لكيفية تبديل التهديد إلى فرصة. في حادثة الثالث عشر من آبان سنة 58 [4 نوفمبر 1979 م] كُشف وكر التجسس في السفارة الأمريكية وتعرض الأمريكيون للإذلال ثمّ شرعوا بعد ذلك بإطلاق التهديدات وردود الأفعال. لقد أطلقوا التهديدات الكلامية ثم تحركّت بارجاتهم - في تهديدٍ عمليٍّ - باتجاه الخليج الفارسي. في تلك المرحلة لم تكن لدى الشعب الإيراني قوات عسكرية أو قدرات دفاعية أو صواريخ أو طائرات تعمل بالشكل المناسب. فجأة تأتي الولايات المتحدة بكل قوتها لتواجهه مهددة إياه. أليس هذا تهديداً واضحاً؟ هنا أصدر الإمام الخميني بتاريخ الخامس من آذر 58 [26 نوفمبر 1979 م] أي قبل مضيّ شهر على حادثة السفارة الأمريكية، أمراً بتأسيس التعبئة. بالتالي جرى تأسيس هذا التيار العظيم واستعراض القوة أمام تهديد الولايات المتحدة بعد أقل من شهر على أحداث الثالث عشر من آبان سنة 58 [4 نوفمبر 1979 م]. إذاً التعبئة قد بدّلت التهديد إلى فرصة وهذه هي حقيقتها وواقعها. في ذلك الوقت إذا ما كان التهديد سيخيف أحداً مثل الإمام ويجعله متردداً أو يدفعه إلى وضع احتمال بأن يستطيع الأعداء توجيه ضربة إلى إيران وبالتالي يثنيه عن المبادرة إلى تأسيس التعبئة، لا ندري ما كان يمكن أن يحلّ بهذا البلد. إن تأسيس التعبئة هو الذي حوّل ذلك التهديد إلى هذه الفرصة الكبيرة. إذاً المنطق الأساس الذي تتخذه التعبئة هو: إزالة التهديدات وتحويلها إلى فرص. نواجه تهديدات كثيرة ويجب أن نحولها بمبادرات تعبوية إلى فرص. كلما زادت التهديدات، زادت الفرص. من هنا لم يعد التهديد يشكل تهديداً حقيقياً، إنما أصبح الآن وببركة التعبئة يشكل فرصة بالنسبة لنا.
ثمّة نقطة أساسية أشير لها وهي أن نظام الهيمنة الذي قمنا سابقاً بإضافة تعريفه إلى القاموس السياسي على أنه نظام المستبدين. هو النظام الذي يستلم زمام الأمور فيه المستبدون الذين يقسمون العالم إلى قسمين، قسم مهيمن وقسم خاضع دون وجود قسم ثالث يمثله المستقلون. هذا النظام هو في ذاته نقيض للحرية والعدالة على حدٍ سواء. هو نقيض العدالة لأنكم تلاحظون كيف يموت الناس جوعاً على قارعة الطريق في الدول الغنية - التي تمثل هذا النظام - مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. في هذه الدول يموت المشردون في الطرقات، يموتون من البرد في الشتاء والحر في الصيف. تقع أغلب ثروات هذه الدول بيد قلّة قليلة في حين أن البقية عليهم الكدّ والشقاء في سبيل تأمين لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة. هناك مجموعة أخرى كما ذكرنا ممن لا يقدرون على تأمين لقمة العيش ولا يملكون خياراً سوى العيش والبقاء في الشوارع. لذا فإن هذا النظام هو نقيض العدالة. طبعاً هذه الأمور تحصل في دولهم، أما في ما يتعلق بسائر شعوب العالم فهم يمارسون ما يقدرون عليه من ظلم دون أي رادع.
نظام الهيمنة نقيضٌ للحرية أيضاً، نقيضٌ لأهم ما في حرية الشعوب، نقيضٌ للحريّة العامة لأي دولة أي استقلالها. ذكرتُ سابقاً أن الاستقلال يعني حرية الشعب. عندما نتحدث عن الاستقلال، فنحن نتحدث عن حرية الشعب، عن استطاعته القيام بما يريد بحريّة ونظام الهيمنة نقيض لهذه الحرية. إنهم يذيقون الشعوب الويلات تارة تحت مسمى الاستعمار، تارة تحت مسمى الاستعمار الحديث وتارة أخرى بأساليب اليوم أي أساليب الحرب الناعمة. إنهم لا يتورعون عن الدخول بقوتهم العسكرية عند الضرورة. يدخل الأمريكيون اليوم إلى منطقة شرق الفرات في سوريا ويقولون: "جئنا لأجل النفط"! هل هذا البيت لكم؟ يدخلون إلى دولة أخرى ويتحدثون عن وجود النفط فيها قائلين"جئنا لأجل النفط". يجاهرون بهذا الكلام دون خجل. أو يدخلون إلى دولة مثل العراق من دون إذنها ولا يكترثون لوجود الحكومة أو العاصمة العراقية. فهناك لديهم قواعدهم التي يذهبون إليها. إذاً هم يهينون رسمياً حرية واستقلال الشعوب. بالتالي إن نظام الهيمنة نقيض للعدالة والحرية على حدٍّ سواء.
يرفع الإسلام راية العدالة والحرية ويجاهر بذلك دون مجاملة. لا يضمر الإسلام شيئاً من كلامه، فهو يواجه وبشكل صريح وواضح الظلم وانعدام العدالة. في بدايات الثورة عندما كان الأمريكيون يواجهونها وكنا نرزح تحت نير العقوبات وسائر المشاكل، دخل الإتحاد السوفييتيّ إلى أفغانستان. في اليوم نفسه استدعى الإمام الخميني سفير الاتحاد السوفييتي على ما أذكر وسأله "لماذا دخلتم إلى أفغانستان"؟ يومها كان الجميع يحذروننا من الدخول في هذه المواجهة قائلين "أنتم في مواجهة مع الولايات المتحدة، لا تقحموا أنفسكم بمواجهة مع الاتحاد السوفييتي". لكن الإمام لم يقبل بهذا الكلام. في تلك الفترة كنت رئيساً للجمهورية، وشاركنا في اجتماعات لبعض المحافل العالمية حيث كان يحضر الأمريكيون والاتحاد السوفيتي ويقفان كل بمواجهة الآخر. لكننا كنا نوجه الضربات لهما معاً دون أي تحفظ. هكذا يكون الإسلام، هكذا هو الإسلام الأصيل. هناك من يتغنون بالإسلام فيما هم مستعدون للخضوع أمام استكبار معسكر الرأسمالية أو الاشتراكية في العالم والذي كان موجوداً ذات يوم، هؤلاء بعيدون عن الإسلام. فالإسلام هو النقيض الصريح لنظام الهيمنة، بالتالي هو يناصر العدالة والحرية.
هناك مواجهة تحصل بشكل قسري وهي ليست مواجهة عسكرية لعدة أسباب وهي أفضل بطبيعة الحال. توجد أنواع أخرى من المواجهات غير العسكرية ويقتضي واقع الأمر أن تقع المواجهة – بشكل حتميّ – في مكان ما في العالم. من المهم الإشارة إلى أن الإسلام - باختلاف شكله ومكانه - سيقع في مواجهة نظام الهيمنة للأسباب التي ذكرتها. عندما يتجلّى الإسلام بشكل نظام سياسي أو حكومة أو سلطة شعب، وعندما يكون لهذا النظام حكومة وجيشاً وقوات مسلحة وطاقات علمية وجامعية كما هو الحال في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يزداد منسوب العداء له بشدّة. لا يمكن المقارنة بين عداء نظام الهيمنة لحزب إسلامي في دولة ما، وعدائه للجمهورية الإسلامية. فالجمهورية الإسلامية تمثل نظاماً سياسيّاً مستقراً ثابتاً له حضورٌ وازن يضمّ كل أجهزة الدولة ومؤسساتها. يمتلك هذا النظام القدرة على التعبير والتأثير والنفوذ في أي مكان في العالم، كما ويتولى إدارة شؤون إثنين وثمانين مليون نسمة. من هنا يزداد منسوب العداء له بشكل كبير. إن من يغفل هذه الحقيقة سيخطئ في النهاية باختيار نهجه السياسي. يريد نظام الهيمنة - بكل وجوده وخبثه وقوته - مواجهة النظام الإسلامي، وهذا هو قراره. ذكرتُ عدة مرات أن الولايات المتحدة ومعها نظام الهيمنة بذلت كل ما بوسعها لمواجهة إيران والشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية وإن كان هناك شيء لم يفعلوه فالسبب هو عدم قدرتهم على ذلك أو لوجود أسباب تحول دون ذلك. لقد فعلوا كل ما يمكنهم في إطار عدائهم لهذا النظام لكنكم تشاهدون نتيجة أعمالهم اليوم، حيث إن هذه الشجرة العظيمة الطيبة والطوباوية أصبحت تزداد قوة يوماً بعد يوم وهذا الصرح المنيع أصبح يزداد منعةً وثباتاً أمام الأعداء. هنا تكتسب مفردة المقاومة معناها. عندما نقول "قوات المقاومة، تيار المقاومة، جبهه المقاومة" فهذا ما نتحدث عنه، نتحدث عن حقيقة تسمّى "الإسلام". نتحدث عن هذا التيار العظيم الذي رفع رأسه عالياً في التاريخ المعاصر علماً بأنه لم يكن موجوداً قبل مائة أو خميسن عاماً. لكنه اليوم موجود ويقبض بإحكام على رقبة نظام الهيمنة ويبادر من أجل الحرية والعدالة. إنهم يريدون فعل كل ما باستطاعتهم لثنيه عما يقوم به وهنا تأتي الآية «فَلِذّْلِك فَادعُ وَاستَقِم»؛(3) والتي تشير إلى لزوم الدعوة والاستقامة على حدٍ سواء. هذا هو معنى المقاومة.
ماذا يعني اسم مؤسسة التعبئة في بلدنا؟ "قوات مقاومة تعبئة المستضعفين". من هم المستضعفون؟ تُفسّر كلمة المستضعفين بشكل خاطئ حيث تطلق على الأشخاص الأدنى مرتبة أو بتعبير آخر - كما شاع خلال السنوات الأخيرة - الفئات الأكثر تضرراً. لكن هذا ليس تعريف القرآن للمستضعفين. فالقرآن يقول: «وَنُريدُ اَن نَمُنَّ على الَّذينَ استُضعِفوا فِي الاَرضِ وَنَجعَلَهُم اَئِمَّةً وَنَجـعَلَهُمُ الورِثين» (4). كلمة المستضعفين تشير إلى الأئمة والقادة المستقبليين حُكماً للبشرية. هذا هو معناها الدقيق: الأشخاص الذين سيرثون الأرض وكل ما هو موجود عليها. هذه هي "تعبئة المستضعفين". المستضعف هو من سيصبح في المستقبل حُكماً خليفةً الله على الأرض وإمام وقائد البشرية.
إذاً من المفترض أن تكون هناك مقاومة ولا بدّ لهذه المقاومة من بنية معنوية. إنني أؤكد وأصرّ على هذا الأمر: إذا أردتم أن تقاوموا، يجب أن يكون لديكم بنية للمقاومة والبنية المعنوية هنا أهم من البنية المادية والعسكرية. فالبنية المادية تختصر بالمدافع والدبابات والصواريخ وما يشبهها من إمكانيات. في حين أن البنية المعنوية تتمثل بالحقائق الكامنة في قلوبكم ونفوسكم والتي تؤثر على ماهية تحرككم. تأكيدي هنا على الشباب وتلاحظون أنني غالباً ما أعقد الآمال عليهم للمستقبل. إنما من هو الشاب الذي يمكنه أن يشكل قوة الدفع للنهوض بالبلاد نحو الحضارة الإسلامية الحديثة؟ أي نوع من الشباب هو؟ هنا تتجلى مفردة البنية المعنوية. يتحلى هذا الشاب بالدافع والإيمان والعقل وتقديره لإمكاناته. هذا الشاب هو أهلٌ للعمل والابداع، هو يتكل على الله ويثق بنفسه، هو النقيض للنموذج الذي يرصده العدو لشبابنا. النموذج الذي يرصدونه هو نموذج الشاب المتجرد من الدوافع والإيمان والأمل، الشاب الكسول المنجر وراء شهواته الذي يقتصر عمله على التذمر والشاب سهل الانسكار الغارق في آفة المخدرات والتعاطي. هذا هو الهدف من الأعمال التي يستهدفون شبابنا بها. ما يريدونه نقيضٌ تماماً لما نحتاجه نحن.
الشاب التعبوي يمثل النموذج الأول. هذا ما نأمله وهكذا يجب أن يكون شبابنا. يجب أن يتمتع هؤلاء الشباب بالدافع، الإيمان، التوكل على الله والثقة بالنفس ويجب أن يكونوا أهل العمل والإبداع ويقدّروا شبابهم ونعمة وجودهم. لدينا مؤسسة مثل هذه بحمد الله والحديث هنا عن مؤسسة التعبئة المنتشرة في كل بلدنا وأنا سأشير لاحقاً إلى مدى انتشارها حتى يعرف الناس ما الذي أتحدث عنه. تعلمون أن أي مؤسسة كبيرة - تحظى بهذا الانتشار - ستواجه المزيد من عداء أعداء البشرية والعدالة والحرية. تحظى التعبئة بعداء نظام الهيمنة وجبهة الاستكبار أكثر من باقي مؤسسات البلاد وهي الأولى بين سائر المؤسسات في كسب هذا العداء. ولا يقتصر هذا العداء على إيران فقط، بل إنه يشمل أي نموذج شبيه بمؤسسة التعبئة. يحظى الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان بهذا المستوى من العداء وهم الذين يمثلون النماذج الشعبية، الشبابية المندفعة المؤمنة بالله. ولا يقتصر أيضاً عداء قوى الاستكبار على مؤسسة التعبئة في بلدنا وهم كما ذكرنا يعادونها أكثر من غيرها، بل هم يعادون كل الشعب الإيراني. ما السبب في عدائهم للشعب؟ تكشف المسيرات التي حصلت خلال الأيام الأخيرة هذا السبب. يحصل العداء لأن أبناء الشعب يتهافتون بأجسادهم إلى الساحات لمجرد أن يستشعروا نشاطاً ميدانياً للعدو وهو ما حصل بالفعل. كان الأسبوع الماضي بمثابة تتويجٍ لعظمة الشعب الإيراني وهذا الأمر يستجلب العداء له، فيعادونه بالفعل. إن كل من يدور في فلك نظام الهيمنة وقوى الاستكبار، يعادي الشعب الإيرانيّ أيضاً.
لكن المؤكد أن لا تاثير لهذا العداء وأنّ الانتصار حتميّ. أقول لكم إن انتصار الشعب الإيراني والتعبئة وهذا التيار الثوري العظيم في إيران مؤكد. يقول الله تعالى في محكم كتابه: «اِن ينصُركمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكم» (5) أي أن لا أحد سيغلبكم بحال كان الله هو ناصركم. لكن كيف تكون نصرة الله؟ «اِن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم» (6). إذا نصرتم دين الله والمسير إلى الله والتوجه والمنطق الإلهي، فالله سينصركم بدوره وهو ما يجري اليوم. يسعى هذا التيار الثوري العظيم إلى تحقيق الأهداف الإلهية وتأسيس مجتمع إسلاميّ إلى جانب تطبيق الشريعة الإلهية في بلدنا. هذا هو السبيل والطريق لنصرة الله وعندما تنصرون الله، سيمن بنصره عليكم. «فَلا غالِبَ لَكم» (7) أي أنّ أحداً لن يتمكن من هزيمتكم.
ينبغى التنبه إلى أن للتعبئة تجلّيين اثنين. أحدهما يتجسد بالجهاد في ساحات الدفاع الصلب وهو ما تتلقون لأجله التدريبات العسكرية. إن معجزة التعبئة قد تجلت بوضوح خلال فترة الدفاع المقدس في حرب الثمان سنوات. كانت كل قطعنا العسكرية تعقد آمالاً على مشاركة شباب التعبئة في ساحات القتال. بعد الحرب أيضاً حضر هؤلاء الشباب في ساحات الدفاع العسكري في مناسبات عديدة وخلال أحداث عاشتها البلاد. كما وأنهم حضروا في ساحات الحرب الناعمة. تتواجد التعبئة في ساحات الحرب الناعمة أي ساحات العلم وتقديم الخدمة والإعمار والتبليغ الديني والثقافي، مثلما تتواجد في ساحات الحرب العسكرية، ويجب أن تتواجد وتنشط في هذه الساحات.
تنتمي كل هذه الوجوه إلى التعبئة بدءاً من حسين فهميده، بهنام محمدي، محسن حججي وإبراهيم هادي مروراً بشهداء البرنامج النووي. عندما تتمعّنون فيهم ستلاحظون وجود اختلافٍ في المستوى الاجتماعيّ بينهم، لكن داخل التعبئة هم في نفس المستوى. شهداء البرنامج النووي تعبويون أيضاً وكل من ذكرتُ اسمه تعبويّ. شهداء الحرس الثوري مثل الشهيد باكري وزين الدين وحسين خرازي وغيرهم تعبويون أيضاً. الشهيد صياد شيرازي كان من الجيش لكنه تعبويّ وكذلك الشهيد بابائي. فالتحرك والتوجه والنزعة كانت تعبويّة. شمران وآويني وكاظمي و أمثالهم من الشهداء أيضاً كانوا تعبويين. كاظمي أشتياني مكتشف الخلايا الجذعية هو تعبويّ في بلدنا بقدر حسين خرازي وحسين فهميده. جميعهم تعبويون وهكذا تكون التعبئة. تجسد التعبئة هذه الساحة الكبيرة ذات المدى الواسع التي تضم كل هذه الشخصيات التعبوية والمئات غيرها من الأسماء المعروفة.
أعزائي! أريد القول بأن هؤلاء يمثلون القدوة والنموذج الذي يحتذى به. يحتاج الشباب في أي مكان إلى القدوة، وهؤلاء هم قدوتهم. أحيوا هذه القدوة وضعوها نصب أعينكم. لا يكفي تأليف الكتب والسيَر الذاتية عنهم. اجعلوهم قدوتكم في مختلف أمور حياتكم. هم القدوة الأفضل ويمكننا إيجاد هذه النماذج في صفوف التعبئة. فلتعيدوا إحياءها! يجب أن تظهر نماذج مشابهة في التعبئة كل يوم. قال الإمام [الخميني] بأن التعبئة تمثل الشجرة الطيبة (8) والشجرة الطيبة هي تلك التي «تُؤتي اُكـُلَها كلَّ حينٍ بِاِذنِ رَبِّهـا» (9) أي أنها تثمر في كل الأوقات والأزمنة.
الآن سأقدم عدة توصيات وخاصة بعد مضيّ أربعين عاماً على انطلاق التعبئة حيث حان الوقت للإفادة من التجارب والخبرات. هنا ينبغي أن تركّزوا قدر الإمكان على التجارب خلال هذه الأربعين عاماً بغية الاستفادة منها. قمتُ بكتابة عدة توصيات وبحمد لله إن الأعزاء والمسؤولين الموقرين في الحرس والتعبئة على علمٍ بما يجب فعله. أما توصياتي فهي كالآتي:
أوصي أولاً بأن تكونوا على أهبة الاستعداد للعمل في كافّة المجالات التي تحدثنا عنها، الدفاع في ساحات الحرب الصلبة، الحرب نصف الصلبة والحرب الناعمة. أن تكون لدى التعبئة استراتيجيات وتكتيكات جاهزة للتعامل مع مختلف الأحداث التي تحصل في أي مكان في البلاد سواء في مجال الدفاع الصلب أو نصف الصلب أو في كافة المجالات الأخرى. حاولوا أن لا تتفاجؤوا بأي حدث. استفيدوا من تجربة اللجان في عقد الستينات [الثمانينيات من القرن العشرين للميلاد] فهي تجربة جيدة. في تلك الفترة كان للجان الثورة الإسلامية تواجد مستمر في مختلف الأماكن. أول ما كان يشاهده الجميع عند أي حدث، هو تواجد الاخوة من اللجان. طبعاً كانوا في بدايات عملهم ولم يكن لديهم ما لديكم اليوم من وعي وإمكانيات، لكنهم كانوا حاضرين دائما وهذا الحضور الدائم مهم جداً.
تالياً، أوصيكم بعدم التصرف بانفعال في الحرب الناعمة. ينبغي الرد على العدو، لكن الإقدام من منطلق الفعل وردة الفعل والإبداع في الفعل، أفضل من التصرف بانفعال. اسبقوا العدو بخطوة دائماً. توقّعوا خطوته التالية وبادروا إلى اتخاذ إجراءات وقائية لإفشالها. تماماً مثل لاعب الشطرنج المحترف الذي يتوقع خطوة خصمه التالية، فيقدم على حركة يقفل من خلالها الطريق أمامه حتى لا يتسنى له القيام بها. اسبقوا العدوّ دائماً.
لا تقللوا من مستوى علاقتكم بالمسجد فالتعبئة وليدة المساجد. أُرسِل أبناؤها من المساجد إلى جبهات القتال وأعيدت الجثامين الطاهرة للشهداء إلى المساجد. في المساجد جرى توجيههم وإرشادهم. لا تنقطعوا عن المسجد وتحلّوا بالأخلاق الإسلامية في تصرفاتكم داخله. لا تجعلوا التواجد فيه سبباً للإنقسام والاختلاف والشجار وما إلى ذلك.
لتتعاونوا وتتآزروا مع المجموعات التي تعمل لصالح أهداف التعبئة لكنها ليست منظمة في قوات المقاومة. هناك مجموعات تحظی بحضور علی مستوى البلد ككل إن كان في الجامعة أو خارجها أو في أي مكان آخر وتعمل لصالح أهداف التعبئة لكنها ليست منظمة فیها، تعاونوا وتآزروا معها وواكبوها.
أطلِعوا الناس على ما قدمته وتقدمه التعبئة من خدمات. فالتعبئة تقدم الكثير من الخدمات العظيمة لكن أغلب الناس لا يطّلعون عليها وعندما تقدم خدماتها في منطقة ما، لا يعرف سوى أبناء المنطقة بهذا الأمر. لقد أرسلوا إليّ بعض الإحصائيات عن نشاطات التعبئة، وليست مؤسسة التعبئة من أرسلتها، بل أطراف أخرى وهي إحصائيات مثيرة للإهتمام: تشكيل أحد عشر ألف نواة لمجموعات جهادية ذات نشاط جغرافيّ تأخذ على عاتقها مسؤولية إنجاز أربعين ألف مشروع خدماتي وقد تم إنجاز وتسليم نصف هذه المشاريع بالفعل. ما أعظم هذه الأرقام! تأسيس أحد عشر ألف مجموعة جهادية خدماتية والقيام بكل هذه الإجراءات الخدماتية. بدأتِ التعبئة الجامعية مؤخراً عبر 4500 طالب بحركة تتمحور حول تحديد المشاكل ولعب دور ريادي تخصصي في حلها. هذا ما نوصي به الطلاب دائماً. يندرج هذا العمل المهم والعظيم ضمن توصياتنا المستمرة وهو ما بدأته وتقوم به التعبئة الجامعية. إضافة إلى ذلك جرى استحداث اثني عشر ألف صندوقٍ للقرض الحسن في مختلف الأماكن وأرجّح أن يكون العدد أكبر حسبما يتبادر إلى ذهني، لكن هذا هو العدد الذي تبلّغت به.
حصدت مؤسسة تعبئة العشائر والتعبئة النسائية أعلى المراتب في مهرجان مالك الأشتر وهذا مدعاة فخر. كما ونشرت تعبئة الأساتذة الجامعيين في الذكرى الأربعين لانتصار الثورة - أي منذ عدة أشهر - رسالةً تحمل توقيع تسعمائة استاذٍ جامعيّ. هذه الرسالة جاءت رداً على ما كتبه بعض الأشخاص اليائسين الذين يواجهون حالةً من الانهيار. إذاً حضر تسعمائة أستاذٍ جامعيّ في الساحة ونشروا رسالة تفصيلية استدلالية عظيمة مقابل ما كتبه أولئك اليائسون. يمثّل هذا التصرف الحضور في الميدان في الوقت المناسب. تقيم التعبئة الوزارية في صلاة الجمعة نشاط "مكاتب الخدمات" حيث يتقرّب المعنيّون من خلاله إلى الناس ويجيبون على أسئلتهم. تأخذ التعبئة الزراعية على عاتقها مسؤولية إنتاج خمسةٍ من المحاصيل الزراعية الرئيسية بالتعاون مع ثلاثين ألف مهندسٍ زراعيٍّ ولاحظوا كم هذا الرقم كبير. إنهم ينتجون محاصيل القمح، الشعير، الذرة وغيرها من المحاصيل الرئيسية. كانت هذه أمثلة على إنجازات التعبئة التي على المسؤولين الموقرين في هذه المؤسسة أن يقوموا بعرضها - بشكل مبتكرٍ – أمام الرأي العام حتى يعرف الناس أن التعبئة تقدم كل هذه الخدمات إلى جانب ما تقوم به من حفظٍ للأمن في مواجهة المخربين الموكل إليهم مهمة التخريب والحرق والتدمير والقضاء على الأموال العامة والخاصة وتخريب منازل الناس إلى جانب غيرها من الممارسات السيئة. في هذا الإطار ينزل أبناء هذه المؤسسة إلى الساحات جنباً إلى جنب مع قوات الشرطة وسائر الأجهزة المعنية من أجل تقديم الخدمة والدفاع عن الأمن. هذه أمور مهمة بنبغي أن يعرفها شعبنا العزيز.
أوصي أيضاً بأن تكون التعبئة سريعة المبادرة إلى جانب انتشارها الكبير وأن لا تكون أسيرةً للقيود الإدارية الشائعة لأن الكثير من الأعمال والبيروقراطية الإدارية تشلّ حركة القوى البشرية في أي مؤسسة، فلا تدعوا هذا الأمر يحصل مع التعبئة.
أخيراً أريد منكم أن تعلموا بأنّ التعبئة معرّضة وبشدةٍ لمؤامرات واختراقات العدو. لا تغفلوا هذا الأمر. يسعى العدو بكلّ قوته للتآمر عليها واختراق صفوفها كي يشغلها بمشاكل داخلية نظراً للأسباب التي ذكرتها والتي تبيّن أهمية هذه المؤسسة. لكن اعلموا أن هذا التيار العظيم وبعون الله سينتصر على الجميع في المواجهة التي يخوضها.
رحمة الله ورضوانه على الإمام [الخميني] الكبير الذي زرع هذه الشجرة الطيبة والغرسة المباركة. رحمة الله على شهداء هذا النّهج، على مدراء التعبئة الذين بذلوا مجهوداً لأجل هذه المؤسسة طوال هذه السنوات ورحمة الله على كل المنتمين إليها. وفّقكم الله جميعاً وبارك لكم أسبوع ويوم التعبئة.
الهوامش:
1 – في بداية هذا اللقاء تحدث اللواء حسين سلامي (القائد العام لحرس الثورة الإسلامية) والعميد غلام رضا سليماني (رئيس منظمة تعبئة المستضعفين).
2 – التظاهرات التلقائية العفوية للشعب في مدن مختلفة من البلاد لإدانة أعمال الشغب التي حصلت في الأيام الأخيرة.
3 – سورة الشورى، شطر من الآية 15 .
4 – سورة القصص، الآية 5 .
5 – سورة آل عمران، شطر من الآية 160 .
6 – سورة محمد، شطر من الآية 7 .
7 – سورة آل عمران، شطر من الآية 160 .
8 – صحيفة الإمام الخميني، ج 21 ، ص 94 .
9 – سورة إبراهيم، شطر من الآية 25 .
بتوقيت بيروت