كلمة الإمام الخامنئي في لقائه مسؤولي الجمهورية الإسلامية وسفراء البلدان الإسلامية بمناسبة المبعث النبوي الشريف14-4-2018
"السلاح الكيميائي" ذريعة كاذبة: "العدوان الثلاثي" لن يعود على المعتدين بنفع
محاور رئيسية
• البعثة النبويّة ذروة الرحمة الإلهيّة
• العدوان الأميركي على سوريا لن يعود عليهم بشيء
• مكافحة "إستخدام السلاح الكيميائي" ذريعة أميركية كاذبة
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أبارك عيد مبعث الرسول الأكرم الكبير والإستثنائي لكل الحضور المحترمين، والضيوف الأعزاء الموجودين في الجمهورية الإسلامية، ولسفراء البلدان الإسلامية المحترمين، ولكل الشعب الإيراني، ولكل المسلمين ولكل الأحرار في العالم.
البعثة النبويّة ذروة الرحمة الإلهيّة
إن البعثة حدثٌ فريدٌ لا نظير له، والحقيقة أنه لا يوجد أيُّ حدث آخر في تاريخ البشر يرقى إلى أهمية بعثة الرسول وعظمتها. بعثة الرسول كانت ذروة رحمة الله لبني البشر والإنسانية. إنَّ إرسال الرسل والأنبياء لهداية الإنسان ولإيصاله إلى قمة التكامل، أكبر رحمة لله بالبشر، وقد تمثلت قمة هذه الحركة في بعثة الرسول الأكرم. حيث فُتِحَ أمامَ البشرية طريقٌ له القدرة والطاقة أن يتقدم بالبشرية إلى الأمام حتى آخر الدنيا. وقد تقدمت الإنسانية منذ ذلك اليوم وإلى يومنا الراهن. وتقدمت أفكار البشر وعقولهم، وتحولت الكثير من الحقائق التي تكفلت الأديان ببيانها إلى جزء من عُرف المجتمع البشري. والحمد لله على أن قلوب أبناء البشر مالت وانجذبت نحو المعنويات.
البعثة دعوة وكفاح لإعلاء كلمة التوحيد
إنَّ جوهر قضية البعثة ولب مطلبها عبارة عن التوحيد. التوحيد يعني عبودية الله تعالى بشكل حصري. بمعنى أن لا تتحكم الأهواء والنزوات والشهوات وأنواع الغضب بحياة الإنسان. وأن لا يكون الاستبداد والدكتاتورية والأنانية هي التي تدير حياة الإنسان، ويكون مصدر إدارة حياة الإنسان العلم الإلهي والقدرة الإلهية والرحمة الإلهية والفيض الإلهي والهداية الإلهية. هذا هو معنى التوحيد. بالدرجة الأولى، سوف يُطرد بواسطة شعار التوحيد كل أولئك الذين يريدون بأنانياتهم وتكبّرهم واستبدادهم وظلمهم أن يسيطروا على شؤون البشر والمجتمعات البشرية. ولذلك هم يعادون هذا الشعار: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا".(2) واجه كل الأنبياء والرسل أصحابَ الذهب والتسلط ومستبدي العالم وظالميه وفراعنته وحاربوهم وكافحوهم. فمن دون الكفاح الذي يخوضه الحق، لن يضطر الباطل إلى التراجع. تقدُم البشرية يوماً بعد يوم منذ فجر التاريخ الإنساني وإلى اليوم، واقترابها نحو المعارف الإلهية أكثر فأكثر؛ إنما كان بفعل الكفاح. فالحق يجب أن يكافِح:"الَّذينَ آمَنوا يقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ وَالَّذينَ كفَروا يقاتِلونَ في سَبيلِ الطّاغوتِ"(3).من دون الكفاح ضد المستبدين والمستكبرين والمسيئين للبشرية والظالمين والجائرين لا يمكن التقدم بالحق. لا بدّ من كفاح وهذا ما قام به الأنبياء، التوحيد يتضمن المعالم العامة والأصول والخطوط الأصلية لهذا الكفاح.
النصر على الأعداء كان دوما حليف جبهة الأنبياء
"لا إله إلا الله" هي مصدر تأثيرٍ ومنشأ عمل. الحكومة الإسلامية هذه التي أشار لها السيد رئيس الجمهورية والتي تأسست في المدينة نتجت عن «لا إله إلا الله». أي إن الحكومة في الأديان الإلهية لا معنى لها إلّا على يد الله تعالى ويد رسل الله. ولهذا بمجرد أن قال الرسول: «قولوا لا إلٰهَ إلَّا اللهُ تُفلِحوا» (4)، اصطفَّ ضده أصحاب الذهب والتسلط في تلك البيئة المحدودة الصغيرة، أي مكة. وبعد ذلك في المدينة عندما تأسس الحكم الإسلامي عادت الحكومات والامبراطوريات والقوى العالمية للاصطفاف بوجه الإسلام.
وقد كان هذا الاصطفاف موجوداً منذ اليوم الأول والى اليوم. ومنذ اليوم الأول وحتى الآن، كان مصير الباطل في هذه المواجهة هو التراجع إلى الوراء، وكان مصير الحق التقدم إلى الأمام. تلك الجماعة القليلة التي عاشت في مكة تحت كل تلك الضغوط التي مورست ضدها صارت اليوم مجتمعاً إنسانياً عظيماً له الكثير من المفاخر والأمجاد والكثير من الإمكانيات والكثير من الأمل والمستقبل المشرق
مقتضى التوحيد نصرة المظلوم على الظالم
يجب فهم هذا الأمر: على الأمة الإسلامية أن تعود إلى التوحيد من الأصل بكل ما أوتيت من قوة.
إذا كنا نؤمن بالتوحيد، فلن نتقبل الخضوع للتسلط، ولن نرضى بالظلم. وليس لنا أن لا نقف بوجه الظالم، هذه هي طبيعة التوحيد. ولهذا تعلن الجمهورية الإسلامية اننا حاضرون أينما كان هناك مجتمعٌ مظلومٌ ولا بدّ من نصرته. ولهذا نُصرُّ كل هذا الإصرار على قضية فلسطين. لأن مقتضى التوحيد أن يقف الإنسان مقابل جور الظالم وتسلطه ضد المظلوم. هذه هي حقيقة التوحيد. والبعثة تذكرنا بهذا.
أ ــ الجمهورية الإسلامية تنصر القضية الفلسطينية
ولا شكَّ في أنَّ لهذا تقدمه وتطوره. طبعاً كانت الضغوط على الشعب الفلسطيني في هذه الأيام والأيام الماضية ـ طوال هذه الأعوام السبعين ـ كبيرة وكثيرة. ولكن لاحظوا أنَّ: هذه الجماعة المحدودة المظلومة التي استطاع الصهاينة أن يتغلبوا عليها بسهولة وأن يشردوا شعباً من بلده ويسلبوه بلاده ويسيطروا هم على تلك البلاد؛ هذا الشعب الضعيف نفسه تحول اليوم إلى "فلسطين" مقتدرة تُهدد الدولة الصهيونية، وتُشعِر الدولة الصهيونية بالضعف والعجز في مواجهة هذا الشعب الفلسطيني. لا شكَّ أن الفلسطينيين سينتصرون على الصهاينة، وسوف تعود فلسطين للفلسطينيين.
ب ــ الجمهورية الإسلامية تدعم حركات المقاومة في سوريا والعراق
هذا هو سبب وقوفنا إلى جانب مجموعات المقاومة في منطقة غرب آسيا. وهذا هو سبب تواجدنا في سوريا لمواجهة ومجابهة الإرهابيين الذين أوجدتهم أمريكا وعملاء أمريكا في المنطقة. أن يُقال "إنَّ الجمهورية الإسلامية في إيران هي دولة توسعية وتريد احتلال المكان الفلاني"؛فهذا كلامٌ فارغٌ لا معنى له، وهو كذبٌ وبخلاف الواقع. كلا، إننا لا ننوي التوسّع، وليست لدينا نظرة توسعية نحو أي مكان في العالم. ولا نحتاج لذلك؛ فالحمد لله يمتلك الشعب الإيراني بلداً كبيراً عامراً زاخراً بالطاقات والإمكانيات. هذا التواجد سببه وجود مقاومة ضد الظلم في سوريا وفي منطقة غرب آسيا، ونحن متواجدون هناك لهذا السبب. ولهذا تلاحظون أنَّ جبهة المقاومة وبتوفيق من الله وبفضل المساعدات التي قُدمت وببركة الشجاعة التي أبدتها القوات السورية استطاعت الانتصار على الإرهابيين المدعومين، بل المصنوعين من قِبَل أمريكا والغربيين ومرتزقتهم في المنطقة ـ مثل السعودية وأشباهها ـ وفرض الهزيمة والانكسار عليهم.
ــ أميركا تدعي كذبا وزورا محاربتها لداعش
تلك الجهات نفسها التي كانت بالأمس تدعم "داعش" سراً وعلانية، تزعم اليوم أنها متواجدة لمجابهة التكفيريين وأنها هزمتهم، هذا كذب. لا صحة لهذا؛ فلم يكن لها أيُّ دور. في هذه الكلمة التي ألقاها الرئيس الأمريكي (5) قبل ساعات ، يقول "إننا استطعنا هزيمة داعش في سوريا": كذبٌ واضحٌ وفاضحٌ! لقد تدخلوا في المراحل التي اعتبروها ضرورية وقدموا المساعدة للتكفيريين. في المواقع التي كان قادة "داعش" الأساسيون محاصرين تدخلوا وأنقذوهم. وكان لهم دورهم قبل هذا في إيجاد "داعش". وقد استطاعوا بأموال السعودية وأمثال السعودية أن يخلقوا هذه الموجودات الخبيثة ويطلقوها على الشعبين العراقي والسوري. لكن المقاومة ضد أمريكا وعملاء أمريكا استطاعت إنقاذ هذين البلدين. وكذا سيكون الحال بعد الآن أيضاً.
العدوان الأميركي على سوريا لن يعود عليهم بشيء
إنَّ الهجوم الذي شُنَّ وقت السحر من ليلة أمس على سوريا هو جريمة. (6) أنا أعلن بشكل واضح وصريح أنَّ الرئيس الأمريكي والرئيس الفرنسي (7) ورئيسة وزراء بريطانيا (8) هم مجرمون وقد ارتكبوا جريمة. وبالطبع لن يستفيدوا شيئاً، ولن يجنوا شيئاً، كما أنهم تواجدوا في السنين الماضية في العراق وسوريا وأفغانستان وارتكبوا مثل هذه الجرائم ولم يجنوا أي شيء. قال الرئيس الأمريكي قبل أيام من الآن: "إننا أنفقنا سبعة ترليون [دولار] في منطقة غرب آسيا ـ وعلى حد تعبيره الشرق الأوسط ـ ولم نربح أي شيء". وهذا صحيح، لم يربحوا ولم يستفيدوا شيئاً. ولتعلم أمريكا بعد الآن أيضاً أنَّ أيَّ مالٍ تُنفقه وأيَّ مسعى تسعاه في هذه المنطقة فإنها لن تكسب منه أيَّ شيء.
لا ذلة لحكومة أسوأ من تقديمها ثروة شعبها لعدوه
في مقابل هذه الأحداث، علينا أن نصحو وأن نكون يقظين حذرين. على الشعوب الإسلامية والبلدان الإسلامية والحكومات المسلمة أن تُراكم التجارب وتُدرك ما الذي يفعله أعداء الأمة الإسلامية. إنهم يريدون توجيه ضربة للأمة الإسلامية؛ وليس الهدف سوريا أو العراق أو أفغانستان فقط. الهدف هو وجود الإسلام في هذه المنطقة. يريدون القضاء عليه. على البلدان الإسلامية أن تعي هذا الشيء. يجب أن لا تجعل الحكومات الإسلامية نفسها في خدمة أهداف أمريكا وبعض البلدان الغربية المعتدية. ليس من الفخر لبلدٍ مسلمٍ أن يقول عنه الرئيس الأمريكي علناً: "إننا ننظر إلى البقرة الحلوب"؛ ينظرون إليهم على أنهم بقرة حلوب. هل هذه مفخرة؟ في الدعاية الانتخابية الأخيرة في العام الماضي قال الرئيس الأمريكي الحالي هذا الكلام. قال إننا ننظر للسعوديين باعتبارهم بقرةً حلوباً! فهل هناك ذُلٌ أكثر من هذا؟ هل هناك ذلٌ أسوأ من هذا بالنسبة لدولةٍ ولشعبٍ ما؟ يأخذون أموالها ثم يخاطبونها بأنها بقرة حلوب، ويهينونها. ليس هناك ذلةٌ لبلد ولحكومة أسوأ من هذا. والإسلام يعارض هذه الذلة:وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَلِلمُؤمِنينَ" (9) إذا كانوا مؤمنين فيجب أن يكونوا أعزاء. هذه الذِّلة علامةٌ على أنهم لا إيمان لهم، وليسوا مؤمنين، ويكذبون كما يكذب سادتهم.
مكافحة "إستخدام السلاح الكيميائي" ذريعة أميركية كاذبة
يقول الرئيس الأمريكي "إننا هجمنا على سوريا لمكافحة استخدام السلاح الكيميائي"! هذا الكلام كذب. إنهم لا يعارضون استخدام السلاح الكيميائي: لا السلاح الكيميائي ولا أية جريمة أخرى ضد الإنسانية. اليمن يُقصف الآن يومياً وهم يدعمون هذا القصف. وفي مناطق مختلفة من العالم يتعرض المسلمون للضغوط فيدعمون ذلك الظالم ويساعدونه. إنهم لا ينزعجون ولا يتألمون لأن أناساً يتعرضون للمحن والآلام. هؤلاء أنفسهم دعموا "صدام" المجرم وساعدوه. وقد قُتل وأصيب آلاف الناس من الشعب الإيراني والعراقي بواسطة الأسلحة الكيميائية التي استخدمها صدام. ولا يزال بين أبناء شعبنا من الذين أصيبوا وقتها وكانوا شباباً، وهم موجودون ويعانون. هؤلاء لا يعارضون الأسلحة الكيميائية، بل يتدخلون لتحقيق أهدافهم الاستعمارية والاستبدادية الدولية. ويتهمون هذا وذاك بالاستبداد، والحال أنهم هم المستبدّون الدوليون. وبالطبع فإن الدكتاتوريّين والمستبدّين لن يفلحوا ولن يربحوا في أي مكان في العالم. وهؤلاء أيضاً لن يربحوا. ومن المؤكد أن أمريكا سوف تُهزم وتفشل في تحقيق أهدافها في هذه المنطقة وفي أية منطقة تمارس الظلم فيها. ولا شكَّ في أن الشعوب سوف تنتصر. وهذا ما سيكون في هذه المنطقة أيضاً إن شاء الله.
الشعب الإيراني صامد وهو لا محالة منتصر
شعبنا صامد والحمد لله، الشعب الإيراني بتجربته التي ترقى لأربعين سنة، صامدٌ وثابت على مقاومته واستقامته. لقد اختبرنا هذا الشيء: "التراجع" يُشجع العدو أكثر، و"الصمود" يفرض عليه التراجع. ": وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا" (10). هذه سنة الله: إذا قاومتم وصمدتم بوجه الظلم والاستبداد والتسلط ومنطق القوة والخبث وجرائم مجرمي العالم فإنهم سيضطرون للتراجع يقيناً. هذا ما يذكره القرآن الكريم كسنة تاريخية وإلهية أكيدة. وهذه السنة سوف تتحقق إن شاء الله. ونتمنى أن يوفق الله في القريب العاجل الشعب الإيراني، والشعب السوري، والشعب العراقي، وشعب فلسطين المظلوم، وشعب كشمير، وشعب بورما، والمسلمين في كل المناطق التي يتعرضون فيها للضغوط في العالم؛ أن يوفقهم إن شاء الله لينتصروا وليستطيعوا طرد الأعداء .
اللهم بمحمد وآل محمد اغمر أرواح الشهداء الطيبة ـ شهداء طريق الحق والحقيقة ـ والروح الطاهرة للإمام الخميني الجليل بلطفك وفيضك.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى حجة الإسلام والمسلمين حسن روحاني (رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران) كلمة بالمناسبة.
2 ـ سورة الأنعام، جزء من الآية 112.
3 ـ سورة النساء، جزء من الآية 76.
4 ـ بحار الأنوار، ج 18، ص 202.
5 ـ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
6 ـ إشارة إلى العدوان الأمريكي البريطاني الفرنسي على سوريا.
7 ـ الرئيس الفرنسي إيمانوئيل ماكرون.
8 ـ رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا مي.
9 ـ سورة المنافقون، جزء من الآية 8.
10 ـ سورة الفتح، الآيتان 22 و 23.