خطاب قائد الثورة الإسلاميّة سماحة الإمام الخامنئي في الذكرى الثامنة والعشرين لرحيل الإمام الخميني (رضوان الله عليه) في المرقد المطهّر للإمام الراحل 1396/3/14ه .ش_2017/6/4 م
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
سلام الله وصلواته على الابن البارّ للنبيّ الأكرم، والمحيي للدين النبويّ، إمامنا الكبير؛ الذي نحتفل اليوم بذكرى رحيله المؤلمة، والذي اجتمعت اليوم كلّ هذه الحشود المحبّة والعاشقة احتفاءً بذكراه.
أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء! سأتناول في حديثي اليوم، وبشكل رئيسي، بعض المسائل المتعلّقة بالإمام والثورة؛ وإذا ما سنحت الفرصة، سأتعرّض في نهاية الحديث، بنحو مختصر للكلام حول بعض مسائل السياسة الداخليّة للبلاد، ومسائل السياسة الخارجيّة.
تكرار الحقائق يمنع تحريفَها
بالطبع، لقد جرى الحديث كثيرًا، طوال هذه السنوات، حول الإمام وهذا الرجل العظيم، من قِبل الشخصيّات والمفكّرين، ولكن أوّلًا، ما قيل حول الإمام والثورة ــ وهما مرتبطان بعضهما ببعض، وذكرى الإمام واسمه لا تنفصل عن اسم الثورة ــ لا يمثّل كلّ ما يرتبط بالإمام والثورة؛ ما زالت هناك أمور كثيرة لم تُذكر بعد، وينبغي أن ترسخ في أذهان الناس بمرور الزمان. ثانيًا، ينبغي الرجوع والمراجعة مجدّدًا وتكرار ما قيل وقلناه وكرّرناه حول الإمام والثورة؛ لأنّه إذا لم يجرِ تكرار حقيقةٍ ما والحديث عنها لمرّات، وذكر تفاصيلها وجزئيّاتها، فمن الممكن أن تُحرَّف هذه الحقيقة بمرور الزمان. معظمكم يعلم بوجود دوافع لتحريف شخصيّة الإمام والثورة - التي كانت أكبر إبداعات الإمام- علينا أن نكرّر الحقائق التي ذُكرت حول الإمام والثورة، ونعيد ذكرها ونسحب البساط من تحت أرجل المحرّفين. هكذا كان الأمر في الشرع المقدّس، وفي الحقائق التاريخيّة؛ لقد أُمرنا بتكرار الكثير من المعارف الدينيّة؛ على سبيل المثال، قراءة القرآن بنحو دائم وذلك حتّى لا ننسى الحقائق القرآنيّة، أو التاريخ -التاريخ الحقيقي والصحيح- علينا أن نكرّره ونتكلّم عنه مرارًا. ولو لم يبيّن شعبنا ويذكر "عاشوراء" بهذا الشكل وبإصرار على امتداد القرون، لكان من الممكن لهذه الواقعة المهمّة أن تُنسى، أو أن تُظهّر بنحو أضعف كثيرًا ممّا هي عليه.
إن خطابي اليوم موجّه بالأساس لكم أنتم أيّها الشباب الأعزّاء؛ السبب في ذلك [أوّلًا]، أنّ الشباب لم يشهدوا ولم يعيشوا عهد البطولات الكبيرة، وإنّما سمعوا فقط بعهد انتصار الثورة، ومرحلة الدفاع المقدّس، ومرحلة الحركات العظيمة والجهود الكبيرة التي بُذلت في وجه الانفصاليّين، وهذه المراحل بالنسبة إلى شبابنا تشكّل تاريخًا وماضيًا.
لذا، ينبغي التوضيح وذكر القضايا لهم بنحو أكثر؛ هذا أوّلًا. ثانيًا، إنّ أذهان الشباب هي هدف للمحرّفين؛ فهؤلاء اليوم يريدون العمل على أفكار شبابنا بنحو أكبر، وذلك للحؤول دون معرفة الجيل الواسع لهذا البلد بالكثير من الحقائق. لذا، كان خطابي اليوم موجّهًا للشباب..
الثورة الإسلاميّة؛ تحوّلٌ سياسي اجتماعي
أقول لكم أيّها الشباب الأعزّاء! إنّ الثورة الإسلاميّة التي قام بها الإمام العظيم، فتحقّقت الإرادة الإلهيّة على يديه وبقيادته، لم تكن مجرّد انتقال للسلطة السياسيّة، بأن نُحّيت جماعة عن رأس السلطة لتحلّ محلّها جماعة أخرى، بل إنّ الثورة كانت تحوّلًا عميقًا؛ سواءً في سياسة البلاد -حيث أحدثت تحوّلًا عميقًا على الصعيد السياسي- أم في صلب المجتمع الإيراني. فعلى الصعيد السياسي، كان هذا التحوّل بمعنى أنّه بدّل ديكتاتوريّة متوارثة، مرتبطة بالأعداء، تابعة للأجانب، كانت تحكم البلاد- بحكومة كهذه - بحكومةٍ، الأساس والاعتماد فيها على الشعب، مستقلّة وعزيزة وذات هويّة؛ هذا التحوّل العظيم حصل على الصعيد السياسي. وهكذا أيضًا فيما يتعلّق بصلب المجتمع، حيث كان مجتمعنا قد فقد هويّته؛ وتبدّلت إيران -مع كلّ تلك العراقة الثقافيّة، وتلك العظمة، وكلّ أولئك العلماء، والفلاسفة، وكلّ هذه المعارف الإنسانيّة العظيمة في هذا البلد- إلى مجتمع تابع للغرب وفاقد للهويّة. كان هدف الثورة تغيير هذا الوضع، بأن تبدّل المجتمع إلى مجتمع ذي هويّة، له استقلاله، وأصالته، وخلّاقيّته، وإبداعاته؛ فكانت الثورة الإسلاميّة تمثّل مثل هذا التحوّل الذي قاده الإمام بدعم الشعب إلى الانتصار.
أهدافٌ بالحدّ الأقصى.. انتصار وتحوّل عظيم
عندما كان إمامنا العظيم يذكر في بياناته وخطبه تلك الأهداف، فإنّما كان في الحقيقة يطرح أهدافًا بالحد الأقصى؛ وكانت تبدو للأشخاص المشكّكين والمتشائمين بعيدة المنال، وأنّ الإمام لن يستطيع تحقيق أهداف كهذه؛ وحتّى [برأي] السياسيّين [كان الحال كذلك]. أحد السياسيّين المعروفين والمحترمين والذي بدوري أكنّ له الاحترام، قال لي: "عندما طرح الإمام مسألة الإطاحة بالنظام والسلطة في البلد، تساءلت لِمَ يطرح الإمام هدفًا كهذا؟ فهذا أمر غير ممكن ومستحيل!"؛ أي إنّه حتّى السياسيّون المحنّكون والمجاهدون والمضحّون لم يكونوا يفكّرون بمثل هذا الشيء. لقد طرح الإمام هدفًا بحدّ أعلى. وإذا قارنتم هذا الهدف العالي السقف بهدف ثورة المشروطة (الحركة الدستورية) على سبيل المثال، فقد كان هدف الحركة الدستوريّة الحدّ من صلاحيّات الشاه عبر المجلس النيابي؛ أو بنهضة تأميم صناعة النفط ، والذي كان بيد الإنكليز، وجعله في تصرّف حكومتنا. قارنوا بين هذه الأهداف الصغيرة وذات الأسقف المتدنّية، وبين هدف الإمام الذي كان يهدف إلى ذلك التحوّل العظيم؛ فهذه الثورات التي كانت تتمتّع بالحدّ الأدنى من الأهداف لم تنتصر وأخفقت، وأما الإمام، فقد انتصر وحقق ذلك الهدف العظيم ذا الحد الأقصى. هؤلاء حقّقوا في بداية الأمر نجاحات صغيرة، لكنّهم أخفقوا فيما بعد. واستطاع الإمام أن يحقّق النصر الكامل وأن يحافظ على هذا الانتصار ويخلّده.
نزول الشعب إلى الساحة سرُّ الانتصار
وهنا سؤال يطرح، كيف استطاع الإمام أن يقود هذه الحركة العظيمة إلى الانتصار، وأن يحافظ على هذا الانتصار؟ السرّ في ذلك بحسب الموازين الظاهريّة -مضافًا بالطبع إلى الإرادة الإلهيّة- هو أنّ الإمام استطاع أن يُنزل المجتمع، وعموم أفراد الشعب وخاصّة الشباب منهم، إلى الساحة. ففي كلّ حركة، وفي كلّ بلد يرد فيه عموم أفراد الشعب الميدان، ويقفون فيه ويقاومون، سيبلغون هدفهم؛ لا تخلّف ولا تأخير في ذلك؛ ولم يثبت عكس ذلك في أيّ مرحلة تاريخيّة؛ لقد استطاع الإمام أن يجترح هذه المعجزة وأن يقوم بهذا العمل العظيم، وينزل عموم أفراد الشعب وخاصّة الشباب إلى الميدان، وأن يبقيهم فيه.
من أين حصل الإمام العظيم على قدرة كهذه؟ وهذه هي المسألة التي أريد التأكيد عليها والتي نستلهم منها الدروس في يومنا هذا. لقد كان الإمام يتحلّى بجاذبيّات شخصيّة، حيث كانت توجد جاذبيّة في شعاراته؛ وهذه الجاذبيّة كانت من القوّة بحيث استطاع أن يُنزل فئات الشعب المختلفة وخاصّة الشباب إلى الساحات. وعلى الرغم من أنّ الشابّ، سواءً في مرحلة المقارعة والنضال، أم في العقد الأوّل لانتصار الثورة، كانت تواجهه أمور جاذبيّة أخرى، وطروحات وأفكار مختلفة؛ الأفكار اليساريّة والأفكار الرأسماليّة، حيث كان هؤلاء يطلقون أفكارًا برّاقة ومتنوّعة، هذا فضلًا عن إغراءات وبريق الحياة العاديّة التي قد تواجه الشباب، والتي يمكن للشابّ أن يختارها؛ لكنّ الشباب اختاروا الإمام، وطريق الإمام، والقيام، والنضال، اختاروا الثورة؛ لِمَ؟ من أجل هذه الجاذبيّات الموجودة في الإمام.
جاذبيّات الإمام: شخصيّته وشعاراته وأفكاره
بعض هذه الجاذبيّات مرتبطة بشخص الإمام. حيث كان الإمام يتحلّى بشخصيّة قويّة جدًّا، صلبة جدًّا، يمكنها الوقوف في وجه الصعاب. وكان الإمام يتحلّى بالصراحة، صراحة القول، والصدق، فكان صادقًا في كلامه؛ وكلّ مخاطبيه كانوا يتلمّسون هذا الصدق في أقواله؛ كانت هذه جاذبيّات الإمام الشخصيّة. كما كان إيمان الإمام بالله وتوكّله عليه ظاهرًا في أفعاله وأقواله على السواء؛ فسواء أقواله وأفعاله، كانت كلٌّ منها تُظهر مدى إيمانه بالله وتوكّله عليه. كانت هذه جاذبيّات الإمام.
إلى جانب هذه الجاذبيّات، كانت هناك بعض الجاذبيّات المرتبطة بالأصول التي طرحها الإمام، فمثلًا من جملة المفاهيم التي طرحها الإمام للناس، كان الإسلام؛ الإسلام الأصيل، الإسلام المحمّدي الأصيل. الإسلام الأصيل يعني الإسلام الذي ليس أسيرًا للتحجّر ، ولا للالتقاط. ففي العصر الذي كان التحجّر فيه موجودًا، وكان الالتقاط فيه موجودًا، طرح الإمام الإسلام الأصيل، فكان هذا أمرًا جاذبًا للشابّ المسلم.
من جملة المباني الإعلاميّة وشعارات الإمام، كان الاستقلال؛ والحريّة؛ والعدالة الاجتماعيّة والعدالة الاقتصاديّة؛ كانت هذه مباني الإمام التي طرحها؛ وهذه كلّها جذّابة.
ومن جملة مباني الإمام هو الخروج من دائرة سلطة أميركا؛ وكان هذا أمرًا جاذبًا للشباب. وأنا أقول لكم، إنّ الخروج اليوم من مخالب سلطة أميركا أمر جذّاب بالنسبة إلى الشباب [حتّى] في البلاد التي لديها معاهدات طويلة الأمد مع أميركا. أي في بلد مثل السعوديّة على سبيل المثال، التي هي في خدمة أميركا، إن استطلعتم آراء الشباب -وهذا معلوم ومجرّب- سترون أنّ كلّ الشباب يمقتون الارتباط بأميركا، ويحبّون الخروج من سلطة الظالمين؛ كانت هذه واحدة من مميّزات [مباني الإمام].
من جملة المباني والشعارات المطروحة من قِبل الإمام، كانت مسألة السيادة الشعبيّة؛ أي أن يكون اختيار حاكميّة البلد في يد الشعب؛ أن يختار الناس ما يريدون في جميع ميادين الحياة. إحدى شعارات الإمام كانت إيمان الشعب بذاته وثقته بنفسه، أي إنّه كان يقول للشعب ويكرّر "إنّكم تستطيعون"، "إنّكم قادرون"؛ في العلم، والصناعة، والأعمال الأساسيّة، وفي إدارة البلاد، وإدارة القطاعات المهمّة في البلاد، في الاقتصاد وغيره، أنتم قادرون على الاعتماد على أنفسكم. كانت هذه جاذبيّات شخصيّة الإمام التي استطاعت أن تجذب الشباب. فجاء الشباب والتحقوا بثورة الإمام، وانتصرت الثورة.
قوى كبرى تعادي الثورة؛ وشعوبٌ تتطلّع إليها..
بعد انتصار الثورة التي أحدثت زلزالًا عظيمًا في العالم؛ أحدثت في الواقع انقسامًا في قسم كبير من العالم؛ فكان هناك المؤيّدون للثورة والمعادون لها. أعداء الثورة كانوا عبارة عن القوى الكبرى في ذلك العصر، أي أمريكا والاتّحاد السوفياتي، أو الحركات المختلفة كالحركة الصهيونيّة؛ واللوبيّات في العالم الغربي التي تأتي بالحكومات، وتعزلها، والتي هي صاحبة القرار في المسائل الأساسيّة؛ هؤلاء أصبحوا أعداء للثورة، وظهرت لائحة طويلة من أعداء الثورة. لقد شعر هؤلاء بالخطر؛ لكن في المقابل، أصبح الكثير من الشعوب -الشعوب الإسلاميّة، وحتّى بعض الشعوب غير الإسلاميّة التي اطّلعت على قضايا الثورة- محبًّا ومؤيّدًا لها، وبعضٌ منهم كان مؤيّدًا فعّالًا جدًّا للثورة؛ وهذا ما شاهدناه في البلدان المختلفة، وما زال مستمرًّا حتّى يومنا هذا.
وبالطبع، بدأت ردّات الفعل من اليوم الأوّل. وحتمًا كانت القوى الكبرى في البداية مذهولة ومصدومة، ولم تستطع معرفة ما يجري. وبعد أن أفاقت وصحت من هذا الذهول، بدأت منذ اليوم الأوّل عداواتها ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة، وكلّ العداوات التي جرت على امتداد ثمانية وثلاثين عامًا، كانت مدروسة ومخطّطًا لها؛ بالطبع، هناك عداوات أخرى لم تكشف عن نفسها، وكانت منذ اليوم الأوّل إلى الآن، مشغولة في مجامعها بالتفكير والتخطيط والتنسيق. وأقول بنحو مختصر إنّ عداواتهم، بحمد الله، قد مُنيت بالفشل. وانتصر الشعب الإيراني في هذه المدّة على كلّ هذه العداوات. وهذا ما سيحصل أيضًا فيما بعد بعونه تعالى.
مرحلة الامتحانات.. والانتصارات الكبرى
أشير هنا بين هلالين، إلى مسألة مرتبطة بمرحلة الستينات من هذا القرن (الثمانينات الميلادية)؛ أي بالعقد الأوّل لانتصار الثورة، الموافق لحياة الإمام المباركة.
أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء! لقد كانت مرحلة الستّينات من هذا القرن مرحلة مظلومة؛ كانت مرحلة حاسمة في مصير إيران والإيرانيّين، مرحلة حسّاسة وبالغة الأهميّة، ومجهولة في الوقت عينه، وكانت مؤخّرًا عرضة لهجوم بعض الأبواق ووسائل الإعلام؛ إنّهم يتهجّمون على مرحلة الستّينات، ومرحلة الستّينات كانت مرحلة الامتحانات الكبرى والانتصارات الكبرى.
مرحلة الستينات كانت مرحلة الإرهاب الأكثر عنفًا في البلاد. ففي ظرف سنوات، استشهد آلاف الأشخاص من عامّة الشعب، ومن المسؤولين، ومن الفئات المختلفة، على يد الإرهابيّين؛ ابتداءً من التاجر العاديّ إلى الطالب الجامعي إلى الناشط السياسي، إلى الشخصيّات الكبيرة التي كان لها دور حاسم وفاعل في الثورة.
بالطبع، أنا لن أذكر عددًا معيّنًا، [لكن] قيل إنّ العدد وصل إلى سبعة عشر ألف إنسان. سبعة عشر ألف من الناس الشرفاء، وذوي الشخصيّات المرموقة ذهبوا ضحيّة الإرهاب في تلك الحقبة، من بينهم شخصيّات أمثال الشهيد مطهّري والشهيد بهشتي؛ أي أشخاص قلّما يجود الزمان بمثلهم في بلد ما على امتداد الزمان، ويمكنهم أن يكونوا من المقرّرين لمصير البلدان.
لا تبدلوا مكانَ كلٍّ من "الشهيد" و"الجلّاد"!
مرحلة الستينات هي مرحلة الحرب المفروضة، أي إنّ ثماني سنوات من العقد الأوّل للثورة والسنوات العشر المباركة التي عاشها الإمام العظيم بعد الثورة، قد غدت حربًا مفروضة على الشعب الإيراني. لاحظوا كم أنّ هذا صعب! ومرحلة الستيّنات هي مرحلة الحظر الأشدّ صعوبة؛ لقد حظروا علينا كلّ شيء؛ حظر وراء حظر ضدّ البلد، وضد مراكزنا الاقتصاديّة، وضد حكومتنا؛ كانت مرحلة المفاخر والانتصارات الكبرى، ومرحلة القتال ضدّ الانفصاليّين؛ لقد حرّكوا الجماعات في مختلف أنحاء البلاد، أمدّوهم بالمال والسلاح من أجل أن يثيروا القلاقل ويقاتلوا نظام الجمهوريّة الإسلاميّة ويقسّموا البلد. مرحلة الستّينات كانت المرحلة التي حصلت فيها مثل هذه الحوادث الكبرى.
وفي مرحلة الستّينات وقف الشعب الإيراني وشبابنا بقوّة وانتصروا على كلّ هذه [الصعوبات]. وهذه مسألة بالغة الأهميّة. إنّني أوصي أهل الرأي والفكر الذين يحكمون على مرحلة الستّينات أن لا يبدّلوا مكان كلٍّ من "الشهيد" و"الجلّاد"!
في مرحلة الستّينات ظُلم الشعب الإيراني؛ الإرهابيّون والمنافقون والداعمون لهم والقوى التي أوجدتهم وكانت تنفخ الروح فيهم دومًا، قد ظلموا الشعب الإيراني، وأساؤوا إليه، وجعلوه في موضع الدفاع، لكنّه دافع وانتصر وأحبط مؤامراتهم بحمد الله تعالى. كان هذا فيما يتعلّق بحقبة الستّينات. حيث وقف شبابنا، ووقف إمامنا العظيم بذلك الوجه النورانيّ، وذلك القلب المؤمن بالله، وذلك العزم الراسخ، وتغلّبوا على كلّ هذه المشاكل.
رحل جسد الإمام، أما روحه: حيّة.. جاذبة!
رحل الإمام، وبعد رحيله أمِل بعضٌ بأن يتمكّن من ثني الناس عن نهجه، ولم يستطيع بحمد الله تعالى. مضت سنوات على رحيل الإمام، وراح بعضٌ في الخارج وعملاؤهم في الداخل يتحيّنون الفرص، ويحلمون بأن تكون الثورة قد غفلت، هرمت، تعطّلت وبطل مفعولها، فيتمكّنوا [حينذاك] من الهجوم ويعيدوا ذلك النظام، الذي كان حاكمًا قبل الثورة، إلى الحكم من جديد، [ولكن] لم يستطيعوا. ما هي علّة هذه الإخفاقات؟ إنّها جاذبية الإمام العظيم، جاذبيّة مباني وأصول الإمام التي أوجدها في البلد. وسأتناول هذا الموضوع فيما بعد؛ لقد رحل جسد الإمام من بيننا، إلّا أنّ روحه موجودة؛ فروح الإمام حيّة، ونهج الإمام حيّ، ونَفَس الإمام حيّ في مجتمعنا. تلك الجاذبيّات التي كانت موجودة في حياته الظاهريّة، وهي كالمغناطيس تجذب الناس والشباب والقلوب إليه، ما زالت موجودة اليوم. إنّ اسم الإمام هو حلّال للمشاكل، هذا فضلًا عن أنّ أصول الإمام لا تنتهي ولا تبلى بمرور الزمان. هذه الأمور موجودة. وعليه، فإنّ شعار العدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وشعار الاستقلال، والحريّة، وشعار السيادة الشعبيّة، والخروج من دائرة السلطة الأمريكيّة والقوى العالميّة، ما زالت اليوم أيضًا شعارات جذّابة لشعبنا وشبابنا.
قوّة الثورة في التعبئة والاستقطاب
إنّنا حتمًا وللإنصاف متأخّرون في تحقيق بعض هذه الشعارات. إنّنا متأخّرون في موضوع العدالة الاجتماعيّة، ومتأخّرون فيما يتعلّق بتحقّق المباني والأصول الإسلاميّة؛ لا ننكر هذا، لكنّ هدفنا، ومقصد همتنا هو ما حدّده الإمام العظيم، إنّنا نسعى وراء هذه الأهداف؛ وهذا أمر جذاب لجيلنا الشابّ؛ وليس فقط لجيل الشباب في بلدنا، بل لجيل الشباب في البلدان الأخرى، وخاصّة في البلدان الإسلاميّة؛ هذه هي قوّة الثورة في التعبئة ؛ ما أريد قوله إنّ على المسؤولين في البلاد، والناشطين السياسيّين أن لا يغفلوا عن قدرة الثورة هذه على التعبئة؛ فهذه نعمة كبيرة للغاية، هذه النعمة التي حظي بها بلدنا وشعبنا؛ إن للثورة القدرة على التعبئة؛ ويمكنها توجيه الشباب وذوي العزم والإرادة من الناس، والطيّبين العقلاء منهم نحو الأهداف العليا والسامية، وهدايتهم باتّجاهها والتقدّم بهم؛ فما من قوّة دافعة بعظمة وقوّة الثورة وشعاراتها؛ إنّنا اليوم بحاجة إلى هذا الأمر، وسنحتاجه إلى سنوات طويلة قادمة.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! إن أعداءنا ليسوا جالسين وعاطلين من العمل، صحيح أنّهم لم يتمکنوا حتى الآن من توجيه ضربة كبرى وأساسية لنا؛ لقد تقدّمنا وتطوّرنا، وتمكنّا من إنجاز أعمال كبيرة.
هل يوجد وقاحة أبشع من هذا؟
ولكن العدو يكمن لنا؛ انظروا إلى أين وصلت وقاحة العدو. يقف الرئيس الأمريكي في نظام قبلي متخلف منحط بالكامل إلى جانب رئيس القبيلة ويرقص معه رقصة السيف، ثم يعترض على أربعين مليون صوت أدلى بهم الشعب الإيراني في انتخابات حرة!
أعداء بهذا المستوى من الوقاحة والتهتك وقلة الحياء، يقفون إلى جانب من يقتلون الناس في الشوارع والأسواق في اليمن ليلًا ونهارًا، ثم يتحدثون عن حقوق الإنسان؛ هل هناك وقاحة أكبر من هذه؟ إنهم يقصفون اليمن في الليل والنهار منذ حوالي سنتين ونصف السنة؛ لا يقصفون المواقع العسكرية في اليمن، بل المناطق المدنية والناس العزّل في الأزقة والأسواق والمساجد والمستشفيات والبيوت. يقتلون الأبرياء، يقتلون النساء والأطفال والكبار؛ ثم يذهبون ويقفون إلى جانبهم ويتبادلون المديح والغزل بعضهم ببعض ويتشدقون باسم حقوق الإنسان، ويفرضون الحظر على الجمهورية الإسلامية بسبب حقوق الإنسان. فهل يوجد وقاحة أبشع من هذا؟ نحن وفي مقابل عدوّ كهذا نحتاج إلى قدرة الثورة على التعبئة والاستقطاب.
أكرِموا الثورة وعظّموها! أنتم المخلصون الحريصون على البلاد والشعب، أحيوا قيم الثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ البلاد بحاجة لهذا الأمر. فلا يكون الوضع أن ننسى تلك القيم السامية ونغفل عن الثورة الإسلامية ،لمصلحة الأهداف قصيرة الأمد وفي غمرة التحولات المختلفة على صعيد السياسات الراهنة والعابرة والأحداث اليومية.
العقلانيّة الحقيقيّة هي في الروح الثوريّة
إذا أردنا اليوم أن نتقدم في ميدان العلم، في ميدان السياسة، الاقتصاد، إذا أردنا القيام بأعمال كبرى، نحتاج إلى تلك الجرأة والثقة بالنفس التي تمنحها الثورة للشعب. فلا تزيلوا تلك الجرأة والثقة بالنفس، لا تقوموا بإضعافها. الشعب الإيراني اليوم بحاجة إلى هذه الثقة بالنفس؛ شبابنا اليوم جاهز للمضي في الطرق الكبيرة، مستعد للمشاركة في الأعمال العظيمة، مستعد للنزول إلى الميدان. إنني أقول لكم: لدينا في البلاد ملايين الشباب الجاهزين، فيما لو تكررت تجربة مثل تجربة سنوات الستينات، فسوف ينزلون إلى الساحة بمنتهى الاقتدار وعزة النفس والشجاعة والعزم ولسوف يحرسون البلاد ويحافظون عليها.
في بعض الأوقات، أسمع البعض يطرحون مفهوم وعنوان "العقلانية" في مقابل شعارات الثورة؛ وكأن العقلانية هي النقطة المقابلة للثورية؛ كلا! هذا خطأ؛ العقلانية الحقيقية أيضًا كامنة في الروح الثورية. النظرة الثورية هي التي تستطيع أن تُظهر لنا الحقائق. انظروا وتأملوا! متى أطلق الإمام الخميني على أمريكا لقب "الشيطان الأكبر" وتحدث عنها كموجود وحكومة غير جديرة بالثقة؟ هذا ما علَّمه إمامنا الخميني العظيم لشعب الإيراني –علّمه لنا- قبل سنوات طوال؛ اليوم وبعد مضي كل تلك السنوات، يقول رؤساء البلدان الأوروبية إنّ أمريكا غير جديرة بالثقة ولا يمكن الاعتماد عليها!
(كما يقول الشاعر)
ما يشاهده الشاب في المرآة يراه الشيخ في الطين البسيط!
هذه هي العقلانية. العقلانية هي أن هذه الفكرة والعبارات التي يطرحها اليوم رؤساء البلدان الأوروبية بأنه لا يمكن الوثوق بأمريكا، كان الإمام الخميني قد قالها قبل أكثر من ثلاثين سنة. ونحن جرّبنا هذه المسألة واختبرناها بأنفسنا؛ في الحقيقة والواقع الأمريكيون غير جديرين بالثقة؛ الأمريكيون ليسوا أهلًا للثقة في جميع القضايا والمجالات؛ إن شاء الله من الممكن أن أتكلم عن هذا الموضوع في فرص أخرى.
لكنّ درب الإمام وكلماته وأفكاره حيّة ومستمرّة
هذه هي العقلانية؛ معنى العقلانية هو أن يعرف الإنسان الأصالة والأشياء الأصيلة؛ العقلانية معناها الاعتماد على الشعب والطاقات الداخلية. العقلانية هي الاعتماد والتوكل على الله العلي العظيم. ليست العقلانية في أن يعود الإنسان بعد التحرر من مخالب الهيمنة الأمريكية والاستكبار إلى الاقتراب منها مجددًا. هذه ليست عقلانية؛ العقلانية هي ما كان عند الإمام؛ العقلانية هي ما تقوله لنا الثورة.
وألخّص المطلب لأقول: إن أكبر درس علَّمنا إياه الإمام العظيم هو درس الروح والفكر والعمل الثوري؛ وهذا ما ينبغي أن لا ننساه. الإمام ليس تراثًا ثقافيًا! بعضهم ينظر إلى الإمام الخميني وكأنه تراث ثقافي. الإمام الخميني حيّ، الإمام هو إمامنا؛ الإمام هو رائدنا؛ الإمام يقف أمامنا. أجل، إن جسم الإمام غير موجود، لكن درب الإمام وكلماته وأفكاره وأنفاسه حية ومستمرة. انظروا للإمام بهذه العين وتعلموا منه دائمًا.
..وللتسوية أيضًا تكاليف
بعضهم يرى العقلانية بشكل آخر ويقول: "إن تحدّي القوى الكبرى مُكلف"؛ بالطبع هو يرتكب خطأً. نعم، التحدّي له تكاليف، لكن التسوية [الاستسلام] أيضًا لها تكاليف.
انظروا إلى الحكومة السعودية؛ لأجل إرضاء الرئيس الأمريكي الجديد تضطر لصرف أكثر من نصف احتياطاتها المالية لخدمة أهدافه وطبقًا لرغبات أمريكا. أليست هذه تكاليف؟ التسوية أيضًا لها تكاليف. إذا كان التحدي عقلانيًا ومتطابقًا مع المنطق وعلى أساس الثقة بالنفس فإن تكاليفه أقل بكثير من تكاليف التسوية. لقد تحدثت سابقًا –وإن شاء الله سأتعرض لهذا الموضوع في لقاءات تالية – بأن الوضع ليس أن القوى المتآمرة والمعتدية تقتنع بحد وتقف عنده؛ هذا ما شاهدناه وخبرناه في تعاملنا وتجاربنا خلال هذه الأعوام الأخيرة. يضعون حدًّا معينًا، وعندما تتراجعون إلى هذا الحد، فإنهم يبدأون فورًا بطرح مطالب جديدة. ومن خلال هذه الضغوطات يجبرونكم على إعطائهم مطالبهم الجديدة؛ وهذه السلسلة ستستمر بهذا الشكل؛ هذا الابتزاز لا يتوقف.
الروحيّة الثوريّة حاجةٌ للبلاد
الروحية الثورية تعني أن لا يجعل مسؤولو البلاد هدفهم إرضاء القوى المستكبرة؛ بل أن يجعلوا هدفهم إرضاء الناس والشعب والاستفادة من الطاقات الوطنية الداخلية وتقوية العناصر الفعّالة في داخل البلاد. هذه هي النزعة الثورية. معنى الثورية هو أن لا يستسلم البلد ومسؤولوه لأيّ هيمنة وتسلّط. أن لا يستسلموا لردّ الفعل ولضعف النفس. أن لا يرضخوا ويقبلوا بمنطق القوة والابتزاز من الطرف المقابل، وأن لا تنطلي أخاديعه وحيله عليهم- هذه القوى الكبرى وعلى الرغم من أنها متجبرة ومتسلطة ولديها الكثير من الأسلحة، إلا أنها لا تترك الخداع والاحتيال أيضًا وأينما تتاح الفرصة لهؤلاء الأعداء، فإنهم أهل الخداع والمكر والاحتيال والمماطلة والتزوير وما شابه- هذا هو معنى النزعة الثورية.
لبّ كلامي هو هذا: أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات، أيها الشباب الكرام في كل أرجاء البلاد، أيّها المسؤولون المحترمون في البلاد، اعلموا جميعًا أننا اليوم بحاجة إلى الروحية الثورية والمسار الثوري والشعارات الثورية وإلى أصول ومباني ثورة إمامنا العظيم. البلد بحاجة لهذا الأمر. فلا ترفضوا النزعة الثورية بحجّة أنها تطرّف وما إلى ذلك، الثورية هي حاجة حالية للبلاد. هذا هو الدرس الذي أعطانا إيّاه الإمام العظيم، ويجب علينا الاستفادة من هذا الدرس. هذا هو بحثي الأول وبحثي الأصلي والأساسي.
41 مليون "نعم" لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة
أما بالنسبة إلى الشؤون الداخلية فسأتناولها بعبارات مقتضبة. من القضايا المهمة جدًا قضية انتخابات رئاسة الجمهورية التي جرت قبل أسبوعين. يجب عليّ –أنا العبد- أن أشكر من صميم القلب وفردًا فردًا، كل الذين شاركوا وأدلوا بأكثر من 41 مليون صوت في صناديق الاقتراع. حقًا لقد كان عملًا عظيمًا؛ كانت هذه الانتخابات والمشاركة هيبة وعنفوانًا للبلاد ولنظام الجمهورية الإسلامية ودليلًا على ثقة الشعب بهذا النظام. أن تقوم أكثرية تصل إلى سبعين ونيف في المئة من أبناء البلاد وتقول "نعم" لنظام الجمهورية الإسلامية وتؤيده وتثق؛ به إنه أمر مهم للغاية.
طبعًا ينكر البعض هذا الأمر-ونقول للأسف وبسبب فهم منحرف أو لا ندري ماذا نقول عنهم - ويقولون "إن أصوات الشعب لا علاقة لها بالنظام الإسلامي وهذا ليس تأييدًا للنظام الإسلامي"! كلا يا سيدي العزيز! إنها تأييد للنظام الإسلامي. حتى أولئك الذين قد يحملون في قلوبهم عتبًا على النظام الإسلامي، عندما يصوتون في الانتخابات في إطار النظام الإسلامي، فمعنى ذلك أنهم يقبلون هذا الإطار ويعتبرونه كفوءًا ويثقون به. هذه الأصوات التي قاربت ال 42 مليون صوت، أكثر من سبعين في المئة، إنها أصوات لصالح النظام الإسلامي ودليل ثقة بالنظام الإسلامي. لقد كانت الانتخابات حدثًا في غاية الأهمية.
لحسن الحظ، فإنّ مجلس صيانة الدستور المحترم أعلن عن تأييده لصحة الانتخابات. وبالطبع تم الإعلان عن وجود مخالفات ووصلتنا تقارير تفيد بوقوع مخالفات، يجب متابعة هذه المخالفات، على الرغم من أنها مخالفات لا تؤثر على نتائج الانتخابات. لكنها في النهاية مخالفة ولا تليق بنظام الجمهورية الإسلامية. يجب على المسؤولين متابعة هذه المخالفات وتحديد مرتكبيها ،كي تزول مثل هذه المخالفات من الانتخابات – حيث تنتظر هذا الشعب انتخابات عديدة قادمة- فلا تتكرر. عندما نغمض أعيننا ونغض الطرف عن المخالفات، فإن هذه المخالفات سوف تتكرر. يجب منع حدوث هذه المخالفات. كذلك أتقدم بالشكر من كل مسؤولي البلاد الذين أجروا الانتخابات وأشرفوا عليها.
لا يكرّروا حصل في الانتخابات
بالتأكيد لقد حدثت في الدعايات والمناظرات الانتخابية أمورٌ وأطلقت كلمات وحصلت أحيانًا حالات سوء أخلاق ووجهت اتهامات أحيانًا لبعض الإدارات والقطاعات المختلفة في البلاد؛ هذه كلها لم تكن أعمالًا وتصرفات جيدة، ما حدث قد مضى؛ ويجب التوقف الآن عن هذه الأمور. ليتنبه الجميع: ليغضوا الطرف عمّا حصل في الانتخابات ولا يكرّروه. أي إن جماهير الشعب -سواء تلك المجموعات التي فاز مرشحها أو التي لم يفز مرشحها للرئاسة- يجب أن تُظهر استيعابًا وحلمًا -والحلم بمعنى التحمّل والأناة وسعة الصد- ولا يبرزوا ضيقًا وتوترًا. البعض إن فاز في قضية من القضايا يُظهر عدم توازن وعدم أناة وقلة تحمل للآخرين، ويقوم بالأمر نفسه أيضًا إذا خسر! كلا، يجب على الإنسان إذا ما نجح ووصل إلى هدفه أو إذا لم يصل ، أن يبدي أناة وحلمًا وتحملًا. لحسن الحظ فقد أبدت الجماهير في هذه السنة حلمًا وتحملًا، الذين لم ينجحوا أبدوا صبرًا وسعة صدر، بخلاف سنة 88 [2009 م] حيث ورّط البعض البلاد بكل تلك المشكلات.
..نحو بلدٍ مقاومٍ قادرٍ على الصمود
توجد قضية أخرى أطرحها هنا باختصار ومن الممكن أن أتناولها في المستقبل إن شاء الله بمزيد من التفصيل، هي أن تهتم الحكومة المحترمة بالإنتاج وتوفير فرص العمل اهتمامًا خاصًا على الصعيد الداخلي. طبقًا لدستور البلاد يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات وإمكانيات واسعة جدًا؛ وهو يستطيع القيام بالكثير من الأعمال الهامة؛ فليستفد من هذه الإمكانيات التي هي تحت تصرفه وليفعّل الطاقات الداخلية ولا يحصل أي تأخير في العمل بالوعود التي أعطيت للشعب. وليقم باختيار المسؤولين في القطاعات المختلفة – الآن في الحكومة الثانية عشرة – من الناشطين الفعّالين والمثابرين والمتابعين للعمل بدقة وقوة، بحيث تتمكن قدراتهم من إنجاز الأعمال إن شاء الله. إذا أظهر أحد القطاعات لا سمح الله - القطاعات الاقتصادية وغير الاقتصادية - عدم كفاءة فإن ذلك سيحسب على عدم كفاءة النظام، وهذا ليس من الإنصاف، فالنظام كفوء، وعلى القطاعات المختلفة أن تستطيع التقدم إلى الأمام بشكل مواكب ومنسجم مع حركة النظام. يجب على المسؤولين أن يجعلوا البلاد مستعدة ومقاومة في مواجهة الحظر الأمريكي. أنتم ترون وتسمعون أن الأمريكيين يطلعون كل يوم، وبمنتهى الوقاحة، بكلام جديد ويعزفون نغمًا جديدًا! ينبغي أن يكون البلد مقاومًا وقادرًا على الصمود في مقابل ما يقومون به. ليأخذ مسؤولو البلاد هذه المقاومة الاقتصادية والثقافية والسياسية والشاملة بعين الاعتبار وبكل جدية.
كذلك على صعيد القضايا العالمية، يجب أن يُسمع من البلد صوت واحد. ليتنبه كل مسؤولي البلاد المحترمين لهذا. في القضايا الدولية المهمة ينبغي أن يُسمع من داخل البلاد صوت واحد قوي، ولا تُسمع أصوات مختلفة عن المسؤولين. وقد يكون للكاتب الفلاني أو الشخص الفلاني الذي يعمل في الفضاء الافتراضي آراء أخرى، لا أهمية لذلك، إنما على مسؤولي البلاد أن تكون كلمتهم واحدة وصوتهم واحدًا.
الجرائم المستمرّة.. منتهاها الانتقام الإلهي!
وأتحدّث هنا بعبارات عن القضايا الخارجية. للأسف يعاني إخواننا في بعض البلدان من مشكلات ومصائب شديدة في شهر رمضان المبارك؛ في اليمن، في سوريا، في البحرين، في ليبيا، يعاني المسلمون من هذه المشكلات العظيمة وهم صائمون. في اليمن تقصف الحكومة السعودية اليمن ليلًا ونهارًا، وتفرض الضغوط على الناس قهرًا، وبالتأكيد فإن السعوديين يرتكبون خطأ كبيرًا. أقولها من هنا، لتعلم الحكومة السعودية أنها لو استمرت عشر سنين أو عشرين سنة أخرى بهذا الأسلوب مقابل الشعب اليمني، فإنها لن تنتصر على هذا الشعب. إنها جريمة ترتكب ضد شعب بريء لا ملجأ له، ولا شك في أنها لن تصل إلى نتيجة، سوف يزيدون فقط من أوزارهم ومعاصيهم في الدنيا أمام الناس وأمام الله تعالى وأمام الكرام الكاتبين، وسيجعلون الانتقام الإلهي ضدهم أشدّ وأفظع.
كذلك الأمر في البحرين أيضًا. إن حضور الحكومة السعودية في البحرين أيضًا هو حضور غير منطقي. قضايا البحرين خاصة بشعب البحرين، يجب أن يتحاور الشعب البحريني نفسه مع حكومته ويصلوا إلى نتيجة. لماذا يجب أن ترسل دولة أجنبية قوات عسكرية إلى هناك وتتدخل في شؤونهم وترسم لهم السياسات؟ هذه أعمال غير منطقية وغير عقلانية وتسبب المشكلات للبلدان وللشعوب. بحيث يريدون فرض إرادتهم على شعب من الشعوب فهذا خطأ منطقيّ وغير مجد عمليًا وسيؤدي في النتيجة إلى خزيهم وسواد وجوههم، ولن يصلوا إلى أيٍّ من أهدافهم. لن يصلوا إلى أيّ نتيجة حتى بعد هذه الرشوة التي أعطوها لأمريكا بمئات المليارات لاسترضائها ومواكبتها لهم .
النار التي أوقدوها بأيديهم.. تحرقهم
والحال نفسه بالنسبة إلى قضايا سوريا. إن تدخّل البلدان الأجنبية في سوريا مخالف لإرادة الحكومة السوريّة والشعب السوري وهو عمل غير قانوني؛ نحن نرى أن المشاكل في سوريا أيضًا يجب أن تعالج بالحوار. في سوريا وفي البحرين وفي اليمن وفي كل مكان من العالم الإسلامي، يشن الأعداءُ حروبًا بالوكالة ويشعلون الصراعات بين الناس، يتمثل الحل في أن يجلس الناس معًا ويجتمعوا ويتحاوروا ويتفاوضوا وأن لا يتدخل الآخرون ولا ترسل الأسلحة من الخارج إلى داخل البلدان بهذا الشكل الذي تلاحظونه. إن "داعش" اليوم تُطرد من محل ولادتها، أي من العراق وسوريا، وتذهب إلى بلدان أخرى، إلى أفغانستان وباكستان وحتى إلى الفلبين والبلدان الأوروبية وأماكن أخرى. إن هذه النار التي أوقدوها هم بأيديهم، قد امتدت إليهم لتحرقهم.
لقد استطاع الشعب الإيراني، بتوفيق إلهي، أن يواصل عمله ويتقدم إلى الأمام على كل الأصعدة وفي كل القضايا بمنطق وعقلانية وعزم وإرادة راسخة، وفيما بعد، سوف تنتهي كل التحولات السياسية في البلاد لصالح المثل العليا والأهداف الكبرى لهذا الشعب وتحقق انتصاره بتوفيق من الله وهدايته وإذنه. وأقول لكم وعلى أساس 38 سنة من التجارب، إن غد هذا الشعب سيكون بتوفيق الله أفضل من حاضره بأضعاف مضاعفة إن شاء الله.
اللهم! أنزل رحمتك وفضلك عند عصر هذا اليوم من شهر رمضان على هذه الجماهير الصائمة وهذه البطون الجائعة وهذه الشفاه الظامئة.
اللهم ! بحق محمد وآل محمد، انصر الشعب الإيراني وارفع رأسه في كل ساحاته المهمة.
اللهم ! اجعل إمامنا العظيم الذي لا تزال روحه وأنفاسه حية بيننا، أكثر حضورًا وحياةً يومًا بعد يوم.
اللهم! اشمل الشهداء الأعزاء لهذا الشعب وشبابه المضحي بلطفك وفضلك.
اللهم! وفق مسؤولي البلاد لخدمة هذا الشعب العظيم.
ارض عنا القلب المقدس لولي العصر (أرواحنا فداه) وسرّه منا.
اللهم! اجعل دعاء ذلك العظيم يشمل حال الشعب الإيراني وحال هذا الحقير، وأنر أبصارنا بجمال صاحب الزمان.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.