قائدنا :: مع الإمام الخامنئي: المسجد نواة المقاومة
إنّ إمامة الصلاة ليست المسؤوليّة الوحيدة لإمام الجماعة؛ بل هي إحدى مسؤولياته؛ فإمامة الصلاة والجماعة عنوان لمسؤوليّات عديدة، هي: إقامة الصلاة، إقامة الحقّ والعدل، إقامة الدين وإبلاغ الأحكام الدينيّة. إنّ إمام الجماعة هو محور المسجد، وهذا ما يجعل إحساس الإنسان نحوه يتضاعف ويشتدّ.
* اجتماع الناس حول محور الصلاة
ترشح من بركات المسجد مسائل مهمّة، أولاً: اجتماع الناس حول محور الصلاة والذكر، بحسب رؤية الإسلام. وعليه، فإذا تمّ القيام في المسجد بعمل اجتماعي أو التعاون في عمل خير (كأن يُقرّر الناس مثلاً تأسيس تعاونيّة للفقراء) فإنّه سيكون -بالالتفات إلى إقامة الصلاة والذكر- أمراً في سبيل الله وحول محور الصلاة. إذا جرت التعبئة في المسجد أيضاً للانطلاق لمواجهة العدو، ستكون هذه الحركة جهاداً في سبيل الله، بناءً على أمر الله وعلى أساس ذكر الله.
فمن الابتكارات المهمّة لإمامنا الخميني العظيم قدس سره أنّه جعل المساجد محوراً للحركة في الأيّام الأولى للثورة. كلّ شيء، في تلك الأيام، كان غير مرتّب وغير واضح وكان هناك حاجة إلى مركز للتنظيم، وإلى نواة مركزية. وقد جعل الإمام { المساجد هي المركز منذ الأيام الأولى وحتى قبل إعلان انتصار الثورة. في الحقيقة كانت تُنجز كل أعمال البلاد في المساجد. وللمسجد مثل هذه الخاصيّة؛ لأنّه قائم على أساس الذكر والنظرة الإلهيّة والتوجّه الإلهي وما شابه. هذه نقطة مهمّة، اجتماع الناس حول محور ذكر الله.
* قاعدة للنشاطات
ثانياً: إنّ المسجد مكانٌ مناسبٌ ليمثّل قاعدة لمختلف الأنشطة الاجتماعيّة. وعلى كل واحد في المجتمع الإسلامي واجب ومسؤوليّة وأعمال لتقدُّم المجتمع، ولأجل الأمة. فالمسجد هو مكان ضخّ الأفكار ونشر الواجبات المختلفة وتوجيه الناس نحو أعمال متنوعة، والقيام بالنشاطات الاجتماعيّة وهو قاعدة للفعاليّات الاجتماعية أيضاً.
* سورٌ ثقافيّ يحفظ الإيمان والجهاد
ثالثاً: هناك مسألة أخرى حول المسجد وهو كونه نواة للمقاومة الأعلى والأسمى من العسكرية والأمنية وهي: المقاومة الثقافية. فإذا ضعف السور والمتاريس الثقافيّة، سنخسر كل شيء. اليوم وبعد مرور أكثر من 37 سنة على انتصار الثورة، فإن نوايا ودوافع العدو للتسلل واختراق السور الثقافي زادت وتضاعفت عن الأيام الأولى، كذلك الأساليب التي ينتهجها العدوّ مِن: وسائل وأدوات الفضاء الافتراضي، والإعلام، والإعلانات والفضائيّات وأمثالها؛ قد تزايدت، فأهداف حركة الأعداء وأمواج هجماتهم تستهدف إيمان الناس الدينيّ. وهم يواجهون الجمهورية الإسلامية وسياستها بسبب هذا الإيمان الدينيّ؛ لأنّهم يعلمون جيداً؛ أنّه لولا الإيمان الدينيّ، لما انتصرت هذه الثورة ولما ظهر هذا الزلزال الكبير الذي هزّ أركان نظام الهيمنة في العالم.
إنّ شباب اليوم، إن لم يكونوا متقدّمين على شباب أول الثورة وزمن الحرب، فهم ليسوا أقل شأناً منهم؛ بل أعتقد أنهم متقدّمون عليهم؛ لأنّ الشباب الثوريّ اليوم صامد أمام كلّ هذه الأساليب الإعلاميّة والألاعيب والوسائل المتنوّعة لهدم قواعد الإيمان. والأعداء يريدون القضاء على هذا الإيمان عند الشباب. وهذا السور الثقافيّ هو لحفظ هذا الإيمان.
* المسجد؛ قاعدة للحركة الثقافية
المسجد هو قاعدة كبرى للتعبئة الثقافيّة والحركة الثقافيّة؛ لأنّ اللقاء وجهاً لوجه، والجلوس عن قرب، بحيث تسري أنفاس المتكلّم إلى المستمع، لهما تأثير مختلف جداً، يتجلّى بشكل عام في صلوات الجمعة وأمثالها، لكنه يبرز ويشتدّ ظهوراً في مجالس العزاء ومجالس الوعظ والخطابة واللقاءات المتنوّعة، وتأثيرها يفوق الفضاء الافتراضيّ ويفوق الإذاعة والتلفزيون، وخاصةً على الشباب والمخاطبين. بناءً على هذا، فالمسجد نواة المقاومة، غاية الأمر أنه مركز المقاومة بأنواعها المختلفة: الثقافية والسياسية، وكذلك في الوقت المناسب المقاومة الأمنية والعسكرية. ولقد كانت المساجد هكذا دوماً.
ختاماً، يفيد بعض الإحصاءات أنّ 97% من شهدائنا كانوا من أهل المساجد، هذا كلام مهمّ جدّاً. شهداء من كل الفئات: طالب جامعيّ مسجديّ، عامل مسجديّ، تلميذ ثانوية مسجديّ، كلهم تحرّكوا وانطلقوا من المسجد وتوجهوا نحو ميادين الحرب، حملوا أرواحهم على أكفّهم. إنّ التضحية بالنفس أمر سهل على اللسان، ﴿وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُون﴾، يسهل جدّاً أن يقول الإنسان: "أنا أضحّي بنفسي"، ولكن عندما يواجه الموت بشكل عمليّ، يختلف الأمر، إنّه أمر صعب جداً. رغم ذلك انطلق هؤلاء من المسجد، وقدّموا أنفسهم في سبيل الله. نقطة التحرّك كانت من المسجد؛ هذا أمرٌ ذو قيمة كبيرة وغاية في الأهميّة.
(*) من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه أئمة مساجد محافظة طهران بتاريخ: 21/08/2016م.