كلمة الإمام الخامنئي في مراسم تخريج دفعة من الضباط في جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) التابعة للحرس الثوري_23-05-2016
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي سيدنا أبي القاسم المصطفي محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيما بقية الله في الأرضين.
إنه يومٌ جميلٌ وحلوٌ، بالنسبة لي وأنا في جمعكم أنتم الشباب الأعزاء الثوريين بما تحملونه من قلوب طاهرة وأرواح مفعمة بالدوافع؛ حقاً إنكم تبثون آمالاً كبيرة لمستقبل هذا البلد ومستقبل هذه الثورة.
أتقدم أولاً بالتهاني والتبريك بمناسبة الولادة السعيدة لقطب عالم الإمكان، الإمام المهدي (عجل الله فرجه وأرواحنا فداه)، سائلاً الباري أن يجعلكم جميعاً في هذا اليوم وفي غدٍ من المنتظرين الحقيقيين ومن الأنصار الصادقين لذلك الإنسان العظيم.
تحرير خرمشهر؛ حدثٌ عظيم
كما أن يوم الثالث من خرداد[2] من الأيام التي لا تُنسى، والتي تسطع في تاريخ بلدنا وتاريخ الثورة الإسلامية لإيران العزيزة. هو رمز؛ رمز انتصار الحق على الباطل، رمز القدرة الإلهية ويد القدرة التي أشار لها الإمام الخميني العظيم: إن هناك يد قدرة تحمينا وتدعمنا. هكذا هو يوم الثالث من خرداد ويوم تحرير مدينة خرمشهر، وإني أبارك هذا اليوم لكم أنتم الأعزاء، سواءٌ الذين تخرّجوا ]من هذه الجامعة[، أو الذين تسلّموا رتبهم العسكرية. فقد شرعتم بالسير في طريق صحيح، وسلكتم مساراً محموداً، نسأل الله أن يمنّ عليكم بتوفيقه، للتقدم في هذا السبيل بعمل دؤوب، وعزيمة راسخة، ودافع مضاعف بإذنه تعالى.
بالنسبة لتحرير مدينة خرمشهر، فإن غالبيتكم أنتم الشباب، لم تكونوا موجودين في ذلك اليوم، أو كنتم أطفالاً صغاراً جداً، لقد كان يوم تحرير خرمشهر حَدَثاً عظيماً. ولربما لم تكن مرت بضع ساعات على هذا الخبر، أنا كنتُ متوجّهاً من مبنى رئاسة الجمهورية إلى بيت الإمام (رضوان الله تعالى عليه) للتشرّف بخدمته، حتى نزل الناس وسط الطرقات وصاروا يطلقون الشعارات ابتهاجاً واحتفالاً، نزلوا إلى الشوارع مثل المسيرات والمظاهرات. وحين كانوا يشاهدون سيارتنا، كانوا يتقدمون نحونا ويباركون لنا. أقيم وبشكل عفوي احتفال جماهيري عام في جميع أرجاء البلاد، الأمر كان مهماً لهذه الدرجة.
بالطبع، الناس يومذاك في الأغلب لم يكونوا على علمٍ بمجريات الأحداث التي أدت الى ذلك الفتح، لم يكونوا على اطلاعٍ بتلك التضحيات وتلك التفاصيل، وتلك الجهود المضنية التي لا يمكن تصديقها، الكثير من الناس اليوم أيضاً لا يعرفون ماذا حدث! إنني أوصي الجميع بقراءة الكتب التي تتناول تفاصيل عمليات «إلى بيت المقدس» التي انتهت بتحرير خرمشهر، وكذلك عمليات "الفتح المبين "وسائر العمليات، للاطّلاع على مجريات الأمور.
ذات يومٍ، شبّهتُ الدفاع المقدس بلوحة كبيرة وعظيمة جداً قد نُصبت في الأعلى، ونحن ننظر إليها من الأسفل فتثير إعجابنا واستحساننا، ولكننا إذا اقتربنا منها، وشاهدنا ما في اللوحة من تفاصيل دقيقة وظريفة، وإبداعات فنية، وتفاصيل، وامتزاجٍ بين الألوان المختلفة، والتصاميم المتنوعة، والأنواع المتعددة، لتضاعف إعجابنا عشرات الأضعاف. إن تلك الكتب، إنما تفصّل في حقيقة الأمر جزئيات الأحداث لنا، نحن الذين ننظر إلى هذه اللوحة عن بُعد. حسناً، لقد كانت حادثة عظيمة.
الله هو الذي حرّر..
لكن الأعظم منها هو أن الإمام الخميني (رضوان الله عليه) - ذلك الرجل الإلهي والحكيم الإلهي بالمعنى الحقيقي للكلمة - عندما تحرّرت خرمشهر، وأثمر كل ذلك الجهاد، ورغم كل التعب وعرق الشباب، وكل الشهداء الذين قدّمناهم، وكل المشقات التي خضناها، قال: الله هو الذي حرّر خرمشهر! هذا هو المهم، ما معنى هذا؟ معناه أنكم إذا جاهدتم، ستتنزل قدرة الله لتدعمكم وتساندكم. فإن الجيش الفاقد للدعم، لا يسعه القيام بشيء. وأما الجيش الذي يتمتع بدعم وإسناد وقوات احتياط كبيرة، فهو يستطيع القيام بكل شيء. فإذا كانت دعامة العسكر وقواته الاحتياطية، هي عبارة عن قدرة الله، فهل يمكن هزيمة هذا الجيش ؟ هذا ما علّمنا الإمام وأفهمنا إياه، وأفهمنا بأنكم إذا جاهدتم، ولم تتكاسلوا، وخضتم المواجهة، وبذلتم كل طاقاتكم في الميدان، ستكون قدرة الله مساندة لكم، ولهذا فإن الله هو الذي حرّر خرمشهر. وبهذا المنطق يمكن أن يحرر الله كل العالم الرازح تحت تسلط الاستكبار، وبهذا المنطق يمكن أن تتحرر فلسطين أيضاً، وبهذا المنطق يمكن لأي شعب أن يواجه الاستضعاف، بشرط أن يتحقق هذا المنطق. حين نمتلك هذا المنطق، سنكون تلك القوة التي لا تُقهَر. إن نزلنا إلى الساحة بهذا المنطق، لن يبقى عندنا خوف ورعب، ولن تكون القوى التي تواجهنا بكل ما تمتلكه من قوة عسكرية أو إعلامية أو مالية واقتصادية، مخيفة ومرعبة، لأننا نعتمد على قدرة الله. بالتأكيد فإن قدرة الله لا تدعم الكسالى، ولا تقف مساندة للشعوب غير المستعدة للتضحية، قدرة الله تساند أولئك الذين ينزلون إلى الميدان، ويتحركون ويبذلون الجهود، ويعدّون أنفسهم للقيام بكل شيء، فإن هؤلاء هم الذين يعتمدون على قدرة الله. ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ﴾[3]. هذه آية قرآنية، فإن الله هو مولاكم الذي ينضوي عالم الوجود بأسره تحت قدرته. هذا هو مولاكم والكافرون لا مولى لهم.
في معركة بدر، عندما شرع الكفار بإطلاق الشعارات، وراحوا ينادون بأسماء أصنامهم، أمر النبي المسلمين بأن يقولوا: «الله مولانا ولا مولى لكم»[4]؛ الله هو مولانا وهو حامينا وهو القوة التي نستند إليها، وأنتم لا مولى لكم، وهذا ما تحقق بالفعل.
سبعة وثلاثون، أو ثمانية وثلاثون عاماً ]والأعداء[ يجنّدون كل طاقاتهم لإلحاق الهزيمة بهذه النبتة المباركة، وهذه الجمهورية الإسلامية، وهذه الثورة المجسّدة، ولكنهم لم يستطيعوا، لأنّ «الله مولانا». إن الشعب الإيراني حاضر في الساحة.
..حربُ إرادات
لا تنظروا إلى قلة قابعة في زاوية تمارس النق والتذمر أو تتبع الشهوات! الشعب حاضر في الساحة، مستعد في الميدان. جمعٌ عظيمٌ من أبناء هذا الشعب مستعد لأن يضحّي بنفسه، هذا هو الشيء الذي يؤدي إلى أن تكون قدرة الله هي الظهير والمساند؛ هذه هي الحرب غير المتكافئة.
الحرب غير المتكافئة تعني أن لكلا طَرَفي الحرب مصادر مختلفة بهويات متفاوتة. وتعني أن لكل واحد من الجانبين قدرات ومصادر قوة لا يمتلكها الجانب الآخر. نحن نخوض مع الاستكبار العالمي حرباً غير متكافئة، لماذا؟ قد تكون للاستكبار قدرات لا نمتلكها، ولكننا نحن أيضاً نتمتع بقدرات لا يمتلكها هو، فما هي تلك القدرات؟ إنها التوكل، والاعتماد على الله، والثقة بالنصر النهائي، الثقة بقدرة الإنسان، الثقة بإرادة الإنسان المؤمن، هذه أمورٌ نحن نمتلكها، وبهذا تكون الحرب غير متكافئة.
الحرب غير المتكافئة هي حرب إرادات، الإرادة التي تصمد، هي المنتصرة. فلا تضعفوا إرادتكم في ساحة المعركة. في هذه الحرب سوف يُهزَم أي طرف تتزلزل إرادته لا محالة. فلا تسمحوا لإرادتكم بالضعف، ولا تسمحوا لإعلام العدو ووسوساته بزلزلة إرادتكم وعزيمتكم الراسخة، وحافظوا على هذه الإرادة قوية صامدة، فهذا الضامن للنصر.
جهادٌ "أكبر".. و"كبير"
الحرب العسكرية غير محتملة حالياً، ]أو فلنقل[ إن احتمال اندلاع حربٍ عسكرية تقليدية في بلادنا حالياً ضعيف جداً جداً، لكنّ الجهاد مستمر، الجهاد هو أمر آخر. فالجهاد لا ينحصر بالقتال فقط، الجهاد لا يقتصر على الحرب العسكرية، وإنما يشمل معنى أوسع بكثير. بين حالات الجهاد، ثمة جهاد عبّر الله تعالى عنه في كتابه بـ«الجهاد الكبير» ﴿وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرً﴾[5]، كما في سورة الفرقان المباركة. وقوله ﴿بِهِ﴾ يعني بالقرآن، ﴿وَجَاهِدْهُم بِهِ﴾، أي جاهدهم بالقرآن ﴿جِهَادًا كَبِيرً﴾. وهذه الآية نزلت في مكة. التفتوا جيّداً أيها الشباب الأعزاء! لم تكن في مكة حربٌ عسكرية، ولم يُكلَّف النبي والمسلمون بشنّ حربٍ عسكريةٍ فيها، والمهمة التي كانوا يقومون بها مهمة أخرى، وهي التي أمر الله تعالى بها في هذه الآية الشريفة قائلاً: ﴿وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرً﴾. فما هي تلك المهمة الأخرى؟ هي عمل آخر؛ إنها الصمود والمقاومة وعدم التبعية: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرً﴾. عدم إطاعة الكفار هو الذي عبّر الله تعالى عنه بالجهاد الكبير. وهذا التصنيف يختلف عن تقسيم الجهاد إلى جهاد أكبر وجهاد أصغر: فالجهاد الأكبر الذي يفوق كل أنواع الجهاد صعوبة، هو جهاد النفس؛ ذلك الجهاد الذي يحافظ على هويتنا وباطننا، والجهاد الأصغر، هو مقاتلة العدو، ولكن بين أقسام الجهاد الأصغر، هناك جهادٌ أطلق الله تعالى عليه «الجهاد الكبير»، وهو هذا الجهاد . ولكن ماذا يعني «الجهاد الكبير»؟ يعني عدم إطاعة العدو وإطاعة الكافر وإطاعة الخصم الذي نواجهه في ساحة النزال، وماذا تعني الإطاعة؟ تعني التبعية. ولا يجوز الاتباع في أيّ المجالات؟ في مختلف الساحات والميادين، التبعية في مجال السياسة، في مجال الاقتصاد، في مجال الثقافة، في مجال الفن. فلا تتبع العدوّ في شتى الميادين والمجالات، هذا هو «الجهاد الكبير».
﴿وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلً﴾
إن لعدم الاتباع هذا من الأهمية إلى الحد الذي يوصي الله سبحانه وتعالى نبيه به مراراً وتكراراً. كما في الآية الأولى من سورة الأحزاب المباركة والتي تهزّ القلوب: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم* يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ.. إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمً﴾[6]. فنحن على علمٍ بالمشاكل المحدقة بك، والضغوط التي يفرضونها عليك من التهديد والإغراء ليُرغموك على التبعية، ولكن توجه والتفت الى أوامر الله ونواهيه، ﴿اتَّقِ اللَّهَ﴾، وكن حَذِراً، ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ﴾. وعدم إطاعة الكافرين، هو ذلك الشيء العظيم والمهم الذي يُكلِّم الله سبحانه وتعالى نبيَّه فيه بهذا اللحن والأسلوب.
إذاً ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ﴾، ولكن ماذا عليك أن تفعل؟ ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرً﴾[7]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْـمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرً﴾. لا تتّبع الكافرين، أنت تحمل مشروعاً، وخطة عملٍ، وبرنامج حياة، والوحي الإلهي لم يدعك وحيداً، والقرآن بيدك، والإسلام تحت تصرّفك، والمشروع الإسلامي في حوزتك، فانتهج هذا المنهج. التفتوا إلى أن هذه كلها هي الآيات الأولى من سورة الأحزاب التي جاءت متتالية، حيث قال الله أولاً: ﴿اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْـمُنافِقِينَ﴾، ثم عقّب بقوله: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾، وبالتالي وردّاً على هذا التساؤل في أن هناك مخاطر وضغوطاً، قال: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلً﴾[8]، ففي مواجهة كل الضغوط توكّل على الله. والتوكّل لا يعني أن تترك العمل وتجلس جانباً ليقوم الله بإنجازه بدلاً عنك، وإنما التوكل هو أن تسير، وتعمل عملاً دؤوباً، وتبذل جهدك، ثم كن على يقينٍ بأن الله سيكون في عونك، وهذه هي قضية الجمهورية الإسلامية في الوقت الراهن.
.. العقدة هي عدم "الاتّباع"
إن قضية الجمهورية الإسلامية تكمن في أن العدو المستكبر، يريد إذلال الثورة وإركاعها، ولكن بأي شيء؟ عبر نفوذ ثقافته، وفرض ضغوطه الاقتصادية، وأنواع أنشطته السياسية، وإعلامه الواسع المكثّف، وعملائه الخونة، وهو يصبو إلى زعزعة أجواء الجمهورية الإسلامية لفرض التبعية عليها. وإن الذي يثير غيظ الاستكبار الشديد تجاه الجمهورية الإسلامية، ليس ما يعتنقه الشعب الإيراني من دين الإسلام، بل لأن هذا الشعب وبسبب إسلامه، يرفض الرضوخ للاستكبار واتّباعه، وهذا ما يثير غضب الأعداء. وهو ما يحاولون تغطيته ببعض الأقنعة، غير أن هذه هي حقيقة الأمر. فالملف النووي ذريعة، بل وحتى قضية الصواريخ ذريعة -القضية التي أثاروها وباتوا يكررونها ولكن من دون جدوى فلا يستطيعون ارتكاب أي حماقة في هذا الشأن- ومسألة حقوق الإنسان ذريعة، والأمور الأخرى كلها ذريعة. وإنما القضية تكمن في عدم الاتباع والإطاعة.
فلو أن الجمهورية الإسلامية كانت على استعداد لاتّباع الاستكبار، لتكيّفوا مع صاروخها، وتأقلموا مع طاقتها النووية ومع كل ما تتمتع به في هذا المجال، ولما أثاروا قضية حقوق الإنسان على الإطلاق. غير أن الجمهورية الإسلامية، ومن خلال التعاليم الإلهية، غير مستعدة لأن تتبع العدوّ المستكبر الكافر، وأن تطيع جبهة الكفر والاستكبار. هذا هو السبب الأصلي، وعلى هذا تصبّ كل جهودهم ومساعيهم.
بالطبع، هم يحاولون أن لا يتفوّهوا بذلك، إلا أن تصريحاتهم تفضحهم في بعض الأحيان. فقبل بضعة أيام، عمد أحد المسؤولين الأمريكيين إلى تعداد التهم ضد الجمهورية الإسلامية قائلاً: "الصواريخ وكذا وكذا والإيديولوجية"! فتارة يخرج الأمر من أيديهم، وأحياناً يفضحون أنفسهم. ]الإيديولوجية[ تعني الرؤية والفكر الإسلامي الذي يؤدي بكم إلى أن لا ترضخوا للعدو الكافر ولجبهة الكفر الاستكبار. وهذا ما يوجب العِداء والخِصام، وهو الذي يمنحكم قوّتكم واقتداركم. وهذا الدافع هو الذي جعل الشعب الإيراني عزيزاً منتصب القامة، وهو الذي حافظ على العزيمة الراسخة في أبناء هذا الشعب. الاستقامة والصمود. المحافظة على الهوية الثورية والإسلامية لنظام الجمهورية الإسلامية وللشعب الإيراني، هي التي يشتكي منها العدوّ، ولا حيلة له في ذلك. فقد بذلوا قصارى جهدهم، ليتمكنوا من الاستيلاء على مراكز اتخاذ وصناعة القرار، ولكنهم لم يستطيعوا، ولن يستطيعوا تحقيق ذلك بتوفيق الله وحوله وقوّته.
ميدان أشدّ من الحرب العسكرية!
أنتم الحرس، حرس الثورة. وأبناء الشعب الإيراني كلهم بالطبع حراس الثورة، أو ينبغي أن يكونوا كذلك، إلا أنكم منظمة تفتخر وتسمو بهذا الاسم: قوات حرس الثورة الإسلامية. ولذا ينبغي عليكم أن تدرجوا هذا الجهاد الكبير في أولويات مهامّكم. والأعداء اليوم يموتون بغيظهم حقداً على الحرس الثوري أكثر من أي شيء آخر، وهذا ما يظهر من الأسماء التي يردّدونها، والشتائم التي يطلقونها، والتهم التي يوجّهونها، حيث يُعرّضون الحرس لهذه الأكاذيب والافتراءات أكثر من أي شيء آخر. والسبب في ذلك أن الحرس الثوري قد أثبت صموده واستقامته. فلا تفقدوا هذه الروح وهذا التوجه وهذه الحالة.
أيها الشباب الأعزاء! يا أبنائي الأحباء! الغد لكم، والمستقبل لكم، وأنتم من يجب عليكم أن تحافظوا على هذا التاريخ بعزته، وأنتم من تحملون أعباء هذه المسؤولية على عواتقكم. وهناك ساحات ماثلة أمامكم شبيهة بساحة خرمشهر، لا في ميدان الحرب العسكرية، بل في ميدان أشدّ صعوبة من الحرب العسكرية، علماً بأنه ميدانٌ لا يحمل دمار الحرب، وإنما يستتبع البناء والإعمار، ولكنه يفوق شدة وصعوبة. حين نتحدث عن الاقتصاد المقاوم، يعني أنّ الجانب الاقتصادي في هذه السياسة الكبيرة والأساسية، هو المقاومة الاقتصادية. وأن نقول بأنّ على الشباب المؤمن الحزب اللهي والثوري أن يواصل ويتابع أنشطته الثقافية ذات الاندفاع الذاتي، وندعو جميع القطاعات الثقافية في البلد بأن تتجه بهذا الاتجاه، فهو يشكّل الجانب الثقافي من هذا الجهاد الكبير المتمثل بعدم التبعية. وأن نطالب كل الاستعدادات والمواهب المتاحة في البلد بأن يستثمروا استعدادهم وطاقتهم في خدمة تقدّم هذا البلد، وأن ينزلوا بها إلى الساحة، وندعو رجال الحكومة وسائر المسؤولين أن يرحّبوا بهذه المواهب والاستعدادات، فهو يشكّل الجانب الاجتماعي النشيط من هذا الجهاد الكبير. فإن لهذا الجهاد أبعاداً متعددة: ﴿وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرً﴾[9].
هذا هو كلامنا: ﴿وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾!
وهذا لا يعني قطع العلاقات مع العالم، فإن البعض ومن أجل رفض هذه السياسة الإلهية والقضاء عليها، يدّعون كذباً بأن الثوريين يطالبون بقطع العلاقات مع العالم.. كلا، نحن لا نقول بقطع العلاقات مع العالم، ولا نقول ببناء سورٍ يحيط بالبلد أيضاً، فليكن لهم تردّدهم[10]، وعلاقاتهم، ومبادلاتهم، وأخذهم وعطاؤهم، ولكن من دون أن يغفلوا عن هويتهم وشخصيتهم الأصلية. هذا هو كلامنا: ﴿وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[11]، وليتحركوا بما يتناسب مع ممثل النظام الإسلامي، وليتحدثوا بما يليق بممثل الجمهورية الإسلامية، وليُبرموا عقودهم واتفاقياتهم مع الجميع وأينما اقتضته مصالح البلاد، ولكن عليهم أن يجلسوا إلى طاولة الاتفاق بما يتلاءم مع مندوب وممثل إيران الإسلام وممثل الإسلام، وليتحركوا جميعاً بذكاءٍ وفطنة، فإن هذا الجهاد يتطلب الذكاء ويحتاج إلى الإخلاص. وهو لا يشبه الجهاد العسكري الذي يسطع فيه نجم البعض، ويظهرون كالأبطال بما فيهم الشهداء والأحياء والجرحى - ونحن نفتخر بهؤلاء الشهداء والجرحى والمضحين - وإنما هو جهادٌ قد يبذل المرء فيه جُهداً كبيراً، ولكن من دون أن يعرفه أحد، وهذا ما يحتاج إلى إخلاص.
لقد يئس العدوّ اليوم من أن تتوافر له إمكانية توجيه ضربة قاصمة للنظام الإسلامي، لأنه يعلم بوجود الدافع والإيمان والصدق والجهوزية في الداخل بما فيه الكفاية، ولهذا فهو يائس من تسديد ضربة قاضية، ولكنه غير يائس من النفوذ والتغلغل. وحالياً أدوات النفوذ كثيرة؛ فإنه يحاول أن ينشئ الشابّ الإيراني بالطريقة التي تعجبه ويريدها لنفسه، إذا تربّى الشاب الإيراني على النموذج المقبول لأمريكا والاستكبار، فعندها لن تضطر أمريكا إلى إنفاق الأموال والميزانيات المكلفة لإمرار مشاريعها في إيران، وسيقوم هذا الشاب بنفسه بالخدمة لها كالعبد الذي يعمل من دون مقابل. هكذا يريدون للشاب الإيراني أن ينشأ ويتربى.
"التبيين" واجبُ الجميع
هناك بضعة أشخاص من الفاقدين للهوية والشخصية قد تسبّبت أقوالهم وأفعالهم بأن يقول أحد الأمريكيين قبل بضعة أعوام بعد عودته من إيران إن في هذا البلد جماعة قد امتشقت أسلحتها تنتظر أوامرنا لإطلاق النار! وكان قد انخدع بشرذمة قليلة فاقدة لهويتها وشخصيتها. فإن مشكلة الأمريكيين الكبرى هي أنهم لا يعرفون بلدنا ولا يعرفون شعبنا، بل ولا يمكنهم ذلك أيضا! مشكلة الاستكبار الأساسية هي أنه ينظر إلى الظاهر، إلى الزخارف الظاهرية، ولكنه عاجز عن النظر إلى الحقيقة والباطن. اقتدار الاستكبار أيضاً ليس سوى اقتدارٍ ظاهريٍّ واقتدارٍ على الأجسام، ولا يمكنه إيصال اقتداره على القلوب بالشكل الذي يرغب به. لقد ارتكبوا خطأً، لكنهم غير يائسين من التسلل والاختراق، ويهدفون إلى النفوذ وفتح القلوب وتغيير الأفكار والأذهان.
هذه مسؤولية كبرى على عاتق كل من يخفق قلبه للشعب الإيراني ولهذا البلد، ومنهم أنتم الشباب الأعزاء في الحرس الثوري، ومنظمة قوات حرس الثورة الإسلامية الكبيرة. فإن مهمّتكم لا تتلخّص في القتال والحرب، وقوات الحرس حُرّاسٌ للثورة. بالتأكيد فإن البعد العسكري في قوات حرس الثورة الإسلامية ينبغي ألاّ يضعف على الإطلاق، بل يجب أن يتقدّم ويستمرّ بما يليق بمنظمة عسكرية على أتمّ وجه وبأحدث الأشكال وأكثرها إبداعاً، ولكنّ عمله لا يقتصر على ذلك. فإن واجب التبيين يقع اليوم على عاتق الجميع وعلى عاتقكم أيضاً.
إن إصراري وتأكيدي على التبيين يعود سببه إلى أن جانباً كبيراً من الجهاد الكبير في هذا اليوم مرهونٌ بالتبيين وبيان الحقائق وإنارة الأفكار. فاليوم التنوير واجب. حاولوا بالتعمّق إيصال الأذهان إلى أعماق الحقائق والمسائل. جامعتكم هذه بوسعها أن تقوم بإنجازات كبرى في هذا المجال، وأن تجعل التبيين والتنوير واحداً من برامجها الأساسية، سواءٌ في المنظومة التابعة لها، أو في نطاق أوسع، بحسب ما تسمح لها إمكانياتها.
حفظ الشعارات والتعمّق بها
شعارات الثورة يجب أن تُحفظ، هذا أحد الأهداف، أحد أعظم الأعمال والأقسام في هذا الجهاد العظيم -الجهاد الكبير- هو المحافظة على شعارات الثورة، فإن الشعارات هي التي تدل على الأهداف وتهدينا الى الطريق، هي كالعلامات التي توضع في الطرق لكيلا يحيد المرء عن الجادة، - «اليمينُ واليسارُ مَضَلَّةٌ والطَّريقُ الوُسطي هيَ الجادَّة»[12] - ولا ينحرف إلى اليسار واليمين، ويسلك الطريق القويم والصراط المستقيم؛ هذا هو فن الشعارات ودورها. ولا ينبغي في هذه الشعارات والحقائق الاكتفاء بالأحاسيس والمشاعر، بالطبع أنا أعتبر أن للأحاسيس والعواطف دوراً كبيراً، ولكنها رغم ضرورتها غير كافية. ولا بد أن يكون العمق والتعمّق والنظرة العميقة في جميع هذه الشعارات. اسعوا إلى أن تتعمّقوا في المسائل، إذا غصتم إلى الأعماق، لن تتمكن أي قوة أن تسلب عنكم هذا الإيمان المستقر فيكم. فإن مشكلة أولئك الذين كانوا يوماً أكثر الناس تطرّفاً وانقلبوا في يومٍ آخر مئة وثمانين درجة، هي عدم العمق في إيمانهم. وهؤلاء لهم وجودهم بالفعل، ففي بداية الثورة كان البعض يتسمون بالتشدّد والتطرف لدرجة كانوا لا يقبلون حتى برجال الثورة الرئيسيين والقدامى وذوي السوابق، وكانوا يُشكلون عليهم، ولكنهم في الوقت ذاته كانوا يتسمون بالسطحية، وهذه السطحية هي التي ساقتهم إلى الهاوية فانقلبوا مئة وثمانين درجة، وتغيّرت مسيرتهم. فليكن لديكم عمق وتفكر، غوصوا في أعماق الفكر، واستفيدوا من إرشادات الأساتذة الصالحين في هذا المسير.
من المهامّ الأخرى بناء الكوادر. المستقبل لكم، وبوسعكم في المستقبل أن تقوموا بدور هام في إعداد وإهداء كوادر مؤهلة وصالحة إلى النظام العام والنظام الإداري في البلد. عليكم بتدوين تجارب الثورة المتراكمة والهامة على مدى هذه الأعوام السبعة والثلاثين، فهذا يمثل إنجازاً وبحثاً علمياً وتاريخياً. إننا اليوم بحاجة لأن ننظر نظرة إلى الماضي، وإلى السبل التي اجتزناها، والأعمال التي أنجزناها وأنجزها غيرنا، والتجارب التي طويناها، والمنعطفات المذهلة التي كانت قد اعترضت طريقنا واستطاعت الثورة أن تمضى قُدماً عبر هذه الطرق الملتوية والمختلفة باتجاه أهدافها من دون توقف، وهذا ما يحتاج إلى تدوين وإلى بحث علمي. جامعتكم بالطبع تختلف عن غيرها، خطابي هذا غير موجَّه لجامعتكم فقط، بل موجَّه لكل الجامعات وكل المراكز العلمية والحوزات العلمية، ولكن، حسن، إن جامعة الإمام الحسين هي جامعة الإمام الحسين! وتختلف عمّا سواها، ولهذا يقع على عاتقكم مسؤولية أكبر.
التبيين أساس العمل
هناك نقطة أخرى هي أن تعتبروا" التبيين" هو أساس العمل. إنني أشاهد أحياناً جماعة وأناساً وشباباً قد يتسمون بالإيمان والصلاح، ولكنهم إذا ما عارضوا شخصاً أو اجتماعاً، أثاروا الضجيج والصخب وقاموا بإطلاق الشعارات والهتافات، وأنا أرفض ولا أؤيّد مثل هذه الممارسات التي لا طائل من ورائها، ولطالما أوصيت الذين يقومون بهذه الأعمال ]بالإعراض عنها[ منذ زمن بعيد. أن تشاركوا في مجلس، ولأنكم لا تقبلون بالمحاضر - وقد يكون الحق معكم أو قد لا يكون - تعملون على إفشاله وتعطيله وتخريب الأمور فيه، فهذه ممارسات لا فائدة ولا جدوى فيها. وإنما الفائدة تكمن في التبيين والعمل السليم المتسم بالذكاء والوعي، وهذا هو الذي يحقق النفع والفائدة. أحياناً يقوم البعض بهذه الممارسات عن سوء نية، ويحمّلون مسؤوليتها الشباب المؤمن والحزب اللهي، فكونوا على حيطة وحذر تجاه ذلك.
كلُّ شيء رهن التوجّه والتوسّل..
النقطة الأخيرة في حديثي، هي أن كل ما قلناه، وكلّ ما يجب علينا أداؤه، وكل ما يتأتى لقدراتنا إنجازه، مرهونٌ بتضرّعنا لله سبحانه وتعالى، والتوجه إليه، والإكثار من التوسّل إليه. فإن اتّصال القلوب بالله تعالى، هو ذلك الاتصال الذي لو تحقق، لكان سنداً ودعامة لهويتنا الثورية وعزيمتنا وإرادتنا التي ستمهد السبيل لتحقيق ما ذكرناه.
أيها الشباب الأعزاء! حافظوا على أنسكم بالقرآن، فهناك الكثير ممن هو حافظٌ للقرآن بين شبابنا والحمد لله. اهتموا بحفظ القرآن وتلاوة القرآن والتدبر في القرآن والتأمل في الآيات الإلهية؛ انتبهوا للصلاة وأدائها بشكل جيّد وبتوجّه وبإحساس الحضور أمام الرب. إن حضور القلب يعني أن يكون القلب أثناء الصلاة حاضراً هنا. إذ أحياناً ما نؤدي الصلاة وقلوبنا تجول في مواطن أخرى، وحضور القلب يعني أن تكون قلوبنا هنا وعلى سجادة الصلاة وأن تكون منتبهة إلى الصلاة وأن لا تسرح في مكان آخر. هذا ما ينبغي لكم أنتم الشباب أن تتدرّبوا عليه، وقد يكون صعباً في بادئ الأمر، لكن تدرّبوا وتمرّنوا عليه فيسهل ويصبح عادة لكم. إذا قمتم بالتدريب اليوم، فإنه سينفعكم دوماً، ولكن إن أعرضتم عنه في سنيّ الشباب، سوف يصعب عليكم الأمر إذا ما بلغتم عمر أمثالي. فعليكم بالأنس في الصلاة والقرآن والتوسل وأدعية شهر شعبان والمناجاة الشعبانية. ها هو شهر رمضان أمامنا، فقوموا بتصفية أنفسكم وتطهيرها وتعطيرها بأيامه ولياليه المباركة، إن شاء الله ستتمكّنون من القيام بكل هذه الإنجازات الكبرى.
نحيّي ذكرى إمامنا الخميني العزيز، رحمة الله على ذلك الرجل العظيم الذي فتح أمامنا هذا الطريق، ورحمة الله على الشهداء الأبرار، والتحية لعوائل الشهداء والجرحى.
والسلام عليکم ورحمة الله وبرکاته
[1] في مستهل اللقاء الذي جرى في كلية الإمام الحسين ، قدم كل من القائد العام للعرس اللواء جعفري والأدميرال صفاري مسؤول الكلية تقريرا حول منجزات العمل.
[2] 23/5/1982ذكرى تحرير مدينة خرمشهر
[3] سورة محمد، الآية 11
[4] الخصال، ج2، ص397.
[5] سورة الفرقان، جزء من الآية 52
[6] سورة الأحزاب، الآية الأولى.
[7] سورة الأحزاب، الآية 2
[8] سورة الأحزاب، الآية 3
[9] سورة الفرقان، الآية 52.
[10] موجهاً كلامه الى المسؤولين التنفيذيين والحكوميين..
[11] سورة آل عمران، الآية 139.
[12] نهج البلاغة، الخطبة 16