نظمت هيئة التعليم العالي ندوة بحثية فكرية بعنوان:"خيارات المقاومة أمام التهديدين الصهيوني والتكفيري" حيث استضافت لطرح ومناقشة الموضوع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب الحاج محمد رعد.
استُهل اللقاء بتقديم من وحي المناسبة وقراءة آيات بينات
من الذكر الحكيم، ثم ألقى مسؤول هيئة التعليم العالي د. عبد الله زيعور كلمة مختصرة
عكست رؤية وطريقة تعاطي حزب الله مع ملفات التعليم العالي عموماً وملفات الجامعة
اللبنانية خصوصاً، وشدد على ضرورة النهوض بالجامعة بتحويلها إلى مؤسسة رائدة
تتعاطى البحث العلمي وتصنع وتدعم الأستاذ الجامعي المنتج للمعارف والعلوم.. كما
طالب برفع اليد السياسية عن الجامعة وترك الجامعة لأهلها واعداً برفع قيمة العلم
فيها واعتماد شعار الإنتاج في المواقع التي يشغلها أبناء وأساتذة الحزب.. .
ثم تحدث الحاج محمد رعد ملقياً مداخلة قيمة تناولت
الموضوع المطروح، ونذكر أهم المقاطع التي تحدث فيها مطولاً:
"... ونحن نواجه عدواً وصفه القرآن "ولتجدنّهم أحرص الناس على الحياة" وهم يحملون مشروعاً يريدون له أن يتمدد, لكن أول ما يأخذونه في الاعتبار هو أن يبقى من ينفذ المشروع على قيد الحياة. والشهيد أيضاً يحب الحياة لكن لا ينظر إلى الحياة بنفس منظار الإنسان المادي بل يعتبرها امتدادا أبعد من هذا الوجود الدنيوي، لذلك يطمح إلى الحياة بمداها الأبعد. وما كان للمقاومة ولكل من يحمل هذا الفكر الإسلامي المحمدي الأصيل أن ينهضوا بما نهضوا به من أعباء ومسؤوليات جهادية دون أن يمتلكوا هذه الذهنية والخلفية الثقافية، فنحن في منطقة تتقاطع فيها مصالح الكيان الإسرائيلي مع مصالح الاستكبار العالمي الذي يريد من منطقتنا استقرار يسمح له بتدفق النفط بشكل دائم ويريد استقرار يحفظ مصالح الغرب ولا يتيح بناء قدرات أو إمكانات سياسية أو اقتصادية أو تنموية أو أمنية أو عسكرية تسمح للمنطقة أن تنتفض وتعطل على القوى الاستكبارية مصالحها خصوصاً في الجانب السياسي وفي جانب تدفق النفط نحو دول الغرب، أضف إلى موضوع حماية الكيان الصهيوني وحفظ أمنه فضلاً عن محاولة تطبيع علاقاته وشرعنة احتلاله لفلسطين. هذه المصالح الغربية تتقاطع مع مصلحة الكيان الإسرائيلي الذي يريد أيضاً أن يكون له الدور المتفوق في المنطقة وأن يعكس هويته الثقافية التي كانت دافعاً لزرع الكيان الإسرائيلي في فلسطين... إن ما نواجهه على مستوى المشروع الإسرائيلي المرتبط بالمشروع الغربي والأمريكي تحديداً يجعلنا أمام عدوٍ طامح بإستراتجيته وأمام بيئة عربية مشتتة لا تستطيع المواجهة, لا تستطيع أن تنهض بواجبات التصدي الإستراتجية، فعندما يجتاح العدو الصهيوني بلدنا لا يتوقع أن تتصدى له دول, ولا يقيم لها وزناً, لأن التصدي للمشروع العدواني يحتاج إلى تمويل ويحتاج إلى تجهيز ويحتاج إلى تنظيم وتأطير وتعبئة سياسية وعسكرية ويحتاج كل الدعم اللوجستي المطلوب, والإسرائيلي مطمئن إذ لا يوجد دولة في المنطقة تستطيع أن تؤمن ولا يسمح لها أن تؤمن كل ما ذكرناه، من هنا المقاومة بدأت ظاهرة وتحولت إلى حالة, المقاومة الإسلامية عندما نهضت وتصدت للمشروع الإسرائيلي فاجأته وفاجأت الغرب من ورائه، لا يجوز أن نغفل أن عاملاً أساسياً قد طرأ على المنطقة تنبه له ولمخاطره الكيان الصهيوني هو عامل انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران، ولذلك حاول الإسرائيلي في نفس سياق استراتيجية الغرب أن يمنع تموجات الزلازل من أن تصل إليه..، أراد أن ينتهي من أي وجود مسلح يحمل راية فلسطين ولذلك سارع في اجتياح لبنان وتوهم بأن الإيرانيين لا يستطيعون دعم من يريد أن يقوم بأعباء المقاومة في لبنان، لكن وما إن حصل الاجتياح حتى كانت الأولوية التطبيقية للسياسة الإيرانية في المنطقة دعم المقاومة من أجل طرد الاحتلال الإسرائيلي..، لكن المقاومة الممنهجة التي لقيت دعماً من أصدقاء يعرفون مخاطر التمدد الإسرائيلي ومخاطر المشروع الإسرائيلي ليس على لبنان بل على كل المنطقة ايضاً، ووجود إرادة ذات خلفية ثقافية تشحذ الهمم باستمرار وتسلط الهدف على التكليف الشرعي ووجوب تحقيقه ووجود كادر منظم وخبرة تتراكم وقيادة فاعلة نشطة أوصل المقاومة إلى مرحلة الإنجاز.., ثم جاء العدوان في عام 2006 ليكسر وليحبط الإسرائيلي تماما ليسقط الرهان الغربي على إمكانية الاعتماد على الصهاينة في الإمساك بمصير المنطقة. بتقديري المتواضع إن ما سمي بالربيع العربي كان نتيجة لسقوط هذا الرهان، صحيح أن المنطقة كانت تغلي وكانت تريد تغييراً وكانت تريد إصلاحات داخل بعض الأنظمة وصحيح أن الحراك الشعبي بدأ عفوياً في بعض الأماكن لكن في النهاية تم توظيف الحراك في كثير من الأماكن لمصلحة تحقيق الاستراتيجية الغربية بصرف النظر عن الدور الإسرائيلي المباشر في هذا الأمر.. فما حصل منذ الربيع العربي وفي السياق الذي حصل فيه وضعنا أمام مشهد هو تفكيك المجتمعات وتفكيك كل كيان نشأ بعد سايكس بيكو من ليبيا إلى سوريا إلى اليمن, إلى العراق إلى مصر، فالمجتمع يتفكك من الداخل مع أن الدول لم تغير جغرافيتها، سوريا لم تتقسم سياسياً ولم ينجز مشروع التقسيم الجغرافي لسوريا، لكن النسيج والمجتمع داخل سوريا قد تفكك وأصبح مأزوما وفي العراق كذلك وفي اليمن ومصر وليبيا وفي غيرها، نحن نتحدث عن نماذج في هذا الموضوع مما يجعلنا في الحقيقة نقول أن مواجهة المشروع التكفيري والمشروع الإسرائيلي الذي كان يقوم على العدوان المباشر وعلى أداء الدور الوظيفي والدور المتقاطع مع الدور الإسرائيلي يمكن أن يصاب بنكسة أو هزيمة وأن ينكسر رأس رمحه, من خلال الصمود والمقاومة ولمواجهة وقطع الطرقات المؤدية إلى تمدد العدوان ممكن أن نحاصر الكيان الإسرائيلي ونسقط تفوقه ونضعه في قفص معادلة ردع لا يستطيع الخروج منها, وقد فعلنا ذلك....
مغزى عملية مزارع شبعا في رد مباشر على عدوان القنيطرة
أن على إسرائيل أن تبقي نفسها داخل قفص قواعد الاشتباك التي فرضتها المقاومة بعد
حرب تموز،... لا يسمح للإسرائيلي أن يخرج نفسه من تلك القواعد.. أن تدخل اليأس إلى
قلب العدو الإسرائيلي الذي تعرف خلفيته الثقافية والعنصرية ودوره الوظيفي هذا
الأمر أصبح من وجهة نظرنا أمراً متيسراً بل أكاد أقول أمر واقع...
أما العدو التكفيري فلا يكفي أن تكسر رأس رمحه، وإنما يجب أن تقتلع بنيته الثقافية لأن التكفيري داخل جسمك وليس خارج حيز وجودك ولا شك أن المدرسة الشرعية والفقهية والدينية التي ينطلق منها الفكر التكفيري هي مدرسة منتجة وثرية وتدفع الأموال بسخاء من أجل أن تعمم هذه المنهجية التي تنطلق من البنية التحتية الثقافية وهذا هو الخطر,... إن حب الموت ينطلق من خلفية دينية لكن يأتي من يقول أن لدي نفس الاستعداد لأقتلك وليس في برنامجي أن أواجه العدو الإسرائيلي فهو أهون الشرور، لكن منهجيتك الفقهية والشرعية هي أخطر على العدو الصهيوني وعلى التكفيريين فتصبح المقاومة هي العدو. يجب أن نشرح الوقائع كما هي فالتكفيريون يحملون منهجية ثقافية تلغي كل من يختلف معهم في الموقف لا في المنهجية فحسب... .
كيف نتصدى للإرهاب التكفيري؟
ينبغي التحوط وإجراء الاحتياطات التي تؤمن الحدود المعقولة لحركة الناس وعيشهم ولكن ينبغي أن تكون هناك استراتيجية لا تعتمد فقط على خطط أمنية وعسكرية لكن تحتاج إلى اقتلاع ومنع التوجه الى المنهجية التي تفضي إلى تعليم الناس إلغاء الآخر وتوسل قتل النفس من أجل إلغاء الآخرين, من يستطيع من كل المراقبين والمتابعين للإرهاب التكفيري أن يبين بوضوح ما هو المشروع السياسي لهم؟... هذا المشروع غير قابل للحياة لأنه مجرد عنوان من أجل التسلط واستباحة كل شيء... .
إن قوى الممانعة التي وجدت بيئة حاضنة ووجدت عناية وعزماً وإرادة ذاتية على النهوض, هذه القوى تتنامى في منطقتنا, وإيران تقف على رأس هذا الهرم... .
مواجهة الإسرائيلي بالتصدي والصمود والمقاومة وإيصال العدو الإسرائيلي إلى مرحلة يسقط معها دوره الوظيفي ويُكَبَل بمعادلات ردع تُفتح على أفق انتصارات جديدة عليه عسكرية وبنيوية.
أما مواجهة الإرهاب التكفيري فتحتاج إلى اجتثاث المنهجية وهذا يحتاج إلى إعادة نظر بجدية من الدول الراعية والحاضنة لهذه المنهجية والمسوقة لهذا الفكر والممولة لتعميم هذا الفكر فضلاً عن تمويله بالسلاح والمجموعات وتسهيل العبور وتقديم العتاد المتطور, ما أُريدَ للإرهاب التكفيري في المنطقة من تحقيق الأهداف حقق بعضاً منها لكن كان الهدف الأساسي هو إسقاط موقع سوريا الممانع هذا هدف استراتيجي كان لكل الدول التي استخدمت الإرهاب التكفيري ووظفته في خدمة مشروعها، أعتقد سقط الكثيرون على هذا الطريق وبقيت سوريا، صحيح دُمر ما دمر من سوريا وارتكب ما ارتكب من مجازر، أصاب التعب القوى العسكرية التي تصدت لهذا المشروع في سوريا على المستوى النظامي لكن بقي موقع سوريا مستعداً لمواصلة التحدي وقطع شوطاً كبيراً في إنهاء وظيفة التكفيريين على مستوى تحقيق هذا الهدف... .
بهذا الجو أصبحت إيران دولة كبيرة في المنطقة مكتفية ذاتياً على الأقل بالمواد الاستهلاكية بنسبة 75% إلى 80 %، دولة تتألق تكنولوجياً بمعدل يتجاوز المعدل العالمي للتقدم التكنولوجي للدول, دولة تملك صناعات عسكرية استراتيجية وأصبحت معنية بعالم الفضاء وامتلكت الدورة الكاملة للتخصيب النووي, ... إيران ماضية في بناء قوتها لأن القوة التي بنتها أصلاً كانت في ظل الحصار والعقوبات والإجراءات الدولية التي اتخذت بحقها, أن يعترف العالم بأن إيران هي الدولة الأولى التي تمارس بجدية حرباً ضد الإرهاب هذا يعني انتزاع حق وإقرار لمصلحة إيران يبقى على الدول التي تعترف أن تمارس الجدية في مواجهة الإرهاب...".
تميزت الندوة بالحضور النخبوي لفاعليات أكاديمية من ساحة التعليم العالي في الجامعات اللبنانية والخاصة ومشاركة العديد من العمداء والمدراء من الجامعة اللبنانية، كما تميزت بفتح المجال للنقاش الصريح والشفاف حول كافة المواضيع المطروحة.
بتوقيت بيروت