المحور الثاني كان تحت عنوان "التكفير والالتزام الديني عند الشباب اللبناني: البناء والمواجهة" وترأس جلسته مسؤول هيئة التعليم العالي في التعبئة التربوية الدكتور عبدالله زيعور وتحدث فيه رئيس جمعية المعارف الإسلامية الثقافية الشيخ الدكتور أكرم بركات فقسم كلمته الى محاور ثلاثة الأول قيم الذات وعناصرها البصيرة والوعي وحس المسؤولية والصدق والواقعية والعفة.
المحور الثاني قبول الأخر وعناصره: الانفتاح والتواصل واحترام الاخر واحترام ثقافة الاختلاف والتطوع والخدمة العامة للمجتمع.
امام المحور الثالث فهو الانتماء للوطن والقيم الوطنية على قاعدة المواءمة بين الوطن والدين، ومواءمة الانتماء بين الإنسانية والوطن، ومقاومة الظلم والدفاع عن المستضعفين، والايمان بقوة الوطن وابنائه. من دون ان ننسى ان قيمة الكرامة هي اغلى ما للإنسان.
الشيخ كنعان:
اما عميد كلية الدعوة الإسلامية الشيخ الدكتور احمد كنعان فتحدث عن الخطاب الديني المعاصر وملاءمته للشباب في مواجهة التكفير.
ولخص عناصر هذا البحث بفهم الداعية للاسلام وحقيقة الإسلام ورأى في بعض نماذج الخطاب الإسلامى المعاصر دعوة غريبة إلى مخاصمة الحياة، والتحريض على الزهد فيها، والإعراض عنها، ووصف هذه الدنيا بأنها جيفة وطلابها كلاب، وهى دعوة تناقض نداء الإسلام الصريح للعمل النافع والضرب فى الأرض ابتغاء الرزق وتحقيق التوازن (...) فيما التوجه الإسلامى الصحيح هو توجه يملؤه الأمل والتفاؤل والتطلع إلى المستقبل والإعداد له
الامر الثاني هو البعد عن التشديد على الناس: وهذا يحتاج الى الدعاة والخطباء والمتحدثون والمفتون إلى أن يعرفوا معرفة لا شك فيها، أن شريعة الإسلام قد بنيت على التيسير ورفع المشقة ورفع الحرج، ولم تبن أبدًا على التعسير والمشقة والحرج..
الثالث هو خطاب الترهيب والتخويف: وهو أول عناصر الخطاب الدينى المعاصر، وأكثره انتشارًا، وأشده حاجة للمراجعة وقد كان من نتائج هذا الخلل أن وجدنا كثيرًا من المتدينين يُقبلون على التدين "مذعورين" مخوفين، وإن الخائفين المذعورين لا يصلحون لبناء الحضارات العظيمة.
اما علاقة المسلمين بالغير: فعلى فهمها الصحيح يتوقف مستقبل العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الإسلامى الواحد.. ومستقبل العلاقات بين المسلمين وغيرهم من شعوب الأرض(...) فتكون عاقبة ذلك محاصرة" المسلمين داخل حلقات مغلقة، تحول دون تواصلهم مع غيرهم، وتتركهم فى عزلة تضر بهم وبالناس جميعًا.. بسبب إصرارهم على أن عقيدتهم وثقافتهم لا تفسحان مكانًا للاختلاف..
الاب دكاش:
كلمة الختام كانت لرئيس جامعة القديس يوسف في لبنان الاب الدكتور سليم دكاش الذي تحدث عن الوسائل الجاذبة والدافعة في التعامل مع الشباب وجاء في كلمته:
أودّ بدايةً أن أوجّه الشكر إلى المسؤولين في التعبئة التربويّة في حزب اللـه ومركز الإمام الخميني لدعوتي للمشاركة في هذا الملتقى حول "الشباب اللبنانيّ بين التكفير والإلتزام الدينيّ"، وكذلك أودّ أن أعبّر عن تقديري لاختيار هذا الموضوع الهام الذي يرمي من ناحية إلى نبذ التكفير ومن ناحية أخرى إلى تحديد مشروعيّة الإلتزام الدينيّ المقبول بموجب الدين والحسّ المشترك والقِيَم الإنسانيّة والروحيّة.
فالموضوع ليس التكفير وحيثيّاته ونتائجه فقط بل معضلة التكفير في مقابل الإلتزام الدينيّ. وإذا أخذنا لبنان الوطن كمجال لهذا الإلتزام وكذلك لغلوّ البعض نحو التكفير، فإنّنا نعود إلى الدستور اللبنانّي الذي يجعل من اللـه عزّ وجلّ مرجعًا جوهريًّا ولازمًا لجميع أبنائه. فهذا الدستور هو النموذج، لأنّه يتيح الإلتزام الدينيّ بمختلف وجوهه من ناحية، ويبيّن الطريق لانفتاح الناس على بعضهم البعض. من هذا الباب، ربّما يكون البعض لا دينيين أو متجاهلين للدين، إلاّ أنّ جوهر وجود الكيان اللبنانيّ مرتبط بوجود عائلاته الروحيّة الفاعلة. من هذا الباب، عندما تعلن الشبيبة في غالبيّة أعضائها الإلتزام الدينيّ أكان مسيحيًّا أم مسلمًا أم على صعيد المذاهب، فذلك يُعلي من شأن الكيان اللبنانيّ ويعزّز معناه ومكانته، من دون أن يلغي أحدًا أو يفرض على أحد إلتزامًا دينيًّا معيّنًا وإنّ هذا الدستور عينه يقول بحريّة الضمير لجميع اللبنانيّين إلى جانب حريّة الممارسة.
أمّا بخصوص التكفير، وخصوصًا ذلك التكفير المؤدّي إلى القتل والعنف من دون وازع، فالمعروف أنّه لا يتناول بالتحديد دينًا معيّنًا، إن حصرنا ذلك بالدين، بل إنّه ظاهرة كونيّة رافقت الأديان وأتباعها وخصوصًا الأديان التوحيديّة عامّة، مع العلم أنّه تمّ تسليط الضؤ على الدين الإسلاميّ في الحقبة الأخيرة مع صعود التيّارات المتطرّفة الإرهابيّة التي تعلن صراحة عن انتمائها إلى هذا الدين وإلى اعتماد العنف والقتل باسم الدين وشريعته ومختلف أدبيّاته. وتجدر الإشارة إلى أنّ تيّارًا فكريًّا هامًّا في الغرب يُشير إلى أنّه ليس من الغريب أن تكون الأديان وخصوصًا التوحيديّة منها، أي اليهوديّة والإسلام والمسيحيّة، مثارًا للتكفير والعنف التابع لها، لأنّ هذه الأديان تعلن عقيدة إلهيّة مقدّسة أحادية لا يُناقَش بها وتعتبر من لا يدين بـها جاحدًا معاديًا. أسمح لنفسي القول بأنّ المسيحيّة بوجه الإجمال حاولت أن تتجاوز هذا القول عندما نادت باحترام العقائد الأخرى بما فيها من قِيَم إنسانيّة ومقدّسة، وكذلك بعض الفرق الإسلاميّة وأيضًا بعض اليهوديّة الليبراليّة. إلاّ أنّ ذلك الرأي لا بدّ من أخذه اليوم بعين الاعتبار بحيث تصبُّ مواقف الأديان التوحيديّة في خانة العمل على رسالة التآخي والمحبّة المتبادلة.
أمّا القرآن الكريم فيتحدّث في آيات كثيرة عن التكفير والكفّار. إلاّ أنّ بعض الدراسات تقول بإنّ هذا التكفير يكمن في الوصف لا في تكفير الشخص فلا ذكر لأسماء أشخاص أو جماعات. وبالتالي تصبح تعابير الكفر عاملاً عرضيًّا لا لزامًا، بمعنى أنّ الإنسان يمكن له أن يكون كافرًا فيتوب أو ملحدًا فيعود الحكم في ذلك للـه نفسه عزّ وجلّ. وتقول الدراسات أيضًا أنّ الكفر، بما أنّه حالة قد تصيب الإنسان لضعفه، فهو دعوة للإصلاح والتوبة لا للفساد والإفساد والقتل وإدانة الآخرين بدل إدانة الذات.
والمشكلة مع التكفيريّين أنّهم قوم تمّت برمجتهم وكأنّهم نوع من الكائن الآلي، فلا وعي لما يقومون به من تصريح أو فعل أو حركة، فهم مسيّرون لا مخيّرون حتى ولو كانوا مثقّفين متعلّمين وحائزين على أعلى الشهادات أو كانوا من جيل العاطلين عن العمل والمهمّشين اجتماعياًّ واقتصادياَّ. فالمكفّر هو بالتالي الذي أصبح يؤمن بالباطل على أنّه الحقّ، وبالحقّ على أنّه باطل ويؤمن بأنّ الجهاد هو في قتل الذي يخالفونه الرأي تحت شعار اللـه أكبر.
أمّا الحديث عن الوسائل الجاذبة إلى هذا التكفير وكذلك الوسائل الدافعة عنه فهناك الكثير من الأدبيّات في هذين المجالين. فالدعوة إلى إقامة دولة الخلافة والعدل والشرع بموجب فقه معيّن لا فقه غيره تلقى الأذن الصاغية لدى شبيبة لا تجد مستقبلها وحتى حاضرها إلاّ من خلال الأصوليّة أو أنّها غرقت في عالم الضياع والاستهلاك وفقدان الهويّة. وكذلك نجد تربية شبيبة ملتزمة دينيًّا إلا أنّها ترى في العولمة أداةً لضرب الدين والمتديّنين وأنّ في النظام السياسيّ الغربيّ دعوة إلى استعمار جديد ولا شكّ أنّ الأنظمة التي لا تشجّع الحوار والتي تربّي على أيديولوجيّات مقفلة لا تعكس للدين مكانه إنّما تشجّع من دون أن تعي على الأصوليّة ومن ثمّ على التطرّف ثمّ على التكفير وإدانة الآخر والحكم عليه باسم الدين بالكفر.
كيف نعمل من أجل نبذ التكفير وآثاره؟
1- نحن من جيل زمن الصورة، والتربية وتربية الشباب تكمن في قراءة الصورة عن الآخر قراءة جيّدة عميقة. فكثيرًا ما أصبحت صورة الآخر مشوّهة ونمطيّة.
2- نحن في زمن الوعي، والشباب اليوم، بما يحصّلونه من الثقافة الجامعيّة والمهارات والكفاءات، لديهم المقوّمات الفاعلة والنضوج والانفتاح الروحيّ، حيث بموجبها تمّ تنقية إيمانهم باللـه عزّ وجلّ من كلّ شائبة ومن كلّ غلوّ وأيضًا من سطحيّة وربّما من كلّ أصوليّة لا تخدم لا الأصل ولا الإيمان ولا الدين بل إنّما تحطّ من شأن الدين.
3- نحن في زمن وفي جيل شباب لديه العقيدة أنّ الإيمان هو باللـه الذي أهدانا الحياة البيولوجيّة والمعنويّة فلسنا نحن الذين خلقنا أنفسنا بل إنّ اللـه هو مصدر الحياة ويدعونا إلى أن نكون كفلاء ومسؤولين عن هذه الحياة فنصونها ونعمل من أجل عزّتها.
4- نحن، في زمن نتحدّث فيه ليلاً نهارًا، خصوصًا الشبيبة، عن التضامن والشراكة والأخوّة فاللـه عزّ وجلّ لم يُبدع ولم يُحدث تضامنًا وشراكة بين الذين يشبهون بعضهم فقط وإلاّ لم يكن هو اللـه. فإله الخير إنّما خلق الخير والشراكة للجميع سواسية من كلّ لونٍ وبلاد. إنّه هو الذي أبدع الإختلاف البشري عملاً بتلك الآية العظيمة التي تقول "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (سورة الحجرات، 13). فإذا كان اللـه قد أولد في قلوبنا روح المسؤوليّة فإنّما دعانا ويدعوني لنكون مسؤولين عن هذا الاختلاف بين البشر فندافع عنه ونحصّنه ونقوّيه.
5- من هذا الباب، الشبيبة لديها اليوم الحسّ الكبير الداعي إلى احترام الآخر في رأيه ونظرته إلى الوجود. فهذا الاحترام لا يكفي إلاّ إذا تحوّل إلى ثقافة احترام، حيث يقوم الواحد منّا بالإصغاء إلى ما يقوله الآخر حتى ولو كان مختلفًا. وهذا الإحترام لن يكون متينًا إلاّ إذا عبرنا به نحو معرفة الآخر وعقيدته، غير ما تتحفُنا به بعض وسائل الإعلام أو الكتب أو صفحات الإنترنت من الصور المنمّطة والأحكام المسبقة التي غالبًا ما تكون صحيحة.
6- هذا ما يدعو الشبيبة اليوم، وخصوصًا الشبيبة المؤمنة الملتزمة، ألاّ تنقاد من دون وعي لبعض الدعاة أو بعض الإجتهادات، بل إلى مواجهة التكفير بالتفكير لا بل بالتقليد الأعمى. في هذا الإطار، قضيّة الهويّة والإنتماء هي قضيّة مركزيّة بالنسبة إلى عالم اليوم والغد. والسؤال الأساسيّ هو التالي : ما هي هويّتنا اليوم ؟ وكيف أعيش هويّتي وانتماءاتي اللبنانيّة والعربيّة والإسلاميّة والمسيحيّة وكيف أزاوج بينها؟ هل هي هويّة منغلقة على ذاتيّتي ؟ هل هي هويّة متجمّدة، هويّة خائفة على كينونتها وكأنّها ضعيفة وتائهة؟ أم هي هويّة منفتحة على الآخر ولديها مسلّماتها، تعرف ما هو الثابت وما هو المتحوّل وبالتالي لا تخاف من الأخذ من الآخر ما هو غنى وفائدة ؟ هنا تُطرح مسألة الهويّة في بعدها التعدّدي. فإذا ما انغلقت الهويّة على نفسها ورفضت الإنفتاح فإنّما تضع نفسها في موقع عدم الإعتراف بالآخر لأنّها لا تمدّ الجسور معه ولا تحاول أن تبني معه أو مع الهويّة الأخرى ما هو مفيد لبناء المجتمع الأوسع والوطن الواحد الذي يتّسع صدره للكثير من الهويّات المتفاعلة. الخطر من الارتداد لهويّة على ذاتها يكمن في إدانة الآخر والهويّة المقابلة وبالتالي بداية مسيرة تكفير تخطئ الهويّة الأخرى المختلفة وتجعلها مارقة للدين.
وأختم قائلاً إنّ هذه المواقف التي تكلّمنا عنها للتوّ إنّما تشكّل الحاجز أمام كلّ غلوّ وإدانة للآخر وتكفير مذهبه أو دينه وتعنيفه. إنّها مسيرة إيمانيّة والتزام ديني تشكّل فيها الشبيبة العنصر الأساسيّ في التغيير للوصول إلى علاقات إجتماعيّة وسياسيّة مبنيّة على التوافق بدل التناحر وعلى معرفة الآخر لا على جهله ونبذه من ساحة الإنسانيّة.