اعتبر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب الحاج محمد رعد ان الإلتزام الديني هو أرقى التزام تصل إليه البشرية.. لانه يحصنه بكل الكوابح التي تحول دون سقوطه أو تهميش دوره أو تعطيل فاعليته المنتجة في الحياة، في مقابل التكفير الذي هو نهج إلغائي للإنسان ولدوره ولموقعه في الحياة.. لا بل هو وجه من وجوه العنصرية الشيطانية في الأعم الأغلب، تؤشر إلى ادعاء واهم بالتفوق، وإلى سادية في السلوك وإلى عنف دموي بالنهج..
بعدها تحدث راعي الحفل النائب رعد فقال: " في البداية، أتوجه بالشكر الجزيل إلى التعبئة التربوية في حزب الله وجمعية مراكز الإمام الخميني الثقافية، على دعوتنا للمشاركة في هذا الملتقى الثقافي المهم، الذي ينعقد لمعالجة موضوع شائك يواجهه الشباب اللبناني ويضعه أمام تحدي الخيار الصحيح الذي يتوقف عليه حاضره ومستقبله.
"الشباب اللبناني بين التكفير والإلتزام الديني" عنوان فرضته الهجمة التكفيرية التي اجتاحت بعض دول عالمنا العربي والإسلامي وأثارت بطبيعة الحال موجة من الأسئلة الحائرة الباحثة عن العلاقة بين التكفير والتدين، وعن التأثير المتبادل بينهما وصولاً إلى البحث عن مدى حاجة الشباب اللبناني لأي منهما.
ولئن كان من المفترض أن هدف هذا الملتقى هو التصدي لتلك الأسئلة والإجابة عنها بشكل واضح ومقنع ووافٍ، فاسمحوا لي أن أقدّم مداخلتي في هذا الإتجاه علَّني أسلِّط الضوء على بعض ما ينبغي الإهتمام به والتركيز عليه..
أولاً: التدين نزعة فطرية لصيقة بالإنسان منذ نشأته الأولى، ويشكل المرتع الخصب للقيم الإنسانية النبيلة التي يعبر الإلتزام بها عن مستوى الكمال الإنساني الذي تنعشه وترعاه وتحض عليه الرسالات السماوية وجميع الأنبياء عبر التاريخ البشري.
ويشكل التدين ايقاع التناغم والإنسجام التكويني والسلوكي المنتظم ضمن السنن والقوانين الإلهية الحاكمة للإنسان والكون والحياة.
وعدم التدين وفق الرؤية المتقدمة، هو شذوذ وافتراق تعسفي يودي بالإنسان إلى القلق والإضطراب والضنك وهذا ما تعنيه الآيات المعبرة في القرآن الكريم: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى".
ثانياً: الإلتزام الديني ليس مجرد انفعال تكويني أو عاطفي ينزع إليه الإنسان بغية الإندماج والإتساق مع السنن الإلهية الحاكمة فحسب.. وإنما هو نتاج تدبر ووعي وتبصر في حقائق الإنسان والكون والحياة، وهو أرفع مستويات الرشد البشري الذي وصله الإنسان عن طريق المعرفة الفطرية والقلبية والعقلية وعبر توسل التأمل والتجريب العلمي والبرهان والمنطق السليم.. "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق".
ثالثاً: العلاقة بين التدين والتعلم هي علاقة تكاملية إيجابية تنحو باتجاه هدف واحد هو الوصول إلى الحق والحقيقة.. التعثر في أي منهما هو تعثر في كليهما.. والتقدم في مسار أحدهما هو تقدم في المسار الآخر.. والعكس صحيح وبمعنى آخر فإن الحقيقة الدينية لا تتعارض مع الحقيقة العلمية.. والعكس صحيح أيضاً.
نعم.. يبرز التعارض حين يكون هناك اشتباه ديني أو نظرية علمية لا يزال ينقصها الدليل القاطع على صحتها.
"أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" النمل 64.
رابعاً: هدف الرسالات السماوية هو هداية الإنسان إلى الحق والخير والعدالة وإشاعة المحبة والرحمة في الوجود، والحث على السمو والكمال لملاقاة النتائج التي تؤهل الإنسان ليكون خليفة الله في الأرض، أو في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. أما التكفير فمن شأنه أن ينحو بالبشرية المنحى المعاكس لهدف الديانات السماوية.
وبناءً عليه فإن ظاهرة التكفير التي شهدها العالم مؤخراً هي ظاهرة شاذة ومفتعلة لا تنم مطلقاً عن انسجام مع مسار الدين، بقدر ما تنم عن انحراف ديني خطير غذته مصالح وأطماع دول وقوى شريرة بهدف تشويه حقيقة الدين وبعث الفوضى والفتن وتعميق النزاعات واضعاف القدرات وصولاً إلى فرض التسلط والهيمنة على العالم وشعوبه وتكريس الإستعباد والإخضاع.
خامساً: الشباب يمثل الطاقة البشرية الواعدة بالرشد، الناضحة بالحيوية، القادرة على الإبداع واستهدافه هو استهداف للبشرية جمعاء، ولذلك تتسابق كل القوى والدول لتوظيف هذه الطاقة أو جذبها أو لتعطيل نموها.
في ضوء ما سبق.. أخلص إلى ما يلي:
إن الشباب الذي يعبر مرحلة عمرية تضج بالحيوية وتعد بالنضج وتواجه منعطفات كثيرة ومتنوعة المسارات.. لا بد له من الإلتزام حتى لا يغدو ورقة تتقاذفها الرياح، وحتى لا يتحول إلى ضحية يهوي بها الفراغ والعبثية والاغراء بالجهل وحب الشهوات إلى مهاوي الطيش والإنحراف والضياع.
الإلتزام الديني هو أرقى التزام تصل إليه البشرية.. لأنه يعبر عن حالة أنس الإنسان بالحقيقة، من خلال ارتباطه بالله جل وعلا والتمسك بصراطه المستقيم وتحصنه بكل الكوابح التي تحول دون سقوطه أو تهميش دوره أو تعطيل فاعليته المنتجة في الحياة او الحؤول دون ترقيه لبلوغ موقعه السامي الذي خلق من أجله وهو تجسيده لخلافة الله في الأرض بكل ما تستلزمه هذه الخلافة من استقامة ووعي وملازمة للحق والخير والعدل ومجانبة للباطل والشر والظلم.
أما التكفير فهو نهج إلغائي للإنسان ولدوره ولموقعه في الحياة.. لا بل هو وجه من وجوه العنصرية الشيطانية في الأعم الأغلب، تؤشر إلى ادعاء واهم بالتفوق، وإلى سادية في السلوك وإلى عنف دموي بالنهج..
التكفير لا يقبل اعترافاً بالآخر، ولا حواراً معه، أما الإلتزام الديني فيفرض احترام الآخر، ومحاورته بهدف تنمية الوعي والتأهل للنجاح في الدنيا والآخرة.
في السياسة.. التكفير.. نزعة يتناسل منها الإرهاب.. أما الإلتزام الديني فتيار استقامة انسانية يتعهد مقاومة قيمية نموذجية .. تتكفل مواجهة الإرهاب ومكافحته، وتحقق استقراراً كاملاً وسيادة شعبية وحماية ذاتية للأوطان.
آمل لملتقاكم التوسع في أبحاثه ومناقشاته ليقدم للشباب خريطة طريق له في حياته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.