X
جديد الموقع
حزب الله يهنئ الشعب الفلسطيني على كسر قيود الاحتلال عن المسجد الأقصى المبارك
حزب الله: ما قام به أبناء عائلة الجبارين في القدس درس لأحرار الأمة..
الإمام الخامنئي: الجرائم بحق الشعب الايراني لن تزيده إلا كرهاً للادارة الأميركية وأذنابها بالمنطقة كالسعودية
بيان صادر عن حزب الله تعليقاً على اقتحام النظام البحراني لمنزل آية الله الشيخ عيسى قاسم
حزب الله يدين بأشد العبارات : الحكم ضد آية الله الشيخ عيسى قاسم جريمة
السيد حسن نصر الله يهنئ الشيخ روحاني بإعادة انتخابه رئيسا للجمهورية الاسلامية

مقاومتنا :: دم الشيخ الذي سقط في يد الله

img

كبرت جبشيت وشيخها لا يزال شاباً. من يدخل إلى البلدة ظهر يوم الجمعة، سيسمع صوت الشهيد راغب حرب منطلقاً من المسجد قبل الصلاة، يتبعه صوت السيّد عباس الموسوي، تأكيداً لاستمرار المسيرة التي أطلقها شيخ الشهداء قبل ثلاثين عاماً.

 


 

الصورة الكبيرة التي وضعت للشيخ راغب حرب أمام منزل أهله في البلدة تظهره ماشياً، ملوّحاً بيديه، والبسمة الجميلة تزيّن وجهه. كأنه هو من يقف لاستقبالنا، ويدعونا إلى الجلوس مع أفراد عائلته الذين سيبدأون معنا حديثاً، لم ينتهوا منه بعد.

ثلاثون عاماً مرّت على رحيل الشيخ راغب، والجرح لم يبرد بعد. لا يمكنك وأنت تستمع إلى والدته تسرد مواقف في حياة ابنها البكر، إلا أن تلاحظ الرجفة التي تعتري صوتها وهي تقول لك الجملة التي ستحزّ في قلبك: «بعدني إسّا (الآن) بس دير بالي (أتذكر) ليوم اللي استشهد، بحسّ كأنو واحد جرح لي قلبي بالسكينة». لم يكن الأمر سهلاً: «مرّت علينا أيام أسوَد من الزفت... كانت الشكوى إلو (له)»، تقول وترفع أصبعها إلى السماء. «لما كنت لاقي الأشياء صعبة عليي كتير، كنت إتوضّى وصلّي، صبّر حالي متل ما السيّدة زينب صبّرت حالها».

تعرف الحاجّة أم راغب قصة السيّدة زينب جيداً، فالشيخ راغب يحكي عنها في واحد من الأشرطة الكثيرة التي تحتفظ بها، وتسمعها «طول ما الكهربا جايي». وهذا ما يفعله كلّ أفراد العائلة، يستمعون إلى الشيخ بنحو يكاد يكون شبه يومي، فتحضر عباراته بشكل عفوي في محطات كلامهم، أو لدى رغبتهم في الاستشهاد بشيء كان يقوله، وتحقق.

سميّة، الابنة التي كانت في الثامنة من عمرها عندما فقدت الوالد، تتذكر أن والدها قال يوماً: «إسرائيل وهم مزّقناه». لا تكتفي بذكر العبارة، بل تشرحها: «قالها في عام 1983، يوم كان الكثيرون يقولون العين لا تقاوم المخرز». العبارة نفسها يستشهد بها شقيقه الشيخ إسماعيل الذي درس الدين نزولاً عند طلب شقيقه الشيخ راغب الذي يكبره باثني عشر عاماً. يرى أن أهمية الشيخ راغب تكمن في بعد نظره، وهو الذي كان يكرّر القول «يا ربّ نحن قادرون على تحمّل النصر فأنزله علينا». وعندما كان يُسأل «كيف سنُخرج إسرائيل من لبنان؟» كان يجيبهم مبتسماً «فكّروا كيف بدنا نطلّعها من فلسطين». لذلك، عندما يستعرض اليوم مسيرة الشيخ راغب يرى أن أهمّ دروسها هو قدرة الشيخ راغب على تحويل مقاومة الاحتلال إلى ثقافة شعبية. وقد شهد الشيخ على هذا الإنجاز إثر اعتقاله في آذار 1983. يومها عاش فرحة كبيرة عندما عرف بتضامن الناس معه من خلال الاعتصام الكبير الذي نفّذوه على مدى سبعة عشر يوماً، وأدى إلى الإفراج عنه. لكنه لم يكن يستخف بالاسرائيلي. ويقول الشيخ إسماعيل إنه «عبّر مرة أمام بعض الإخوان بأن العدوّ ليس غبياً. هم أطلقوا سراحي لكنهم سيقتلونني».

هذه الثقافة الشعبية للمقاومة هي التي تجعل القضاء عليها أمراً صعباً، «ونلاحظ حتى الآن أن فكرة مقاومة العدو الاسرائيلي لا تزال راسخة». لم تترسّخ هذه الفكرة من دون تضحيات قدّمها الشيخ بشجاعته الفائقة. وهو الذي لم يوافق على مغادرة الجنوب بعد دخول قوات الاحتلال الاسرائيلي إلى لبنان في عام 1982، رغم كلّ العروض التي قدّمت إليه. بل قطع زيارته لإيران عندما سمع أن الاسرائيليين دخلوا بيته الذي كان يؤوي الأيتام. يتذكر الباحث موسى قصير الذي كان معه في طهران الحادثة جيداً: «طلب مني الشيخ راغب أن أقدّم له موعد الحجز. قال له بعض الموجودين: لا تذهب سيقتلونك، فأجابهم: أأبقى أنا هنا أتمتع بالحياة والأيتام يروّعون في بيتي؟».

مغادرته الجنوب في تلك المرحلة كانت تعني دفع الباقين إلى المغادرة، فأصرّ على البقاء والمواجهة وتعبئة الأهالي ضد الاحتلال. تروي زوجته كيف كان الإسرائيليون منتشرين بين البيوت، وكان زوجها يصرّ على مواجهتهم «في هذه المرحلة عمل على كسر هيبة الاسرائيلي وكسر حاجز الخوف منه». صار يحكي عن الإسرائيلي «أضحوكة أطفالنا»، الذي يملك «كم دبابة فيها أشباح، وكم طائرة ما فيها قلوب، لو مسّتها سيوف أهل الحق لتهافتت تهافت الفراش في النار». أما ما لا ينساه الجميع فالتذكير بالموقف الشهير، والمفصلي في تاريخ المقاومة، عندما دخل الإسرائيليون إلى بيته، ومدّ أحدهم يده له فرفض المصافحة «التي تعني الاعتراف». موقف مثّل نهجاً للمقاومة التي استمرّت من بعده.
تذكر سميّة قول والدها «كان يقول يهدّو كلّ البيوت، فماذا يعني بيتي ومفتاحه في يد الجار؟». هذا عدا عن دعوته إلى مقاطعة البضاعة الإسرائيلية. حتى إنه كان يقاطع كلّ ما هو أجنبي، ويفضّل الصناعة اللبنانية على غيرها. فيقول قصير إنه لم يكن يدخّن إلا التبغ الجنوبي، ويعلّق شقيقه «الجبشيتي تحديداً».

كان يعيش بين الناس من دون تكلّف. يزور الفقراء فرداً فرداً في بيوتهم، ويساعد المزارعين، وهذا ما جعله يترك أثراً لدى الناس الذين لم يكن يخاطبهم إلا بعبارة «يا كرام خلق الله». وقد عاشت معه زوجته أم أحمد حياة غير سهلة، تحمّلتها بصبر. تتذكر حياتهما في النجف: «كان المصروف ينتهي في منتصف الشهر. كنا نبلّ الخبز اليابس بالكشك الساخن لكي نستطيع تناوله». لكن رغم القلة، كانت القناعة موجودة، والرضا كذلك.

وعندما غادر الشيخ راغب العراق، في وقت كان ملاحقاً فيه، لم يكن يعرف أنه لن يعود.

فقد حصلت بعض الظروف، وكان آخرها مرض والده ووفاته، ما جعله مسؤولاً عن العائلة. بقي في جبشيت، يدرس ويدرّس. وفي تلك الفترة القصيرة، أقام صلاة الجمعة، وأسّس مبرة للأيتام. وقبل اكتمالها، قسم بيته مناصفة بين أفراد عائلته وبين خمسين يتيمة. تحمّلت زوجته هذه الحياة، وهي التي أحبّته منذ صغرها. فهو ابن عمها. تبتسم وهي تتذكر كيف أعلن لها رغبته في الارتباط بها: «قال لي: لكي تعرفي ممن أريد الزواج، قفي أمام المرآة. ضعي جريدة عليها، ثم انزعيها".

 


 

هذا الحبّ الذي جمعهما هو الذي جعلها تقف على قدميها وتربّي عائلة من سبعة أفراد، صغيرها ولد بعد استشهاد والده فسمّي راغب. وقد كبر الصغير وصورة الشيخ راغب تزيّن كلّ الأماكن التي يرتادها. تقول والدته «مرة كان عمره سنتين، وكنا في المسجد. تركني وتقدّم إلى الصفوف الأمامية وراح ينظر في وجوه المشايخ. اعتقدت أنه يبحث بينهم عن الوجه الذي يراه في الصور الموجودة في البيت لأبيه».
لا يشعر راغب بالظلم لأنه لم يتعرّف إلى والده «الله اختار هذا الشيء وهو أكيد أصلح». يتذكر أن المعلّمة سألتهم مرة في الصف «من منكم كان يحبّ أن يكون أهله أفضل، فكنت تقريباً الوحيد الذي وقفت وقلت: الحمدلله، بحسّ أهلي كاملين». ويرى راغب في استشهاد والده «جانب الربح. من جهة هناك النصر الذي وعدنا به الشيخ وتحقق، ومن جهة ثانية العزّ الذي عشناه كأسرة، الاحترام والتقدير من قبل الناس». فهو كلما التقى أحداً، سمع قصة جديدة عن والده «مرة كان في كفرحتى، ونام في بيت أحدهم وصار يحكي للشباب عن أهمية التشجير. قال لهم هذه المنطقة حرام تتركوها جرداء. هكذا تتفيّأون، تأكلون الثمار، والمجاهدون يختبئون».

أما الصور التي تحفظها سميّة عن والدها فقليلة. فقد كانت «طلّاته» قليلة في السنتين الأخيرتين، ما جعل من كل «طلّة» له قصة. تروي كيف كان يتعامل معهم باللين لإقناعهم بالالتزام الديني «جاء مرة إلى البيت وكنا نلعب، سألنا عن الصلاة، وكانت أختي لم تصلّ بعد. قال لها ادخلي وصلّي، فقالت: عندما ينتهي دوري. أجابها: أنت صلّي، وأنا ألعب دورك إلى أن تعودي».

هذه الزيارات القصيرة إلى البيت مثّلت زاد العائلة التي فوجئت باستشهاده، خصوصاً أنه لم يُعدّ أحداً لها. تتذكر الوالدة أنها عندما كانت حاملاً به، وقع حجر كبير على بطنها. خافت على الجنين الذي بقي عدة أيام من دون حراك. وعندما أنجبته «كانت صحتة جيدة، فقلت لهم: هيدا الصبي ما رح يصرلو شي ليحرز. بدو يطلع صيتو بالدنيا».

ذاع صيت الشيخ راغب في الدنيا، لكن باكراً جداً. فقد كان في الواحدة والثلاثين من عمره عندما كمنت له مجموعة من العملاء واغتالته داخل بلدته التي أمضى أيامه الأخيرة فيها متنقلاً بين بيت وآخر، هارباً من ملاحقة المتعاملين مع الاحتلال له. وتتذكر إكرام فحص كيف كانت تترك له نافذة البيت مفتوحة ليدخل منها ليلاً بعد أن يناولها عمامته.
عن استشهاده في هذا العمر المبكر يستشهد ابنه راغب بمقوله له في أحد الخطابات: «الدنيا مثل محطة قطارات، في شخص بيقعد بيعدّ القطارات المارة، وشخص بيركب بالقطار بيمشي». لذلك، المسألة هي كيف نستغلّ هذا العمر؟». وهذا ما يراه الشيخ إسماعيل أيضاً. فالشيخ راغب لا يزال حاضراً إلى اليوم بسبب إخلاصه لله الذي سخّر له من يحيي نهجه».

الحديث هنا عن نهج المقاومة الإسلامية التي أطلقت رسالتها المفتوحة في الذكرى الاولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب، والتي حرص أمينها العام، الشهيد السيّد عباس الموسوي، على زيارة الشيخ والاهتمام بعائلته. فتذكر والدة الشيخ أنه كان يزورها دائماً، وعائلته. «هو بالنسبة إلي مثل الشيخ راغب. زارنا مرة، وكنا نتناول الغداء في الخارج. حاولنا أن نتحرك، فقال مش مسامحين تقوموا، وقعد معنا على الأرض وأكل معنا كمونة بندورة». يتذكرون اليوم الأخير له في جبشيت وكم كانوا قلقين على حياته، بعدما لاحظ الجميع الطائرات الحربية الاسرائيلية في الجو. ومع وقوع الغارة، لم يتردّدوا كثيراً قبل القول: لقد استشهد السيد عباس.

منذ ذلك اليوم، صار للاحتفال بذكرى 16 شباط قيمة مضاعفة. فهذا التاريخ محطة أساسية لكلّ الشموخ والعزّ الذي تركه لنا الشهيدان. تقول سميّة «نشعر بوجوده مع كلّ نصر، ونتأكد من مقولته إن دمه لم يسقط إلا في يد الله». وفي هذه المناسبة يبدون حرصاً على سماع ما يقوله السيّد حسن نصرالله عنه، «لأن هذا يعني أن الشيخ لا بدّ حاضر، حتى في أذهان القادة». ويتحدّثون عن أوجه الشبه بين الرجلين، فيقول الشيخ إسماعيل «أهم شبه هو الإخلاص وعدم التكلّف والصدق مع الناس». لذلك لا يبدي خوفاً على المقاومة «ففي كلّ مرحلة من مراحلها كان الله يرسل لها قيادة بمستواها. وأعتقد أنها مرّت بتحدّيات أصعب ممّا هو حاصل اليوم، ونجحت في تخطّيها».

مهى زراقط/جريدة الأخبار

15-02-2014

تعليقات الزوار


مواقيت الصلاة

بتوقيت بيروت

الفجر
5:36
الشروق
6:49
الظهر
12:22
العصر
15:29
المغرب
18:12
العشاء
19:03