X
جديد الموقع
حزب الله يهنئ الشعب الفلسطيني على كسر قيود الاحتلال عن المسجد الأقصى المبارك
حزب الله: ما قام به أبناء عائلة الجبارين في القدس درس لأحرار الأمة..
الإمام الخامنئي: الجرائم بحق الشعب الايراني لن تزيده إلا كرهاً للادارة الأميركية وأذنابها بالمنطقة كالسعودية
بيان صادر عن حزب الله تعليقاً على اقتحام النظام البحراني لمنزل آية الله الشيخ عيسى قاسم
حزب الله يدين بأشد العبارات : الحكم ضد آية الله الشيخ عيسى قاسم جريمة
السيد حسن نصر الله يهنئ الشيخ روحاني بإعادة انتخابه رئيسا للجمهورية الاسلامية

مختارات :: معلولا: قربان المسيحيّة المشرقيّة

img

 


 

"المرة القادمة لن أذهب إلى معلولا بدونك، وعليك تدبّر أمرك". لطالما رددت إيلين، صديقة العائلة، هذه العبارة على مسمعي. ولو أنّك عايشت الخالة إيلين حتماً لكنت أحببتها، إذ ستعاملك وكأنّك أحد أبنائها الخمسة الذّين هجّرهم الغزو الأميركي على العراق إلى ألمانيا. تختصر هذه المرأة بمعاناتها معاناة المسيحيّة المشرقيّة. فهي رقدت قرب زوجها العراقي الكلداني في المقبرة كما تمنّت.. رقدة إيلين جاءت بعدما عجز قلبها الضّعيف عن الإنتظار أكثر، شوقها لرؤية أبنائها، كان قاتلاً...

إيلين لبنانية أشورية، فقدت أخاها في الحرب الأهلية لأنّه "كان يتردد إلى "بيروت الغربية" كثيراً" ما اضطر ميليشيات اليمين اللّبناني إلى التّخلّص منه..

لو تعلمين إيلين؟! كادت معلولا أن تنضم إلى لائحة من تفتقدين!

"أنا مسيحي وإن أردتم قتلي لأنني مسيحي فلا مانع لدي" بهذه العبارة استقبل شهداء معلولا الموت التّكفيريّ بعد رفضهم اعتناق إسلام القتلة المشوّه.

أمّا بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأورثوذكس، فكان ردّها على ذبح الشّهداء، وتهشيم تماثيل العذراء والصّلبان، وحصار دير مار تقلا كالآتي:

"نحن نعي... تمامًا أن حضور الدير في المنطقة يشكّل دعوة واضحة للمحبّة والسلام والتآخي بين أبناء الوطن الواحد. ونحن مصرّون أن نبقى فيه لنشهد لمحبتنا لوطننا ولجميع أبنائه، ولنعبّر للجميع عن رفضنا المطلق للعنف وما يجرّه من ويلات على البشر والحجر". فكانت شهادة مستقيمي الرأي للحقّ.

بدم أبنائها، وبهذين الموقفين تستقبل معلولا زمن أعيادها (عيد الصليب، عيد القديسة تقلا (14 و24 أيلول)، وعيد الشهيدين سركيس وباخوس (7 تشرين الأوّل) ). جبهة النّصرة في القلمون ارتأت أن تفتح "عاصمة الصّليبيين"، وتخوض "معركة تحرير معلولا"، ففي زمن الدّم والتّكفير لا مكان للأعياد والصلوات.

نعم، تكفيريو الزمن الرّديء يريدون تطهير سوريا من احتلال سكانها الآراميين المسيحيين، أولئك الموجودون منذ بزوغ شمس الحضارة على الشّرق. تخيّل كيف "تُطهّر" منطقة من تاريخها ووجودها؟! وللتذكير فقط، أكثر من عانى من الصّليبيين هم مسيحييو الشّرق، إذ سقطت القسطنطينية، مقر البطريركية الأورثوذوكسيّة، وأحرقت بيوتها وكنائسها على يد همجيتهم.

بدأت الإعتداءات على معلولا في الرابع من أيلول، عندما فجّر الإنتحاري أبو هيثم الأردني سيارته المفخخة بحاجز البلدة. كان المهاجمون يتحصنون في فندق سفير معلولا، ويأتي معظمهم من يبرود، القرية المجاورة للبلدة. ما يحزن الصحافي والباحث غسان الشامي هو أنّ "المحيط أسلم من فترة غير بعيدة"، لكنّه نسي تاريخ منطقته، وتنكّر لأخيه السوري. يضيف الشّامي أنّه "لم يبق في البلدة سوى 50 شخصاً، في حين يبلغ عدد سكّانها 3000 نسمة".

يؤكّد الشّامي أن "الدّمار، وحيطان الكنائس المهدومة، وصلبانها المسروقة تعوّض، لكن ما نقش في النفوس يستحيل تعويضه". معلولا ليست البلدة المسيحيّة الأولى التّي تجلدها جلجلة سوريا ولن تكون الأخيرة. إذ تعرّضت كنائس حمص للإحراق والسّلب والتّخريب. وقُتل آخر حمصيّ مسيحيّ (الياس منصور، 84 عاما) برصاص القنّاص لأنّه رفض مغادرة المدينة بعد تهديدات التكفيريين المتكرّرة، وطردهم السكان عبر مآذن الجوامع. لم يسلم رجال الدين حتّى من غوغائية هؤلاء، إذ تمت تصفية الأب فادي حداد، راعي كنيسة النبي إيليا الأورثوذكسيّة، في بلدة قطنا (ريف دمشق) بشكل وحشيّ. كذلك تمّ اختطاف المطرانين بولس اليازجي ويوحنا إبراهيم، ولكن لم خطفت معلولا كلّ الأضواء؟ وكم يبلغ مدى تجذر المسيحيّة في المشرق؟ وما هو مستقبلها؟

 

 

خصوصيّة معلولا

معلولا أو "مو علولا" بالآراميّة هي مدينة سورية تقع في شمال غرب دمشق، واسمها يعني بالآراميّة المدخل أو المعبر، وبالسريانية المكان المرتفع ذو الهواء العليل.

ما من مسيحيّ مشرقيّ إلاّ ويعرف معلولا، وإن لم يزرها. فالبلدة تختزن في أحشائها تاريخ الأزمنة الأولى لاضطهاد المسيحيين، ويتحدّث سكانها لغة المسيح الآرامية السريانية. فأبناء البلدة هم من أوائل معتنقي المسيحيّة في العالم، وقد عانوا من الإضطهاد الروماني. وفي معلولا يعيش الأورثوذوكسي، والكاثوليكي، إلى جانب السنّي.

6 آلاف عام من الحضارة تختصرها معلولا، القرية السورية العتيقة، عتق الكون. تؤكّد الأبحاث العلمية أنّ الإنسان القديم سكن البلدة منذ العصر الحجري. وقد شكّلت معلولا مركزاً أسقفيا بيزنطياً منذ القرن الرابع ولغاية القرن السابع عشر. وهي تحتضن أيضاً دير مار سركيس وباخوس، وهو من أقدم الأديرة المسيحيّة، وبدوره يحتضن "أقدم مذبح مسيحي في العالم (316 م)، بعد أنّ كان مذبحاً وثنياً قبل مرسوم ميلانو (313 م)" يؤكّد الأستاذ الشّامي. كما يختبأ خشب أرز بعمر ألفي عام، وأيقونات عمرها أكثر من ألف عام في زوايا الدير نفسه. كذلك تزخر صخور معلولا وتلالها بقلالي النّسّاك والرهبان.

دير مار تقلا البطريركي

دفنت القديسة تقلا، أوّل شهيدة في المسيحيّة، في معلولا في أواخر القرن الميلادي الأوّل، ثمّ تحوّل ضريحها إلى دير في القرن الرابع للميلاد. آمنت تقلا بالمسيحيّة على يد مار بولس، فغضب والداها الوثنيين وسعيا لقتلها، فهربت إلى أنطاكية، ثم إلى معلولا. ويتحدّث الموروث المسيحي عن نجاة القديسة تقلا مرتين من الموت، ثانيتهما كانت في معلولا لدى ملاحقة الجنود الرومان لها. عندها وصلت إلى جبل فـ "ابتهلت الى الله لينقذها. فانشق الجبل أمامها، وتوارت في الفج، ونجت". هذا الفج يقسم معلولا إلى نصفين، وينتهي بحديقة خضراء ومغارة يرشح سقفها ماءً.

جذور المسيحية المشرقية

استمدت سوريا اسمها من لفظة سريان أو سيريا، وتعني "بلاد الشمس". يعتبر الباحثون أنّ لفظة سريان إغريقية، وهي تحريف للفظة آشوريا بعد إسقاط الألف.

ويجمع الأكاديميون على استبدال لفظة "آرام" بتسمية "سريان" بعد ميلاد المسيح، واعتناق أهل المنطقة للمسيحيّة. حينها شكّلت الرها أو أسروينا أوّل مملكة مسيحية في العالم، وكانت مهد اللّغة السريانية. وقد عبرت المسيحية إلى أنطاكية بعد ولادتها في القدس "أم الكنائس". ومن المعروف أن المسيحيين الأوائل لقبوا بالجليليين نسبةّ إلى يسوع المسيح الجليلي، وعلى طريق دمشق، اعتنق القديس بولس المسيحيّة.

كانت مملكة الرها المسيحية تمتد من بلاد ما بين النهرين إلى شرق تركيا مروراً بسوريا. وهي تحتضن بطريركيّات القسطنطينية، وأنطاكية، أول كرسي رسولي أنشأه القديس بطرس. تشكّل هذه الأسقفيات إلى جانب كرسي الإسكندرية والقدس، الكنائس الأساسية في العالم بعد أسقفية روما، وريثة بطرس، وهي رأس الهرم في الكنيسة.

تختزل سوريا ومصر تراث النّسك المسيحي الأوّل، وفي سوريا بنى القديس مارون كنيسته عام 398 م من حجارة هيكل وثني في براد عاصمة جبل نبو. وفي أحشاء جبل نبو تقع أقدم كنيسة بازيلكية مؤرّخة في العالم (372 م). إرث المسيحيّة الأولى يتركّز في المدن الميتة (800 قرية)، الممتدة من قورش شمالاً وحتى أفاميا جنوباً، ومن حلب شرقاً حتى وادي العاصي غرباً. هذا الإرث الحضاري يؤكّد على مشرقية المسيحيّة وامتداد جذورها في المنطقة.

مستقبل المسيحيّة المشرقيّة

تعتز الكنيسة المارونية، وسائر الكنائس المشرقيّة عموماً بأنّها انطاكيّة. كانت أنطاكية تتبع مقاطعة لواء الأسكندرون السوريّة، غير أنّ الإستعمار الفرنسي منحها لتركيا عبر اتفاقية ترسيم الحدود(1939). تبلغ أملاك أوقاف الكنيسة المارونية في تركيا نحو 10400 كم2 أي بقدر مساحة لبنان تقريباً، معظمها موجود في أنطاكية، مرسين، أضنه، لواء الإسكندرون وطرطوس.

في تركيا، هناك قرى سريانية مهجورة بأكملها، في ولايات ماردين، وأورفة، وديار بكر، وطور عبدين. وكنائس السّريان في تركيا، يستخدم بعضها اليوم كحظائر. تهجير السريان من قراهم كان نتيجة حتمية لمجازر التّطهير التركية بحقّ الأرمن، الأشوريين، الكلدان، السريان، والأكراد في الحرب العالمية الأولى. ومن المعروف أن هذه المجازر كانت وحشية بشكل استثنائي. إذ اغتصبت النساء، وتعرّضن للموت صلباً، وقتل الأطفال، وتركوا في العراء، فريسة للوحوش والضواري، أما الرجال فأعدموا بقسوةٍ بالغة.

سعت الحكومة التركية، وتسعى لتلميع صورتها بهدف الإنضمام للإتحاد الأوروبي، لذا دعت السريان للعودة إلى ديارهم. ومع انطلاق شرارة الأزمة السورية أقيم مخيم لإيواء اللاجئين المسيحيين في مدينة مديات التركية. لكن هذه الدعوة فيها من "المشبوه" ما فيها. فمخططات التّهجير لم تعد تهمة، إذ أنّ تركيا شكلت محطة لترحيل المسيحيين العراقيين إلى أوروبا الغربية. فقد كان عدد هؤلاء قبل الغزو الأميركي يبلغ حوالي مليون ومائتا ألف نسمة، لكنّه اليوم لا يتعدى 400 ألف نسمة. أمّا في سوريا فقد تمّ تهجير 450 ألف مسيحي من مناطقهم، لدى دخول التكفيريين إليها.

ولدى سؤال النائب البطريركي العام للكنيسة المارونية المطران سمير مظلوم عن موقف الكنيسة مما جرى ويجري في معلولا، وسوريا ككل، يؤكّد أنّ "الكنيسة ضدّ العنف والحرب، والتّعدّي على حقوق الإنسان، خصوصاً الإنسان البريء". يشدّد المطران مظلوم على رفض هذا العنف "كائناً من كان من يقوم به"، مضيفاً "نصلّي ونطلب من الله أنّ ينير عقول الجميع ويحلّ السلام والأمن في سوريا وفي كلّ منطقة الشّرق الأوسط والعالم".

أمّا عن مستقبل مسيحيي المشرق، فيجيب سيادته بثقة أنّ "المسيحيين موجودون في المشرق منذ 2000 سنة، وسيبقوا في المشرق مهما جرى". يؤكّد المطران مظلوم أنّها "ليست المرّة الأولى، ولن تكون الأخيرة في مسلسل الإضطهادات". يضيف مظلوم "المسيح أرادنا في هذه المنطقة لنشهد له، ومهما جرى سيبقى المسيحيون في المشرق حتى يؤدوا رسالتهم وشهادتهم للمسيح".

تعرّض المسيحيون، كسائر مكوّنات المشرق لاضطهادات كبيرة منذ دخول الصليبيين، مروراً بغزو المغول، وحكم المماليك، وصولاً إلى الإضطهاد العثماني، وما تلاه من إجحاف الإستعمار الغربي. ولطالما نظر الغرب إلى المسيحيين على أنهم حجر عثرة أمام مخططاته التقسيمية. وفي هذا المشرق، المكوّن أصلاً من مجموعة أقلّيات، والمستهدف بالصيغة الأحادية الإثنية-الدينية الصّهيونية، باتت الحاجة للدفاع عن التّعددية والتّنوع أكثر من ماسّة. إذا ليس المطلوب الدفاع عن كل مكوّن من مكونات الشرق لوحده، وفي سياق منفصل، بل الدّفاع عن المشرق برمّته كنموذج مميّز.

فالمطلوب اليوم هو ترسيخ الإسلام الحقّ، الإسلام القائم على عشق وخدمة مخلوقات الله، وإنسانه للوصول إلى عشق الخالق. المطلوب هو ترسيخ المسيحية الحقّة، ابنة مشرقنا الأصيلة، ولن يكون ذلك إلا بترسيخ الوعي حول الهوية المشرقية. المطلوب هو التّركيز على تحرير فلسطين ومقدساتها. المطلوب اليوم هو تحرير الإنسان المشرقي من ربقة التّجهيل والتّكفير والتّهجير.

 

 نيفين كنعان/موقع معهد المعارف الحكمية



[1] بعض المعلومات التاريخية الواردة في التّحقيق مستقاة من كتاب "في ديار مارون" للباحث والصحافي غسان الشّامي.

 

تعليقات الزوار


مواقيت الصلاة

بتوقيت بيروت

الفجر
5:40
الشروق
6:53
الظهر
12:22
العصر
15:25
المغرب
18:07
العشاء
18:58