" الأربعون قبل الأربعين" حديقةٌ متنوعة يمكن أن يستفيد منها الشباب في حياتهم،حيث يستفيدون من أربعين حديثاً قبل أن يبلغُوا أشدّهم ويصلوا إلى الأربعين عاماً. حيث يتصدّرُ كلّ موضوع حديثٌ من نور المعصومين، ثم يترشّحُ منه كلمات بسيطة، تحاول بالرغم من عجزها أن تُدرك شيئاً من عبق الحديث وأريجه بإذن الله تعالى...
قال رجلٌ للإمام الحسين (ع):"إنّ المعروفَ إذا أُسديَ إلى غيرِ أهلِه ضاع"، فقال (ع):"ليسَ كذلك، ولكن تكونُ الصنيعةُ مثل وابلِ المطَر تُصيبُ البرّ والفاجِر"(1).
إذا تابعْتَ الآيات القرآنية فإنَك لن تجدَ موضِعاً ذكرَ اللهُ فيه الإيمان إلا قرنه عزّ وجل بالعمل وتحديداً الصالح. هذا ما يريدُ الإسلام أن يرّبي أبناءه عليه، على الإيمان الذي لا يبقى رهينة القلوب، إنّما ينطلق لتعمل به الجوارح، وتسعى إليه الأعضاء.
لذا فالمؤمن يتميّز بعمل الخير ويتّسم بهذه الصفة، حيث ترسم تطلّعاته وميوله وما يأمل به ويصبو إليه. هذا هو المؤمن الذي تُشخِّص الروايات مميزاته وصفاته، حيث ورد عن رسول الله(ص):"رأسُ العقلِ بعدَ الدين التودُّد إلى الناسِ واصطناعُ الخيرِ إلى كلِّ بَرّ وفاجِر". وهنا نجدُ أنَّ عملَ الخير ليس له حدود، إنّما هو كالشمس التي تسطعُ على كلِّ الأرض، وكالمطر الذي يَسقي كلّ السهول، وكالرحمة الإلهيّة التي تشمل كلّ الناس. وفي رواية أخرى يقول (ص):"إصطنعْ الخيرَ إلى من هوَ أهلُه وإلى مَن هوَ غيرُ أهلِه، فإنْ لَم تُصِب مَن هو أهلُه فأنتَ أهلُه".
المؤكّد أنّ العاملَ للخير ينظرُ إلى عمله بلحاظِ المُعطي الذي من عادته وطبيعته العطاء، الذي يعمل لمن يعرفه ولمن يجهله وللقريب والبعيد، لأنّ هذا العمل ليس له حدود، ولربما كانت هداية الجاحد على يديه بفضل هذا العمل. هذا ما نراه مع رسولِ الله الذي عادَ اليهودي الذي طالما آذاه، وهذا ما نرقبه مع الإمام السجاد (ع) الذي آوى عائلةَ مَن قتلَ والده حين طلبوا الأمان منه.
وعملُ الخير لا تتحدّد مصاديقه، فقد يكون بالنظرة الحنونة وبالبَسمة اللطيفة أو يكون بالكلمة الطيبة أو بالزيارة القصيرة، وقد يكون بكفِّ الأذى عن الآخر أو جلب المنفعة له. وقد تكون هذه الخدمات أفضلَ عند الله من الصلاة لأنّها نوعٌ من العبادة. حيث يُذكر أنّ الإمام الحسن(ع) كان يطوفُ بالبيت، فجاءه طالب حاجة، فتركَ (ع) الطواف ليلبّي حاجته.
يقول الإمام الخميني: لم يثبُت عندي أنّ البقاءَ في حرِمِ الإمام الرضا (ع) بعد الزيارة أفضلُ من خدمة المؤمنين.
والحقيقة أنّ الإنسانَ لا يبقى ولا يحتفظ في الدنيا والآخرة إلا بالعمل الصالح الخيّر، فمَن أرادَ أن يزيدَ في رصيدِه الذي لا يزول عليه المسارعة في ذلك. وقد ورد عن الإمام علي (ع):"إن للجنةِ باباً يُقالُ له المعروف لا يدخُلُه إلا من اصطنعَ المعروفَ في الحياة الدنيا"(2).
ولا يختصّ عمل المعروف لأهل الخير، وإن كان حقُّهم أوجَب، بل يكون أيضاً لغير الصالحين، لأنّه لو اقترن بالإخلاص والنيّة الخالصة قد يكونُ دافعاً لإصلاحهم. هذا ما حدث عندما وفى الإمام السجّاد (ع) بدَين أحد المُسيئين، ما دفعه للرجوع والإنابة لله تعالى.
فلنجتهد ونحافِظ بأعمالِنا الصالحة على راحتِنا في الآخرة، حيث المقام الرفيع والراحة الدائِمة، وهنالك يكون الفوز العظيم.
1-بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 75، ص 117
2-الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 295.